حلب: أزمات مستمرة.. والحل: صمت!
تحولت أزمات مدينة حلب لاسطوانات مشروخة، ملَّها المتكلم ومجَّها السامع، فرغم تكرار الحديث عنها والشكاوى لكن «لا حياة لمن تنادي»، حيث ظل الفعل الرسمي بحالة غيبوبة دائمة ومسؤوليها غائبين عن المشهد، وحلولهم تأتي أحياناً لتزيد الطين بلَّة، لا لتصلح أو تخفف عبء مواطن تستمر معاناته مع أزمات مدينة بلغ عمر أحدثها العامين ولم يوجد لها حل حتى الآن.
وليس بعيداً عن ذلك الفعل الحكومي، حيث كانت الزيارة الأخيرة للوزراء التي من المفترض أن تكون للوقوف على حاجاتها وحل أزماتها وتأمين متطلباتها «لا ليسمعوا ما يريدونه هم» فلا غلاء ولا أزمات، وكل شيء على ما يرام، وكأنهم بزيارة لكوكب آخر وليس مدينة حلب، أما وعودهم بالحل الجذري لأزمتي المياه والكهرباء ترجمت بالانقطاع التام واللتين كانتا قد بدأتا بالتحسن في حينه ما انعكس امتعاضاً شعبياً.
لتعود هذه الأزمات مترافقة مع شهر رمضان وصيف لاهب، والتي تسبب بها بحسب «الشماعة الرسمية» المعتادة تعرض خط الزربة المغذي لمحطة سليمان الحلبي بالكهرباء لهجوم إرهابي أخرجها عن العمل، شماعة يتم تداولها لتغطي التقاعس الرسمي، كما يروي العديد من المواطنين.
لتبدأ وساطات أهلية كالمعتاد في تزويد المحطة بالمازوت حتى تعود للعمل ولو جزئياً، لكنها صفقة بدأ يتكشف جزء كبير من خيوطها حيث يذهب جزء من هذا المازوت إما لجيوب فاسدين، أو استخدامه من قبل الإرهابيين المسيطرين على المحطة لأعمال إرهابية بدل تشغيل المحطة، ما يحولها إلى عملية ابتزاز معلنة.
أزمة مياه
غياب الفعل الرسمي دفع المواطنين للبحث عن بدائل فقاموا بتخزين المياه، لكن أسبوعين من الانقطاع المتواصل أجهز على ما تبقى لديهم مما اضطرهم للاعتماد على المياه الجوفية لتأمين حاجاتهم اليومية، أما رصيد مياه الشرب الذي شارف على النفاذ فيضعهم أمام مشكلة تأمينه، فالمياه المتوفرة غير صالحة للشرب، وحتى مع وجود أقراص التنقية فهي لا تتعدى كونها للتعقيم فقط لكنها لا تزيل الترسبات الموجودة فيها، ولا تزيل طعمها الغير مستساغ.
الحاجة للمياه رفعت بورصة الأسعار حتى صارت تباع المياه الجوفية التي كانت سابقاً متاحة بالمجان للمواطنين، فصارت ساعة الضخ من البئر مباشرة بـ1000 ل.س، أما التعبئة عن طريق الصهاريج فتراوحت بين 2500 وحتى 3000 ل.س لكل 1000 ليتر، أما طرد المياه الصالح للشرب فبلغ 500 ل.س.
لتتحول الحلول الإسعافية المؤمنة لمصائب دائمة، فغدت الصهاريج الحكومية ملكية خاصة لمسؤولي المدينة وذويهم ومعارفهم تاركين المدينة للفساد ليجهز على ما تبقى منها.
الأوساط الشعبية الحلبية عبرت عن الواقع بطريقتها، فيقول عقيل: «حينما نصيح نريد ماء وكهرباء يقولون لنا الإرهاب هو السبب وهذا صحيح من جانب ولكن ماذا عن الفساد الذي ينخر أجسادنا وينخر مدينتنا ويستنزفنا يومياً دون وجود رادع، والمتورط الأول هم بعض مسؤولو المدينة وإلا ما سبب هذا الصمت المخيم أمام مشكلات تدفعنا للنباح يومياً دون وجود من يسمع»؟!
غياب المسؤولين
أما أم سليم فتحدثت عن مزاجية الفساد التي استشرت فتقول: منذ أسبوع وأحاول الاتصال بأحد صهاريج المياه، فيقومون بتأجيلي من يوم لآخر وأية مفاصلة بالأسعار تقابل بإجابة نزقة «إذا ما عجبك لا تعبي» بت أشعر أني أكلم وزيراً، فالأزمة وضعتنا تحت رحمة حاجاتنا.
غياب مسؤولي المدينة علق عليه أبو علي قائلاً: «ما حاجة المسؤولين لحل أزماتنا ما دامو لا يشعرون بها، خزاناتهم مليئة، والكهرباء دائمة عبر الخطوط الذهبية أو مولدات خاصة، وكل ذلك من جيوبنا المنهكة» فالحلول الوحيدة التي يتم تنفيذها في المدينة بحسب أم أيهم: الحلول الوحيدة التي نراها ظهور بئر في كل شارع حتى ننسى أمر محطة سليمان الحلبي، ولكل بناء مولدة خاصة به لننسى الكهرباء هي الأخرى، حتى يأذن الله بانتهاء الأزمة ويحلها الحلال، وحتى حينه تصب الأزمة في جيوب المسؤولين وهنا فقط تنتهي أزمة، «نق المواطن» التي تزعج المسؤولين إما بالهجرة أو الموت.
إن كانت هذه الأزمات بدأت مع الأحداث في المدينة فما السبب في عدم وجود حلول لها رغم أن هذه الفترة كافية للإحاطة بظروفها وإيجاد معلومات على الأرض تخفف من وطأة هذه المعاناة، وهي مشكلات وإن حلت آنياً لا تشفع لأحد أن لا يسأل عنها وعن التقاعس المستمر والفساد الذي جعل المدينة لقمة سائغة بيد تجار الأزمة، وما يفرض بإلحاح استيضاح وكشف حجم النهب الذي يستنزفها ما يساهم في تخفيف أزمة وطن بأكمله فكيف بأزمات تزيد هذه الوطأة.
حلب التي تعيش تحت ضغط الإرهاب التكفيري بحاجة إلى اهتمام جدي من قبل الجهات المسؤولة للتخفيف من أزماتها المتعددة.