حلب... طبق شهي للفاسدين
انقطعت خدمة الانترنت عن مدينة حلب، بتاريخ 16/3 وهو الأمر الذي عزتة السورية للاتصالات في حينه إلى قطع الأكبال الضوئية بفعل عملية إرهابية، ليستمر هذا القطع لمدة ثلاثة أشهر ونيف وسط تصريحات عن عزم وزارة الاتصالات عن تطوير خدمة الإنترنت متجاهلة عدم وجودها في بعض المناطق.
أما المديرية في حلب، فبقيت غارقة في صمتها وسط أنباء غير واضحة عن محاولات الإصلاح لعطل مازالت ظروفه غامضة، مما زاد الشكوك حول صحته، في ظل عدم وجود رد صريح، وتسرب معلومات نقلتها عدة تقارير، عن وجود صفقات فساد، ليأتي الحديث عن بدائل في إطار حاجة وضغط شعبي، حقيقته خطة استنفاذ السوق الحلبي لأقصى درجة ممكنة، وهو الأمر الذي تكرر مراراً في جميع أزمات المدينة من ماء وكهرباء وغيرها.
الرمد المُعمي
اليأس من التصريحات وعدم وجود الحلول على الأرض، جعلت كل حل أفضل من لا شيء، على مبدأ «الرمد أحسن من العمى»، خيار الرمد جعل الفساد في المدينة فاقعاً لدرجة تعمي، وهو ما فتح المجال أمام شركتي الاتصال (MTN – SYRIATELL) لاستغلال الموقف الذي بدأت مقدماته على مستوى سورية إلا أنها جاءت فاقعة في المدينة، ما يدحض كل ادعاء يحاول حرف الحقائق أو تغطيتها أو العمل على طمسها أمام الرأي العام.
هذا الاستغلال أثبت وفرض فكرة التآمر غير المعلن، لتصريف كميات من خطوط 3G للتفرد بالساحة والسيطرة عليها من خلال تأمين حزمتين 450 ميغا أتاحت الوصول إلى الشبكة عبر الموبايل والمودم، في ظل غياب كامل للسورية للاتصالات.
الوهم الباهظ
خدمات الحد الأدنى سببت استياءً عاماً، فالاتصال وإن تم تأمينه عبر أبراج الخليوي، إلا أن دخول الشبكة يوصف بالوهمي في معظم الأوقات، إذ يسجل الاستهلاك دون الدخول إلى الموقع، فلا يمكن لنصف غيغا تأمين الخدمة لنصف مليون مشترك، فأسعار الخدمة تعتبر كبيرة وتحتوي على هدر في جزء منها بسبب سوء التغطية.
حيث يبلغ سعر 100 ميغا 600ل.س، وهي لا تكفي لأكثر من ثلاث ساعات تصفح بدون تحميل، فتصل لـ2000 ل.س بالنسبة لاستهلاك مواطن عادي وحتى 4800ل.س بالنسبة لاستهلاك طالب جامعي وسطياً، أما في حال التحميل فأنت بحاجة لمضاعفة الكمية مقابل استفادة أقل، كل ذلك ضمن شرط التغطية السيئة.
ليأتي التلاعب من خلال تقديم عروض مغرية بتوفيريتها واستهدافها للقطاعات، كالباقة الطلابية والعرض الأخير الخاص بعاملي الدولة، لنصل بحسبة بسيطة إلى أن أرباح الشركتين خلال ثلاثة أيام يقارب 400 مليون ل.س إن لم يتجاوزها.
بدائل النهب:
حالة التبرم من تطوير لخدمة غير موجودة، لم تكن بأقل من التبرم بسبب تكاليف باهظة لخدمة وهمية أو غير موجودة، ما أتاح المجال لشائعات البدائل حول الاستعانة بجهاز بث فضائي، كتجربة محافظتي دير الزور والحسكة، وسط تعقد ملف المفاوضات التي حاولت جمعيات أهلية الدخول على خطها، في الوقت الذي تقاعست فيه السورية للاتصالات متخلية عن أرباحها في قطاع الانترنت لشركتي الاتصال (MTN – SYRIATELL) من جهة، ولحساب الفساد وما تم تناقله عن صفقة بالملايين لصالح أحد مدرائها من جهة أخرى، فجاءت عملية الترويج في أوساط المدينة لصفقة الدارات الميكروية لتعكس توجهاً واضحاً باتجاه هذا الحل.
أمام عملية تخلي كاملة للدولة عن دورها في استمرار نهجها الليبرالي الذي يتدحرج نحو الخصخصة، يعكس إساءة لإدارة المال العام وهدره والتخلي عن قطاع سيادي، إضافة لاستنفاذ جيوب المواطنين باستغلال حاجاتهم، فالأزمة موجودة بارتداداتها على مستوى سورية كاملة، لكن ما يجري في حلب في هذه المسألة يكاد لا يشبه ما يجري في أية محافظة أخرى من خلال المعالجات التي تطبق على الأرض، والتي تصب في جيوب الفاسدين وتجار الأزمة، متذرعين بــ «الظروف الاستثنائية» في ظل تجاهل واضح لمؤسسات الدولة في المدينة.