حتى الأونروا !.. قرار «غير إنساني» وشروط «مجحفة» للحصول على مبلغ «زهيد»
كانت قرارات وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» بتقليص خدماتها في بعض البلدان العربية أهمها لبنان وفلسطين، كـ«الصاعقة» على الأسر الفلسطينية اللاجئة في سورية، وأثارت الكثير من المخاوف حول مصير المساعدات التي تعتمد عليها «حوالي 95% من الأسر، لتأمين متطلبات الحياة اليومية» بحسب الوكالة ذاتها.
وبعد أن أكدت الوكالة بأنها تعاني من نقص حاد في التمويل، ما دفعها لتقليص خدماتها في لبنان وقطاع غزة، نشرت تقريراً على موقعها الرسمي جاء في جزء منه: أن «مقدرة الوكالة على استدامة تداخلات الطوارئ المنقذة للحياة، في الوقت الذي تقوم فيه وعلى الفور بالاستجابة للتطورات الملحة، مثل هذه التي تؤثر على مخيم اليرموك منذ الأول من نيسان، تتعرض للتقويض بشكل خطير جراء النقص المزمن في التمويل لغايات التدخلات الإنسانية داخل سورية».
وتابعت «في الوقت الذي يستمر العنف فيه بتشكيل خطر جسيم على حياة وسلامة لاجئي فلسطين في سائر أرجاء سورية، فإن الأونروا تناشد المانحين بزيادة دعمهم لمناشدة الأونروا من أجل الحصول على تمويل، وهي تسعى من أجل الضخ الفوري لمبلغ 30 مليون دولار. إن مناشدة الأونروا الطارئة الخاصة بسورية لم تحصل إلا على 21% فقط من الأموال المطلوبة لعام 2015».
مبلغ زهيد وشروط «غير إنسانية»
هنا بدأت الشائعات تدور بين الأسر السورية، عن احتمال اختصار المساعدات المالية أكثر أو توقيفها، بعدما تم اختصارها فعلاً مقارنة بالعام الماضي، الذي شهد حوالي 6 دفعات مالية بمعدل دفعة مالية كل شهرين، بينما لم يشهد عام 2015 حتى منتصفه سوى دفعتين بدأت الثانية مع شهر حزيران، ضمن شروط صعبة جداً للحصول عليها، وصفها بعض الفلسطينيون السوريون أنها «غير إنسانية ومذلة».
أبو سليمان رب أسرة مكونة من 5 أفراد مع الزوجة، ابنه البكر سافر قبل الأزمة إلى دولة الامارات، ولديه شاب يدرس الطب البشري في محافظة اللاذقية، وآخر في الصف السابع وطفل مازال في الصف الأول الابتدائي. خلال الأزمة خسر أبو سليمان عمله في مجال «الطلاء»، واعتمد على مبلغ محدود يرسله له سليمان من الامارات شهرياً، إلا أنه لا يسد الرمق وسط ما تتطلبه الحياة في ظل الحرب من تكاليف تزداد يوماً بعد يوم، نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.
يقول أبو سليمان «يشكل المبلغ الذي تقدمه وكالة الأونروا سنداً أساسياً في حياتنا، وبتنا نؤجل الكثير من متطلبات الحياة حتى نحصل على المبلغ المتغير في كل دفعة. مهما كان المبلغ إلا أنه أساسي لحياة أسرتي، لكن العام الحالي كان صعباً، ولم نستلم سوى دفعة واحدة والثانية وضعت عليها شروط شبه تعجيزية لا تمت للإنسانية بصلة».
الكبير والصغير على الطابور
وأردف «تريد الوكالة إذلالنا، وهذا ما حصل. اشترطت على كل الأسر الفلسطينية أن تنزل إلى البنك بجميع أفرادها كبيراً وصغيراً، حتى تحصل على المعونة المالية. ولماذا تريدنا أن ننزل جميعنا؟، هل تشعر الوكالة بالغبن لأننا نحصل على مبلغ زهيد لأحد أفراد العائلة خارج سورية، وهي تحصل على مليارات نتيجة فرق العملة؟. الدول المانحة تقدم لها المساعدات بالقطع الأجنبي ونحن نقبض بالليرة السورية، ورغم ارتفاع سعر الصرف، إلا أن المبلغ مازال زهيداً، 16 ألف ليرة سورية للفرد، أي حوالي 54 دولار، كانت تمنح كل شهرين واليوم كل 3 أشهر، أي 18 دولار في الشهر للفرد».
وتابع «رغم ذلك، فالمبلغ غير مستقر. العام الماضي كانت هناك دفعات بـ12 ألف و 6 آلاف و3 آلاف، فأين تذهب كل هذه الأموال، وهل هذا المبلغ يستحق الذل الذي تريده الوكالة؟».
معادلة صعبة و«مذلة»
أم سليمان كانت متخوفة من فقدان المبلغ المخصص لابنها البكر الموجود خارج سورية قائلة: «نريد ليرة سورية واحدة تقف إلى جانبنا في هذه الظروف، وهم يحرموننا منها، ولا أدري ماخسارتهم بها. عدا عن ذلك، لايمكن لابني الذي يدرس في اللاذقية أن يأتي إلى الشام هذه الفترة ليبصم أنه استلم المبلغ، الفترة هذه لامتحانات الجامعات وهم يعلمون ذلك، فهل أخسر المبلغ أم يخسر ابني امتحانه. معادلة صعبة ومذلة؟».
الأونروا بررت اشتراط وجود العائلة كاملة لاستلام المعونة المالية، بأنها تريد حصر المستفيدين منها، لكن هذا المبرر لم يقنع مئات الأسر الفلسطينية في سورية ومنها عائلة أبو فوزي المؤلفة من 7 أشخاص مع الجدة العجوز نزحوا من مخيم اليرموك، وفقدوا منزلهم وعمل الأب، مع أحد أفراد العائلة، الذي انقطعت أخباره منذ عامين.
يعيش أبو فوزي حالة من الخوف. يقول: شرط الأونروا الجديد يحرمني من مخصصات ابني بعد حرمان الحرب لي من رؤيته. كلهم شركاء في مأساتنا، لا أدري حتى الساعة ماخسارتهم، وعدا عن ذلك، أمي امرأة طاعنة في السن، ويريدون إجبارها على الحضور إلى البنك لتأخذ مستحقاتها الشحيحة. هل يعقل لعجوز أن تقطع هذه المسافة في الجو الحار، وانتظار دورها لساعات وساعات أمام مئات العائلات التي فرض عليها الحضور؟.
وتابع «أمي مثال فقط. كيف سيحضر العسكري، والطالب، والموظف، والعاجز ووو؟!، ألم يدرسوا قرارهم قبل إصداره؟».
«قاسيون» زارت أحد فروع البنوك المخصصة لتوزيع المساعدات، ولاحظت عشرات الأسر وهي تنتظر دورها في الجو الحار، وسط صياح وشجار مع القائمين على البنك واستياء من المعاملة، عدا عن عرقلة عمل هذا البنك مع العملاء العاديين.
وماذا عن الأماكن الساخنة والمفقودين؟!
أحد أعضاء اللجان الاجتماعية الفلسطينية في ركن الدين بدمشق، قال لـ«قاسيون» مفضلاً عدم ذكر اسمه «ناشدنا الوكالة، وحاولنا معرفة سبب هذا الشرط غير اللائق، لكننا لم نحصل على جواب حتى»، مضيفاً «أرسلنا كتاباً رسمياً نستوضح الأمر، ونقترح عليهم بعض الحلول إن كانوا يريدون الإحصاء فقط، فقد كان من الممكن حصر العدد عبر الحكومة السورية، في الوظائف والمدارس ومراكز الأونروا المنتشرة في البلاد، والتواصل مع سفارات الدول الأخرى التي وثقت لديها حالات الهجرة، بدلاً من هذا الاسلوب غير المناسب».
وتابع «كيف للمعتقل، أو المخطوف، أو العائلات الموجودة في أماكن ساخنة، الوصول وتطبيق القرار. ولو كانت الغاية الإحصاء، فتكفي العائلات الموجودة حالياً في أماكن يصعب الوصول إليها لتعرقل تحقيق الهدف».
القرار «معوم» ويحوي تهديداً
وبررت «الأونروا» إجراءها الجديد، بأنها ستقوم بإجراء عملية تدقيق البيانات الفردية لللاجئين الفلسطينين المقيمين في سورية، للتأكد من وجود جميع الأفراد المستفيديين من المساعدة المالية في سورية، وتحديث بيانات حجم الأسرة المستفيدة من المساعدة المالية، واشترطت حضور أفراد الأسرة جميعهم والذين تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وما فوق شخصياً إلى مراكز توزيع المساعدات النقدية المختلفة.
وحول أفراد الأسرة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وما فوق و غير القادرين جسدياً، أكدت الوكالة أنهم غير مطالبين بالحضور لمكان التسليم، لكنها مع ذلك، فرضت عليهم التوجه إلى عيادات الأونروا للحصول على تقرير طبي موثق، أي أنها في النهاية فرضت عليهم التوجه إلى دوائرها ولو كان الشخص عاجزاً، أو يحتضر، وذلك لقاء 16 ألف ليرة سورية!.
وهددت الوكالة، من أن عدم حضور جميع أفراد الأسرة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وما فوق إلى مركز الاستلام، يؤدي إلى عدم استلام الأسرة كلها للمساعدة المالية في ذلك اليوم. وسيتم إخبارهم حول كيفية إثبات وجود أفراد الأسرة الغائبين في سورية إما من خلال إحضار وثائق أو الحضور شخصياً إلى مكتبها، وعندها يتم إصدار المساعدة المالية خلال 5 أيام لجميع أفراد الأسرة الذين تم اثبات وجودهم فقط، أي تعطيل العائلة كاملها لأعمالها عدة أيام مقابل الحصول على المعونة.
ولم توضح الوكالة وضع الأطفال الرضع، ومن هم تحت السن القانوني، مبقيةً الإعلان معوماً، ليكون الحضور شرطاً أساسياً لمعرفة أية معلومة، ولو تعطلت حياة الأسرة وأعمالها يوماً كاملاً أو أكثر.