ريف القنيطرة.. الهدنات تفتح احتمال عودة دائمة للحياة في القرى..
شهد ريف القنيطرة الشمالي «طرنجة- جباتا الخشب- أوفانيا» أحداثاً أمنية متواترة، أدت إلى خروج الأهالي من قراهم، بعد أن أصر عدد من المسلحين على البقاء في تلك القرى ورفضوا تسليم أسلحتهم وانضموا إلى فصائل محاربة، مما جعل القرى ساحة للمعارك والاشتباكات فاستحال البقاء فيها وخاصة للعائلات التي لديها أطفال أو أشخاص مسنين.
محاولات عديدة جرت على مدى عامين لإقامة هدنة أو مصالحة وطنية، وفي كل مرة كان يسعى عدد من أبناء المنطقة الوصول إلى تهدئة الوضع وفق تسوية ما، ولكن المحادثات تصل إلى لحظاتها الأخيرة، ويتم إلغاء الاتفاق.
في العام الأول من الأحداث في القنيطرة تم التوصل إلى أكثر من هدنة لوقف إطلاق النار بين المسلحين المتواجدين داخل تلك القرى و الطرف الحكومي. الهدنة كانت نتيجة لحاجة الأهالي إلى العودة لدورهم وأراضيهم في مواسم زراعية معينة وخاصة موسم قطاف الزيتون.
شهر هدنة.. لا يضمن عودة آمنة!
اليوم تخطت الهدنة القائمة مدة شهر من الزمن وهو إلى الآن أطول وقت يمر على هدنة!.. مع ذلك فإن العودة إلى تلك القرى ليس آمناً تماماً رغم هذا التقدم، وذلك بحسب أحد أعضاء لجنة المصالحة في المنطقة، الذي قال لقاسيون مفضلاً عدم ذكر اسمه: هناك شروط و مطالب لدى الطرفين ولم نتوصل بعد إلى اتفاق حولها، لذلك فإن الاشتباكات بين الطرفيين قد تتجدد في أية لحظة!..
عدد كبير من عائلات قرى الريف الشمالي في القنيطرة كانت تفضل عدم العودة إلى القرية خشية الاحتجاز داخلها نتيجة إغلاق الطريق العام، فمعظمهم لديه أطفال وأولاد في المدارس والجامعات، أما اليوم فهناك عطلة انتصافية ولا خشية من التأخر على المدارس، ما شجع الكثيرين للعودة، ومحاولة البقاء وفرض أمر واقع..
(لن أخرج ثانية مهما حدث)!
أم سليمان لم تعد تأبه لأي مخاطر، وتقول: منذ أكثر من سنة ونصف السنة وأنا وعائلتي مهجرون عن بيوتنا وأرضنا. نحن لم نرتكب أي ذنب. وسوف نعود إلى أرضنا. تعرضنا خلال السنة والنصف إلى الذل والسؤال باستمرار عن منازل للإيجار. فقدنا ماشيتنا وكذلك مزروعاتنا.
وتتابع فيما مضى كنت أخشى أن أعود وأحتجز داخل القرية لأن الاشتباكات كانت تقع دون إنذار، أما اليوم فلن أخرج مرة ثانية مهما حدث.
تعود أم أسعد مع أطفالها إلى منزلها، وتقول: نحن منذ عامين لم نحرث أرضنا مما أدى إلى نمو الأعشاب الضارة بشكل كبير ونتيجة ارتفاع الحرارة قد ينشب حريق في أي وقت وإذا حدث ذلك فإننا سنخسر تعب عمرنا. لذلك سنحاول إزالة الأعشاب الضارة بأية طريقة.
عودة السرافيس.. مطلوبة
إلى اليوم لم يسمح للأهالي العائدين لتلك القرى بإدخال السرافيس إلى داخل القرى، المسموح به هو سيارات الأجرة الخاصة، التي تتقاضى مابين مائتين وخمسين إلى خمس مائة ليرة على الشخص الواحد. لا توجد سيارات خاصة داخل القرى، بينما يوجد عدد من الدراجات النارية وبعض الجرارات التي لم يخرجها مالكيها من القرى، ما يطالب به الأهالي هو السماح بإدخال آلياتهم التي تساعدهم في الوصول لأراضيهم.
أتعود الخدمات.. بعودة الأهالي؟!
المعارك أفقدت قرى الريف الشمالي من القنيطرة، الخدمات الرئيسية، وإعادتها في ظل الهدنة قد تتيح تسريع عودة الأهالي وتحفيزهم وثباتهم لمن يهمه الأمر..
أُخرج مقسم عدد من قرى الريف الشمالي، عن الخدمة بعد سيطرة المسلحين عليها، مما جعلها خارجة عن خدمة الهاتف الأرضي منذ حوالي العامين.
تحاول رنيم التقاط إشارة اتصال الهاتف النقال لكن دون جدوى، تغطية الانترنت والاتصالات النقالة أيضا سيئة جداً وعليك أن تجوب القرية بأكملها وتصل إلى أعلى نقطة فيها حتى تجد شبكة اتصال.
تقول رنيم: أحاول أن اطمئن أهلي عن وضعنا، عدت مع زوجي قبل عشرة أيام، الوضع هادئ، نحن مللنا من التنقل بين منازل الآجار ولن نخرج من بيوتنا مهما حصل، ولن نسمح للمسلحين بإخراجنا.
قُطِعت الكهرباء.. ثم خُرّبت الشبكة!
لا وجود للتيار الكهربائي في تلك القرى، حيث تم قطع التيار من قبل مؤسسة الكهرباء، لتقوم المجموعات المسلحة فيما بعد بالسطو على شبكة الكهرباء وتخريبها. تعتمد منازل القرية على مولدات كهربائية تعمل مدة ساعتين في النهار، ليدفعو رسم اشتراك الكهرباء يصل إلى ألفي ليرة في الشهر، مما يشكل عبئاً كبيراً على العائدين.
يقول أبوركان: اعتدنا على عدم وجود التيار الكهربائي لكن لا يمكننا الاستغناء عنه نهائيا. صحيح أن مبلغ الألفي ليرة مقابل عدد ساعات قليل وتيار ضعيف هو مبلغ كبير لكننا لم نستطيع إيجاد بديل غير هذا!.
تسهيلات إيجابية..
سمحت السلطات الحكومية بإدخال المواد الغذائية من ضمنها الخبز والطحين. ويتاح لكل عائلة إدخال أسطوانة غاز ممتلئة واحدة كل شهر مما خفف عبئ استخدام الحطب الذي تستخدمه العائلات في الطبخ والغسيل والاستحمام .
كذلك تم السماح بإدخال كميات معينة من المازوت، عن طريق أعضاء لجنة المصالحة، وذلك لتشغيل مضخات المياه في الآبار الرئيسية للقرية. فاعتماد السكان كان على الآبار المتواجدة ضمن المنازل ولكن عدداً كبيراً من هذه الآبار تنضب في فصل الصيف. كما عانى السكان في الصيف الماضي من أمراض كالإسهال الشديد وظهرت عدد من حالات التهاب الكبد نظراً لعدم صلاحية المياه في آبار المنازل للشرب.
(خَبِرنا طرقهم)..
درويش.خ من أعضاء لجنة المصالحة، يقول: هناك عدد من الناس لا مصلحة له في نجاح الهدنة وذلك بسبب رواج تجارتهم . فهم يعملون على تأمين مواد غذائية ومواد التدفئة عن طريق درعا أو طرق تهريب أخرى حيث تحكموا بالناس المتواجدين داخل القرى من ناحية الأسعار. وهؤلاء على استعداد لافتعال أية مشكلة وإطلاق النار في سبيل إفشال المصالحة . لكن أهل القرى باتوا على دراية كافية بأساليب هذه الفئة وسنحاول التخلص منهم وإخراجهم من قرانا.
الأهالي ثابتون.. ثبتوا الهدنة!
لن يرضى أهالي القرى العائدين إلى منازلهم وأراضيهم ببقاء المسلحين في قراهم، بعد أن تعرضوا للنزوح أكثر من مرة، فهذه الأرض لها أصحاب هم من سيدافعون عنها مهما كان الثمن.
إن المطلوب هو بذل كل الجهود لتثبيت الهدنة القائمة، واستمرارها، وإبعاد الجماعات المسلحة، بهدف عودة كل الأهالي إلى أراضيهم وممتلكاتهم، وتطبيع الوضع في عموم المنطقة، لاسيما وأن استمرار الوضع المتوتر هناك عامل مساعد للاختراق من العدو الصهيوني.
خان أرنبة- درعا والبحث عن شريان حياة
التوجه جنوباً كان حلاً إلزامياً للأهالي المحاصرين بعد تقطع السبل بهم. حيث دفع إغلاق طريق خان أرنبة، ومنه إلى دمشق، إلى البحث عن شريان حياة ضروري، ليتم فتح طريق قديم يصل قرى القنيطرة بريف درعا، وشكّل هذا الطريق رغم خطورته وطوله منفذاً للأهالي. لكنه لا يعتبر حلاً لحصارهم..
أم رشيد من سكان ريف القنيطرة. تقول: (أنا امرأة تجاوزت الستين عاما من عمري وبتّ بحاجة إلى زيارة الطبيب بشكل شبه دائم. عندما كان الطريق الواصل بين قرانا وبلدة خان أرنبة مغلقاً، كنا نقوم بالسفر إلى درعا كي نحصل على العلاج والدواء.. يحتاج الطريق بين قرانا وخان أرنبة أقل من نصف ساعة بينما يتطلب الطريق إلى درعا حوالي الثلاث ساعات لا تخلوا من الخطر حيث توجد مسافة مكشوفة. تتعرض فيها السيارات لإطلاق النار من قبل قناصين)..تقوم النساء اللواتي بحاجة إلى الولادة أو دخول المشافي بالسفر عبر الطريق الخطر إلى درعا.
واليوم مع عدم السماح بإخراج المواسم الزراعية عن طريق خان أرنبة، فإن السكان يقومون ببيع مواسمهم كالكرز والتوت الشامي، عن طريق درعا أيضاً، مما يزيد في تكلفة النقل وبالتالي تحكم التجار بالفلاحين.
أبو ماجد فلاح من القنيطرة يقول: العام الماضي لم يكن طريق درعا مفتوحاً مما دفع بنا إلى إبقاء ثمار الكرز على الشجر فيما أطعم قسم منا الكرز للدواب. وخسرنا موسم يقدر بمئات الآلاف.
واليوم نطمح إلى فتح الطريق بين قرانا وبين خان أرنبة وبالتالي سوق الهال في دمشق.