الثروة الحيوانية في حلب: تدهورٌ وخوات «داعشية»
تأتي تربية الأغنام في المرتبة الأولى بين الثروة الحيوانية في المنطقة، حيث بلغ عدد رؤوس الأغنام في حلب في إحصائيات سابقة 1544230 رأس غنم عواس، فكانت أكثر الأعمال نمواً وازدهاراً على الصعيد الوطني، وما حصل عليه من سمعة بإنتاجيته العالية عالمياً.
إلا أن هذه التربية تراجعت خلال السنوات الأخيرة ومعرضة للتهديد بفعل عوامل عديدة، فارتفاع أسعار الأعلاف وصعوبة إيصالها إلى المناطق الساخنة، إضافة إلى نقص الأدوية واللقاحات، وتعرُّض إناث الغنم للذبح العشوائي، فضلاً عن أن المعارك الدائرة عرضت القطيع إما لعمليات السلب والنهب، أو اضطرار العديد من النازحين المربين لبيع قطيعهم، ليجري فيما بعد تهريبه إلى الدول المجاورة. عوامل مجتمعة أسهمت في تراجعها بنسبة 40% في تقديرات أولية على مستوى البلد.
يضاف إلى ذلك ما تمارسه «داعش» من تضييقٍ على الفلاحين والمربين، حيث فرضت في أحدث قراراتها على المربين استئجار أراضي الحراج مع شاطئ (بحيرة الأسد) بقيمة 400000 ل.س للهكتار الواحد، موزعةً على رؤوس الغنم الموجودة في محيط المنطقة التي تتراوح بين 500 و1000 ل.س على كل رأس للموسم الواحد- علماً أنه في السابق كانت هذه الأراضي متاحة للفلاحين لرعي أغنامهم دون أي عائد مادي، باعتبارها أملاك دولة في سنوات الجفاف والمحل- ما سبب عبء كبير على الفلاح، فهو مضطر لاستئجار «ضمان» تحاشياً لمضايقات «داعش» المستمرة التي قد تودي بحياته أو بمصادرة قطيعه.
صعوبة وصول الأعلاف وارتفاع أسعار المهربة منها، هي عوامل تجبره على قبول ذلك، حيث أن 1كغ من التبن 40 ل.س/ العلف 45 ل.س على الأقل في السوق السوداء، ما يعني أن 80 رأس يحتاج إلى: 80 كغ تبن +80 كغ علف=3200+3600=6800 ل.س لليوم الواحد في حال عدم خروجها للرعي.
وهو ما يجبر الفلاح أن يتحول إلى مربي، فيدفع 13600 ل.س يومياً لـ80 رأس غنم لقاء وجبتين. ولمدة 4 شهور=1632000 ل.س أي تبلغ تكلفة الرأس في الموسم الواحد20400 ل.س، حتى تنتج الغنمة الولود الواحدة 2 كغ من السمن للموسم + مولود. كل ذلك لا يغطي الصرف عليها وعلى مولودها، فيصل سعر الخاروف بدون مصاريف 12000 ل.س. وعلى أمه مع المصروف 35000 ل.س، وبهذا تكون الأم أكلت ثمنها خلال 4 شهور، رغم أنه في السابق، دعم قطاع الثروة الحيوانية من حيث البيطرة والأعلاف واللقاحات ما سمح للفلاح بالتربية. اليوم، تصل تكلفة الرأس الواحد 3600 ل.س في حال انعدام مصادر الرعي والاعتماد على الأعلاف بشكل تام، وهو مستحيل في الظروف الراهنة، وهو ما يضعه أمام حلين لا ثالث لهما: إما استئجار (الضمان) أو البيع.
أبو عصام، أحد مربي الأغنام في ريف حلب، يقول في حديثٍ مع «قاسيون»: «في الماضي، كان الاعتماد على المراعي وما تقدمه الدولة من دعم لهذا القطاع. وفي سنوات الجفاف، كان الاعتماد على الأعلاف فقط، ما ينعكس سلباً على الأسعار. لكننا اليوم، في كل لحظة معرضون للسرقة والنهب، أو بيعها تحت التهديد بالقتل».
يضيف أبو سعد: «أغنامنا مطلوبة عالمياً لجودتها، وبما أنها مسروقة تباع رخيصة في الدول المجاورة، ما يعني أنها تخسر مرتين عند البيع. وفي حال احتفاظنا بها، فنحن مجبرون على دفع الخوة، وتكاليف إطعامها في واقع يغدو التنقل معه خطراً ومتعباً».