حصة الحسكة من الدم ترتفع..
نالت محافظة الحسكة نصيبها من دوامة العنف الذي يصل لمستويات جنونية قبيل كل لقاء أو مؤتمر حواري يتبنى الحل السياسي سبيلاً لإنهاء أزمة البلاد المستمرة منذ نحو أربع سنوات، ليكتب المعارضون لمؤتمر الحوار في موسكو رأيهم بدماء الأبرياء من المدنيين السوريين الذين ضاقوا ذرعاً بإدعاءات تمثيلهم من كل الأطراف.
ورغم أن العنف المسلح الذي شهدته الحسكة في أكثر من موقع وبين جهات متعددة، شمل مناطق متعددة من التراب السوري، فإنه يحمل بصمات غير مفهومة في الحسكة المصنفة كمنطقة خاضعة لسيطرة الدولة في أغلب مدنها وبلداتها، باستثناء بعض مناطق الريف الجنوبي للمحافظة، التي تسيطر عليها جماعات مسلحة تتبنى فكراً متطرفاً..
اقتتال غير مفهوم
شهدت مدينة الحسكة منذ صباح السبت الماضي (17/1/2015) حرب شوارع حقيقية بين وحدات «الحماية الكردية» من جهة، وقوات «الدفاع الوطني» من جهة ثانية، مالبثت أن تحولت إلى قتال عنيف استخدم فيه الطرفان الأسلحة الثقيلة.
ورغم أن الطرفين المتقاتلين هذه المرة، يتفقان على عدة أمور بينها رفض التدخل الخارجي، ومواجهة الارهاب، ويتقاسمان السيطرة على أحياء المدينة، إلا أن حدة المعارك التي شهدتها المدينة واستمرارها بشكل متفاوت طيلة أيام الأسبوع الماضي، بات يثير الكثير من الأسئلة
وتجنب الإعلام الرسمي الحديث عن أحداث الحسكة وكأن شيئاً لا يجري فيها، رغم سقوط عشرات القتلى والجرحى، بينهم مدنيون أبرياء قتلوا بطلقات طائشة، أو بقذائف هاون عمياء، واعتمد السكان على الحظ في النجاة من الموت الذي تحمله معها.
ويجري الحديث بشكل واسع عن خلاف حول إقامة حاجز هنا أو التمركز في مقر جديد هناك بين الطرفين المتقاتلين، تسبب باندلاع هذه المعركة، لكن الأكيد أن موجة نزوح كبيرة شهدتها المدينة من عدة أحياء باتجاه القامشلي وغيرها من المناطق الآمنة، هرباً من هذه المعارك الذي يتكرر بين فترة وأخرى، ولا يلقي لأرواح الناس وممتلكتهم بالاً.
الخنساء في الحسكة
شهدت قرية الخنساء الواقعة في جنوب ناحية تل حميس، الخارجة عن سيطرة الدولة، مجزرة رهيبة يوم الثلاثاء الماضي (20/1/2015) راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، عندما تعرض سوق شعبي في القرية النائية لقصف جوي أحاله بمن فيه إلى ركام.
ووسط روايتين لما جرى في القرية يلقي فيهما كل طرف باللوم على الطرف الآخر كما جرت العادة، فإن عدداً من مستشفيات القامشلي امتلأت بالقتلى والجرحى، الذين لن يعيد لهم صدق أي من الروايتين جزءاً مما خسروه قبل الحادثة المأساوية.
وفي مشهد معتاد، شهدت الحادثة تغطية إعلامية منظمة، من زاوية تؤجج الحقد بين السوريين وتدعو للثأر من بعضهم البعض، بطريقة احترافية توحي بأن مرتكب المجزرة ومن يشرف على تغطيتها الإعلامية هو طرف واحد.
حصة موسكو
ما شهدته الحسكة المنكوبة في واحد من أسوأ أسابيعها خلال الأزمة السورية، يعد بمثابة حصة دم، وضريبة يفرضها المتشددون على السوريين، قبيل انفتاح أي بارقة أمل للحل السياسي الذي يريده السوريون بكل أطيافهم، للمعارضين للحل السياسي والمتمسكين بنظريات الحسم والإسقاط التي أثبتت فشلها.
إن المسؤول الأول عما شهدته الحسكة من أهوال خلال الأسبوع الماضي، هو ذاته، المسؤول عن تصاعد وتيرة العنف في عموم أرجاء سورية خلال الأيام القليلة الماضية، وهو ذاته المسؤول عن العنف الرهيب الذي عاشه السوريون قبيل جنيف واحد وجنيف 2 وقبيل كل دعوة للمصالحة أو الحوار، وهو ذاته الذي سيسعى بكل الطرق لإفشال الحوار في مؤتمر موسكو الذي سينعقد بعد أيام.
ما جرى في مدينة الحسكة، من أحداث دامية والتي ذهب ضحيتها العديد من المدنيين والعسكريين خلال الأسبوع الفائت هي امتداد للأزمة السورية العامة ولا يمكن حلها حلا حقيقياً إلا في اطار حل المسألة السورية على أساس حل سياسي بين عبر عملية تغيير وطني ديمقراطي جذري وشامل، والحفاظ على وحدة البلاد، ومواجهة آفة الارهاب والتكفير، وفي كل الأحوال يبقى العيش المشترك والسلم الاهلي خط أحمر، لايحق لأحد تجاوزه تحت أية حجة كانت.