من الذاكرة: القلب حزين.. ولكن!
إن النكت السياسية- وهذا شيء معروف- تنمو وتزدهر عادة في عهود الظلم والظلام والاستبداد وأهوال الحروب والاقتتال، ويجد الناس فيها متنفساً من الغم الذي يرهقهم، حين يضحكون لسماعها، والأمثلة على ذلك لا حد ولا حصر لها. وآخرها بحسب «معلوماتي» أن أحدهم سأل آخر: لماذا لا ترجع إلى بلدك، وليس فيها شيء؟، فأجابه بل فيها كل المشاكل، فكيف تقول لا شيء فيها؟ فرد «الأحد» أنا قلت ليس فيها شيء... لا ماء ولا كهرباء ولا مازوت ولا غاز ولا...
والآن «دعونا» من وجع القلب هذا، ولنذهب معاً إلى الابتسام. فكما يقال: الابتسامة على أي حال لغة لا تحتاج إلى ترجمة، لأنها لغة التفاهم بين القلوب وبين الشعوب في شتى أنحاء الأرض.
الابتسامة تفتح القلوب المغلقة، وتنتزع الأحقاد من الصدور، وتمهد السبيل لحل المشاكل المعقدة والقضايا الصعبة، وتشعر من نلقاهم بأننا لا نكرههم، ولا نريد لهم الضر والأذى، بأننا نحبهم ونضمر لهم المودة والخير. وهذا بالفعل أعادني بالذاكرة إلى صيف 1969 حين كتبت مقالة عن الشقيقات الأربع، بنات الشاعر الراحل جكر خوين، أيام كن يعشن في بيت صغير يشرف على مقبرة في سفح جبل قاسيون بدمشق. وما زلت أذكر هذه المقاطع: (إن البراءة والطيبة التي تميزكن يا شقيقاتي الغاليات هي التي حملت هذا القلم على أن يخط في محاولة صادقة ما يحس به القلب والعقل في دنيا الناس التي فتتها سوط القهر والظلم. إنكن بواقع حياتكن القاسية تعطين للسعادة مفهوماُ جديداً: إن السعادة في أن تعشن المصاعب بعزيمة قوية تطمح إلى إلغائها.»
وأخيراً اسمحوا لي قراءنا الأكارم أن أقول- ومن وحي انقطاع الكهرباء- إنني ما زلت أذكر خبراً في صحيفة دمشقية قديمة.. هو التالي:
«شركة الترام (الكهرباء) تشكر بلدية دمشق على وضعها الفوانيس من محلة باب البريد إلى محلة النوفرة، وتقدر لها هذه الإنسانية، وتجد أنه لم يبق حاجة إلى التنوير الكهربائي.».
وهذا الخبر ليس نكتة.. بل حدثٌ وقع فعلاً.. وكما قيل «شر البلية ما يضحك»! ولعل في جعبتكم قراءنا الأعزاء بعضاً من هذه المضحكات المبكيات التي ترون وتسمعون الكثير منها هذه الأيام!.