نهب وتخريب الحضارة والتاريخ..؟

نهب وتخريب الحضارة والتاريخ..؟

نهبت الدول الرأسمالية وما زالت، ثروات الشعوب بشكلٍ مباشر عبر الاستعمار القديم والحديث، أو غير مباشر، عبر أساليب متعددة.. وهذا النهب لم يقتصر على الثروات المادية فقط.. وإنما طال العقول والخبرات العلمية والفنية، والتاريخ والحضارة..!!

تعج المتاحف الغربية بمئات الآلالف من القطع، من الخرزة كأصغر قطعة إلى التماثيل واللوحات الفسيفسائية بمختلف الحجوم، إلى المسلّات والأعمدة والبوابات.. والتي جرى الاستيلاء عليها بشتى الطرق..
وسورية التي يسميها علماء الآثار بجنة الآثار.. قال عنها أندريه بارو عالم الآثار الفرنسي مدير متحف اللوفر، ومكتشف مدينة ماري:
لكل إنسان في العالم المتحضر وطنان..وطنه الذي نشأ فيه وسورية..!
تعرضت سابقاً خلال الأزمة، وتتعرض حالياً لجريمة كبيرة، باستباحة آثارها وتراثها الحضاري، من سرقةٍ وتهريب وتخريبٍ وتنقيب، لما هو موجود منها فوق الأرض وتحتها وأصبحت اليوم مرتعاً للصوص وتجار الآثار. ناهيك عن الدمار نتيجة القصف المستمر سواء
تعتيم إعلامي رسمي ودولي..
ورغم عدم وجود إحصائيات وأرقام ومعلومات دقيقة، لأنّ عمليات التنقيب والنهب كانت تتم بشكلٍ سري، وأصبحت الآن بشكلٍ علني.. لكن يجري التعتيم عليها حتى من الصحف الرسمية السورية التي أقرت فقط..بسرقة تمثالٍ من البرونز مطلي بالذهب من مدينة حماة وقطعة حجرية من متحف أفاميا، وتضرر بعض المباني الأثرية، إلاّ أنّ الوقائع أكبر وأخطر بآلاف المرات..!
وقد تناولت بعض الصحف الغربية ذلك بشكلٍ مقتضب، فقد ذكرت صحيفة الفاينناشل تيمز البريطانية أن الآثار السورية تنهب قطعة قطعة ويجري تهريبها عبر لبنان والأردن وتركيا ضمن خطة منظمة وممنهجة، وتشير الوقائع الميدانية أنّ سوق الآثار قد ازدهرت في لبنان حيث صودرت على الحدود 18 لوحة فسيفساء و73 قطعة حجرية.
كما ذكرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أنّ المسلحين شكلوا مجموعات تنقيب، وأنّ الأسعار تتراوح بين 50 دولاراً للسفينة الحجرية، و3 آلاف دولار للتماثيل والألواح الحجرية وبعد ذلك يبيعها الأردنيون للأوربيين بثلاثة أضعاف..!
إجراءات رسمية..
اتخذت مديرية الآثار والمتاحف إجراءات لحماية المتاحف والآثار منها:
نقل الآثار من أماكن التوتر إلى أماكن آمنة وتركيب أجهزة إنذار وزيادة عدد الحراس، وإبلاغ الأنتروبول عن صور من الهواتف الخلوية لقطع أثرية مكتشفة وغير مسجلة نتيجة التنقيب غير الشرعي، وأكدت على التعاون بين أجهزة وزارة الثقافة والأجهزة الأمنية، واستعادة القطع المهربة والمصادرة من دمشق وطرطوس وتدمر وحمص وحماة ودير الزور وغيرها والتي بلغت حوالي 4 آلاف قطعة تبدأ من خرزة ومسكوكة وتنتهي بتمثال ولوحة فسيفساء، وإصدار لائحة حمراء بالممتلكات الثقافية المهددة بالخطر لسهولة التعرف عليها لاحقاً، وإطلاق حملة وطنية للمحافظة على الآثار، ومراقبة الأسواق العالمية.
وقائع موثقة..
كما بينت مديرية الآثار والمتاحف الخسائر والأضرار التي تعرضت لها بعض المتاحف والمناطق الأثرية، فقد تعرضت متاحف حلب ودير الزور الوطنية لخسائر مادية، وكذلك متاحف التقاليد الشعبية في حمص ودير الزور، وسرقت 17 قطعة فخارية وبعض الدمى الطينية من قاعة العرض في قلعة جعبر، وتعرضت قلعة الحصن والمضيق وشيزر والرحبة ومدخل قلعة حلب وبرجها الشمالي لأضرار كبيرة، وتعرضت كنيسة أم الزنار بحمص للتدمير الكامل، وفي درعا أصيبت مئذنة الجامع العمري وجامع الحراك في ازرع وكذلك آثار بصرى،وفي تدمر أصيب مبنى مبرك الناقة، ومعبد حوريات الماء المسمى شعبياً سرير بنت الملك، والجدار الداخلي في واجهة معبد بل الغربية.
آثار دير الزور تُنهب علناً..
تشير الوقائع والمشاهدات أن المناطق الأثرية في دير الزور قد تعرضت للنهب والتخريب بشكل وحشي..وفي البداية كان ذلك يتمّ بشكلٍ (سريّ وهمجي)، ثمّ أصبح بشكلٍ (علني منظم ومقصود) من قبل الجماعات المسلحة وعصابات من الداخل والخارج، وكأن هناك من كانوا يستعدون لذلك بأجهزةٍ وخرائط..وقد طال النهب والتنقيب المناطق الأثرية في الحافظة ككل بعد غياب سلطة الدولة نهائياً عنها..وهذه المناطق هي مدينة ماري والصالحية (دورا أروبوس) وقلعة الرحبة وبقرص وتل الشيخ حمد(دور كالتيمو) والبصيرة (قرقيسيا) في الشرق والشمال ومنطقتي البغيلية والطريف وقصر الحير في الغرب والجنوب.بالإضافة للمناطق الأثرية في الرقة وإدلب.
من هم اللصوص..؟
تكالب على نهب المناطق الأثرية في دير الزور بدءاً من العصابات المنظمة الخارجية والداخلية، بمن فيهم العديد ممن كانوا في الاجهزة التنفيذية وانشقوا، مستغلين معرفتهم بالمناطق وسجلات وأسماء عصابات التنقيب والتهريب، بالإضافة إلى عصابات قدمت من العراق خصيصاً، وعصابات داعش والنصرة، التي منعت الآخرين في الفترة الأخيرة من التنقيب وحصرت ذلك بها باعتبارها مصدراً كبيراً للثروات وللتمويل الذي تحتاجه.كما كان يتواجد مع المنقبين غالباً خبراء بالآثار غالبيتهم أوربيين وأتراك
وقد شاركت حتى النساء في ذلك منفردات أو مع أزواجهن، حيث يخرجن من الصباح الباكر وفي أحاديث لهن عن شهود من المنطقة أنّ إحداهن باعت من الآثار ما قيمته حوالي 800 ألف وثانية مليون ليرة سورية..فكيف بالعصابات المنظمة التي تستعين بخرائط (تركية وأوربية) حتى لأماكن أثرية وأماكن كنوز مدفونة (سرية) غير معروفة سابقاً..وغالباً ما تحدث خلافات بين المنقبين أنفسهم وبينهم وبين المهربين والتجار على الأسعار والمبالغ الكبيرة، وبسبب الغش والتزوير..
أسواق البيع وطرق التهريب..
تعتبر مدينتا البوكمال والمياذين مركزين رئيسيين لبيع وتجارة الآثار، وعمليات البيع تتم في بيوت سرية وأحياناً علناً، وتتم عمليات البيع غالباً بالعملات الصعبة كالدولار واليورو، وقليل منها بالليرة التركية والسورية..كما أصبحت المعابر مع الحدود التركية،في الريحانية وكِلّس وتل أبيض وباب الهوى أسواقاً ومنافذ للتهريب ، بالإضافة لبعض المدن التركية القريبة من الحدود كأورفة ونصيبين..ومنها إلى الأسواق الأوربية حيث تزداد المبالغ أضعافاً مضاعفة، وهذه الطرق أسهل من التهريب عبر لبنان والأردن لأنها خارج سيطرة الدولة السورية..
تجارة الخرائط وأجهزة الكشف..
ازدهرت في أسواق بيع الآثار أيضاً، تجارة الخرائط للمناطق الأثرية وغالبيتها تركية لأنها كانت تحتل المنطقة لمدة 400 عام، بالإضافة لخرائط أوربية فرنسية وانكليزية وهما الدولتان اللتان تعاقبتا على المنطقة وخاصةً شرقي دير الزور، في ماري والصالحية، ويتراوح سعر الخريطة بين 500 ألف والملايين، كما نشطت أيضاً تجارة أجهزة الكشف عن المعادن وغيرها مما يستخدم في الحفر والتنقيب وأيضاً تباع بأسعارٍ مرتفعةٍ..وقد قامت عصابات داعش والنصرة أحياناً باستخدام الجرافات مما يؤدي إلى تخريب كبير للمناطق الأثرية..
لا شكّ أنّ ما يحدث جريمة كبيرة ليس بحق الشعب السوري وتراثه الحضاري فحسب، وإنما بحقّ تاريخ البشرية وما أبدعه الإنسان منذ وجوده..هذا التاريخ والإرث الحضاري عبر عشرات الآلاف من السنين، الذي أبدعه الشعب السوري ومضمخ بعرقه ودمائه وتضحياته يدمر علناً..ولابد من إجراءات كبيرة وحملة حكومية ودولية، لإنقاذه واستعادة التاريخ المسروق..!!