التلوث في حلب.. نفايات وسموم ولحوم فاسدة
تطورات المشهد السوري على امتداد سنوات انفجار الأزمة وتداعياتها الكارثية أنتجت جبهات ودوامات خطيرة تستنزف المواطن السوري نفسياً وعقلياً وجسدياً قبل أن تصفيه الحرب الدائرة بقذيفة هنا أو انفجار هناك.
فالأزمة في حلب في مختلف مستوياتها أجبرت مواطنيها على ابتكار وسائل جديدة لتتعامل مع جزئياتها المعقدة إما بسبب عدم قدرة المسؤولين فيها أو تعاميهم أحياناً كثيرة عن هذه الأزمات سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو الخاضعة لسلطة «المسلحين التكفيريين». كما فرض الواقع حلولاً آنية قد تكون غير ناجعة ومضرة، لكنها أهون الشرين أحياناً وألعنهما أحياناً أخرى.
البدائل وتجار الأزمة والسموم
اجتاحت المدينة مشكلات جمة، يحمل كل منها عدة مستويات من التلوث في شبكة التفت حول المواطنين في خضم هذه الأزمة. فالافتقار للطاقة الكهربائية بسبب سيطرة المسلحين على المحطة الحرارية من جهة والاعتداءات المتكررة على خطوط الكهرباء البديلة أدى إلى خلق بدائل (مولدات الأمبيرات). مما فتح شهية التجار بسبب الحاجة الملحة إليها حتى بات لا يخلو شارع أو حي منها، حتى يخيل لك أنها تتكاثر بالانشطار على أرصفتها نافثة ما في صدرها من (ثاني أوكسيد الكربون، أكاسيد النتروجين) ما يهدد السلامة العامة.
ويستمر بث هذه السموم بمعدل 10 ساعات يومياً، إضافة لما تصدره من تلوث ضوضائي يعرض المواطنين بشكل يومي إلى نسبة كبيرة من الأصوات المزعجة، الأمر المسبب لأذيات سمعية وتنفسية على المدى البعيد؛ لتوضعها في الأحياء السكنية وانتشارها دون وجود أي ضوابط لتوضعها أو معالجة لآثارها.
النفايات تجتاح المدينة
أما الاكتظاظ السكاني بسبب التهجير من شطر المدينة الشرقي إلى شطرها الغربي وتوضعهم في حيز مكاني ضيق أدى إلى زيادة إنتاج النفايات، ما أدى إلى تراكمها بشكل جنوني، فتحولت بعض الحواجز في أحيائها إلى حواجز نفايات، ناهيك عن وضع الحاويات في أحد الأحياء كحواجز!؟
روائح منبعثة من تفاعل النفايات وتحللها، إضافة إلى الحشرات، دون وجود أي خطط عمل على الأرض للتخلص منها، أو التوعية والمساهمة في الحد من تراكمها، يضاف إلى ذلك تقاعس البلديات من جهة ترحيل النفايات ورش المبيدات لمكافحة الحشرات الناتجة عنها، مما اضطر المواطنون إلى إحراقها في أحد الأحياء لمعالجة ذلك بشكل مؤقت.
وعن ذلك يقول أمين «تحت شرفة منزلي يتوضع حاجز مؤلف من ثلاث حاويات (مستوعبات النفايات) حيث تتراكم النفايات فوقها وحولها، راجعنا البلدية دون أي فائدة، فتحدثنا إلى عامل النظافة فتجاهلنا كلياً، عرضنا عليه مبلغاً من المال مقابل ذلك فعمل لمدة أسبوع ليعود الوضع إلى ما كان عليه، حتى وإن عمل لا يكون التنظيف كما يجب، ما جعلنا نعاني في فصل الصيف من الحشرات وانتشار الأوبئة في بعض الأحياء».
التلوث البصري واللحوم الفاسدة!
وعلى المستوى البصري للتلوث الذي اجتاح أحياء المدينة وشوارعها، إضافة إلى الانتشار غير المقونن للمولدات، والإهمال في معالجة أزمة النفايات، فإن تشويهاً آخر طال المدينة- ونحن هنا لا نتحدث فقط عن التشويه الذي يطال آثارها وبنيتها التحتية وأبنيتها بسبب التخريب الممنهج من قبل المسلحين وإنما أيضاً عن التشويه البصري-، حيث غزت البسطات ببضائعها الأرصفة حتى غصت بها، وتركت للمواطن الشارع ليتقاسم المسير فيه مع السيارات أحياناً ويزاحمها أحياناً أخرى.
البسطات التي غزت الأرصفة ببضائعها مشكلتها لم تتوقف عند توضعها بقدر ما تكمن في ما تعرضه أحياناً من لحوم مجهولة المصدر مكدسة ومكشوفة تحت الشمس وعرضة للهواء، إضافة للعديد من المواد الغذائية التي تحتاج لظروف خاصة لحفظها، ما يطرح تساؤلات عدة حول سلامتها الغذائية ومصدرها ومدى رقابة مديرية الصحة عليها، إذا ما علمنا أنها تباع بأسعار منافسة!!
تشويه عمراني
ويضاف إلى ما تقدم أعلاه، تحوّل العديد من الشقق السكنية المتوضعة في الطوابق الأرضية إلى محال تجارية في العديد من المناطق- وهي التي خلقت فرص عمل بديلة وأيضاً أوجدت أسواق بديلة عن الأسواق التي تهدمت بفعل الحرب- ما شوّه الطبيعة العمرانية للمنطقة من جهة، إضافة إلى الضوضاء التي يسببها هذا الاكتظاظ البشري وما ينتج عنه من مخلفات ونفايات تخلق بيئة مناسبة لانتشار الأوبئة والأمراض.
فهل ستضيع المدينة بسبب الإهمال المتزايد لها، والمسؤولين الذين تداولوا عليها دون أن يحدثوا فرقاً سوى زيادة أوضاعها سوءاً، وجشع تجار الأزمة الذي زاد تغولهم دون أن يواجهوا أي عقاب على ذلك، وسط امتعاض شعبي كبير مما يلحق بها على مرأى من الجهات المعنية التي لا تحرك ساكناً.