من تجربة لجنة المصالحة الوطنية في حلب
تأخر دخول مدينة حلب في الأزمة، بخلاف ريفها ، لكن ذلك لم يعفها من النتائج الكارثية الناتجة عن الأزمة، حيث أرخت بكل تفاصيلها على مناحي الحياة كافة.
للأزمة السورية أسبابها المركبة (داخلية- إقليمية- دولية) وهي أيضاً نتيجة تراكمات سابقة، لم تعالج بالمستوى والطريقة المناسبة، ولم تكن حلب استثناءً من هذه القاعدة. فلم تعالج الأزمة في حلب وريفها بالطريقة السلمية، التي انتهت بعد وصول العنف إلى أوجه في النصف الثاني من عام 2012م.
بداية ظهور الحراك الشعبي في الريف، وكان بالإمكان استيعابه وتحويل مساره، وذلك بتلبية مطالبه المحقة التي نادى بها.. ومن الريف امتد الحراك إلى أحزمة الفقر في المدينة (الجنوبية- الشرقية- الشمالية) كما أن لمحافظة حلب خاصية أخرى مؤثرة، وهي مشاركتها مع تركيا بحدود طويلة.
المطالب والملفات
وكان من الأجدر العمل على تلبية مطالب الحركة الشعبية وتقوية الجبهة الداخلية بطريقة سياسية وأخلاقية لاستيعاب الوضع، فالمعاناة أصبحت كبيرة (حصارات- فقدان مواد أساسية- صعوبة في التنقل...الخ)، كما أضيف إلى الأزمة ممارسات اللجان وبعض الجهات الأخرى، وتوسعت الاعتقالات، وفقد كثير من المواطنين ذويهم، ومازالت آثار ذلك مستمرة حتى الآن، والكثير الكثير من المواطنين يجهلون مصير من فقدوهم.
وقد بدأ عمل ممثلية وزارة المصالحة ضمن هذه الظروف، وبالتعاون مع الجهات الحكومية والأهلية، على أن تشكل وزارة المصالحة الجهة الرسمية لمعالجة الملفات المتعلقة بالأزمة ونتائجها وارتداداتها، فهي قد أنشأت في ظرف سياسي معين ولها هدف محدد يمثل مهمة وطنية بامتياز.
ويسأل الكثيرون من أهالي محافظة حلب، ماذا فعلت الوزارة عبر ممثليتها، وهل النتائج بحجم المهمة.؟
العراقيل والمعوقات
لقد عملنا منذ إحداث المكتب في حلب، على خلق مناخ وبيئة مناسبة، ورغم كل العراقيل والمعوقات، تم انجاز بعض ما نطمح إليه. ولكن ضعف التنسيق مع الجهات صاحبة الشأن، أضعف كثيراً من العمل المؤسسي للمكتب، وبالتالي فقد ثقة المواطن صاحب الشكوى أو المشكلة، في التعاطي معنا، وفتح مجالاً للعمل العشوائي غير المنظم.
ولا تقتصر «المصالحة الوطنية» على معرفة مصير معتقل أو مفقود، أو موظف فقد عمله (صرف من الخدمة- حكم المستقيل- استقالة بسبب الظروف)، بل هي حالة وطنية أشمل وأعمق، ترتبط بالحل السياسي للأزمة، وهي تشكل أحد أهم مداخله، للوصول إلى وقف شلال الدم السوري، والحفاظ على بنية الدولة السورية ومنع العبث بمقدرات الشعب السوري ومنع محاولات تفكيك نسيجه الاجتماعي.
وعلينا استمرار العمل جميعاً على إعادة وتكريس ثقافات حاولت أطراف الأزمة نزعها من وعي وتراث شعبنا، ومن أهمها التسامح والتوعية بمخاطر هذه الأزمة على المجتمع السوري وآثارها المدمرة، على الفرد والمجتمع إن لم يتم تداركها.
كما يجب التوجه إلى تعزيز المصالحات الاجتماعية، حيث أن انقساماً عامودياً قد حصل، ولا أسباب له سوى ارتفاع منسوب العنف وغزارة الدم المسال.
كما يتوجب علينا أن نضع ظاهرة «الإرهاب» في مكانها الصحيح، بالتناسب مع المشروع الخارجي، انطلاقاً من أشكال تدخله المباشر وغير المباشر والترابط الوثيق بينه وبين الإرهاب والتكفير وصولاً للفاشية.
السمسرة تطال ملف المخطوفين!
إن القدرة على العمل باتجاه المصالحة الوطنية بكافة مساراتها (تسويات- هدن- مصالحات) تتطلب سد الثغرات، وملاقاة مطالب الناس، والابتعاد عن أي تفكير يتعلق بالمصالحة بعقلية الحسم، لأننا في النهاية نتعاطى مع سوريين.
ومما يسيء إلى عمل المصالحة الوطنية في محافظة حلب، وجود بعض المسميات والممارسات، التي تقوم على السمسرة والابتزاز، وهذه الظاهرة منتشرة خاصة ما يتعلق بالمخطوفين والمفقودين.
ملف المصالحة..
والبعض ممن يتعاطى ذلك، يفتتح مكاتب له، لا تملك أية مشروعية قانونية أو أخلاقية، ولم نحرز للآن أي تقدم على هذا الصعيد، بسبب القصور والإهمال أو عدم الجدية، ويضاف إلى ذلك الممارسات الضارة وغير المسؤولة.
إننا في ممثلية حلب، ومن منطلق الغيرة الوطنية، ندعو الجميع في الموالاة والمعارضة إلى التحلي بالمسؤولية، والتعامل الجاد مع ملف المصالحة، لأننا أمام مصير وطن وشعب ولا شيء آخر.
*ممثل وزارة المصالحة الوطنية في حلب