الحسكة.. مكاتب «خدمات خاصة» تستغل ظروف الأزمة
وجد كثير من سكان محافظة الحسكة، في مكاتب «تسيير المعاملات» وتقديم الخدمات المتنوعة، التي ظهرت في سنوات الأزمة السورية الأربع، ملجأً جيداً لإنجاز أعمالهم وتجنب مخاطر التنقل، رغم المبالغ المالية العالية التي تتقاضاها هذه المكاتب، في ظل غياب أي إجراءات حكومية تتماشى مع ظروف المحافظة الشاسعة.
وتنتشر مكتبات الخدمات الجامعية، وشركات تحويل الأموال، ومكاتب «تسيير المعاملات» الحكومية في المدن الرئيسية للمحافظة بشكل لافت، حيث تنجز معاملات السكان بين مدنهم ومركز المحافظة، مدينة الحسكة من جهة، وبين المحافظات الأخرى من جهة ثانية، وبين دول أخرى فيما يتعلق بالتحويلات المالية.
بورصة الخدمات المسعرة
وازداد عدد هذه المكاتب بشكل لافت في الآونة الأخيرة، مع الإقبال الكبير عليها، حيث يتحمل المواطن تكاليف كبيرة فيما لو قرر إنجاز معاملته بنفسه، في ظل ارتفاع أسعار النقل بشكل جنوني، إضافة لعدم مأمونية الطرق البرية، فيما يشكل الحصول على تذكرة طائرة للسفر إلى دمشق عبر مطار القامشلي ضرباً من ضروب المستحيل في ظل تحرير الأسعار وغياب الرقابة.
تسبب الروتين الحكومي الذي لم يتغير مع تغيّر ظروف البلد، في ولادة هذه المكاتب الخاصة بشكل جماعي، ودفعها للبدء في عملية منافسة فيما بينها وتقديم عروض مخفضة بحسب الموسم، وتنتشر إعلاناتها اليوم في كل شوارع المدن وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
محلات لكل المعاملات!
رصدت «قاسيون» بعض هذه الإعلانات، ووجدت أن أغلبها تتعلق بخدمات ومعاملات حكومية من قبيل (5500 ليرة سورية لتسجيلك في الجامعة- نؤمن محاضرات وكشوف علامات من الجامعات السورية..- نؤمن وصول أموالك إلى الحسكة من دول الخليج وتركيا والعراق..- تأمين وثيقة غير محكوم...الخ).
ورغم أن كثيراً من هذه الخدمات قد افتتحت مكاتب علنية في مدن المحافظة، إلا أنك تستطيع الدخول إلى أي محل في الأسواق حتى لو كان محلاً لبيع الأقمشة وسؤاله عن إمكانية تحويل أموال من دول عربية وأجنبية إلى الحسكة، وفي الغالب سيقابل طلبك بالموافقة بعد تحديد العمولة.
حكومة أزمة
والتقت «قاسيون» بعدد كبير من المواطنين، وسألتهم عن الإقبال على هذه المكاتب، رغم كونها تقدم خدمات حكومية مجانية وتتقاضى عليها أجوراً مرتفعة، وكان ثمة إجماع فيما بينهم على أنه يعود لـ«مخاطر التنقل، وارتفاع تكلفته، وعدم تقديم المسؤولين في المحافظة تسهيلات تتماشى مع الظروف الحالية واستمرار العمل الحكومي بنفس الإجراءات الروتينية المعقدة».
وتشكل وثيقة «غير محكوم» نموذجاً فاضحاً للتقصير الحكومي في المحافظة، حيث تطلبها كثير من المؤسسات الحكومية، ولاسيما مديرية التربية عند تعيينها لآلاف المعلمين الوكلاء، ما يضطرهم للاستعانة بمكاتب خاصة تجلبها لهم من محافظات أخرى، حيث يتعذر الحصول عليها من مدينة الحسكة بسبب غياب شبكة الإنترنت، كما أن ابن مدينة المالكية على سبيل المثال يجد صعوبة في الحصول على وثيقة «غير محكوم» حتى من مدينة الحسكة ذاتها، لأنه سيضطر لقطع مسافة 350 كيلومتر ذهاباً وإياباً للحصول عليها.
مقترحات وغياب الإجراءات
وقدم بعض المعلمين اقتراحاً يتمثل في أن تتكفل كل مؤسسة حكومية تطلب وثائق من خارج المحافظة أو حتى من مدينة الحسكة بالنسبة لأبناء مدن القامشلي والمالكية وباقي مدن المحافظة، بجلبها بشكل جماعي عبر تجميع طلبات الراغبين، وإرسال مندوب من عندها لتأمينها.
ويوجد الكثير من الحلول لتجاوز أغلب الصعوبات المرتبطة بالوثائق الحكومية ومعاملات المواطنين وطلاب الجامعات، وتحويلات الأموال، طالما أن القطاع الخاص لا يجد صعوبة في ذلك، ومن باب أولى أن تتبنى مؤسسات المحافظة الحكومية هذه الحلول، بشرط توفر العزيمة وتحمل المسؤولية في المبادرة بتقديم مقترحات ومتابعتها لتجد سبيلها للتطبيق.