معلمو دير الزور.. في (حيص بيص)..!؟
سبق أن تناولنا معاناة معلمي دير الزور الصحية مع شركة التأمين غلوب ميد، وغياب خدماتها رغم استمرار قطع 250 ليرة من رواتبهم شهرياً،ومطالبة المعلمين بإعادة النظر في العقود المجحفة بحقهم مع هذه الشركة، واستعادة أموالهم المقتطعة منها طالما أنها لا تقدم لهم خدمات..!
مع غياب سيطرة الدولة على الريف كاملاً وغالبية أحياء المدينة، انقطعت هذه الخدمات، كما انقطعت خدمات القطاع الصحي التابع للدولة من مشافي ومستوصفات وغيرها، وكذلك نسبة عالية من القطاع الخاص، حيث غادر غالبية الأطباء والصيادلة والمخبريين مناطق التوتر..وجاء التلوث البيئي الناجم عن التقطير البدائي للنفط والتخريب المتعمد للبيئة، ليزيد من نسب المرض..بل عاد العديد من الأمراض المنقرضة للظهور وانعكس ذلك على المواطنين عموماً ومنهم المعلمون والطلاب وأسرهم الذين يشكلون نسبةً عالية من السكان. وانعكس عليهم ذلك حتى في المناطق الآمنة التي تقع تحت سيطرة الدولة وإن كان بنسبٍ أقل لكنها لا تختلف كثيراً عن المناطق المتوترة..
حتى النقابة..!؟
قبل الأزمة، كان لنقابة المعلمين صيدليات تابعة لها، في العديد من المدن والمناطق في المحافظة ريفاً ومدينةً، تقدم للمعلمين وأسرهم خدمات طبية، حيث يدفع المعلم نسبة 25% تقريباً من قيمة الوصفة الطبية و75% تتحملها النقابة وتغطيها من أموالهم وصناديقهم..وإذا لم تتوفر بعض الأدوية في صيدلية النقابة، يقوم المعلم المريض بشرائها من الصيدليات الخاصة، وتدفع له النقابة قيمتها حسب التسعيرة الرسمية وبالنسبة ذاتها 75%.
ومع غياب الصيدليات والمراكز الطبية النقابية فقد المعلمون أهم جوانب علاجهم الصحي، وتعلل النقابة ذلك بأن السبب هو التوتر السائد..وإذا قبلنا بذلك..نتساءل ببساطة: لماذا لا تفتح صيدلية نقابية للمعلمين في المناطق الآمنة.؟ وعلى سبيل المثال: الحيين الآمنين الجورة والقصور..والأنكى من ذلك أن النقابة اعتباراً من 1/8 /2014 اتخذت قراراً بتخفيض نسبة الدفع إلى 40% ناهيك أنّ عن استثناء العديد من الأدوية من التعويض كالفيتامينات، وأسعار الأدوية ارتفعت كثيراً، كما أن أصحاب مستودعات الأدوية والصيدليات يضيفون ما يقارب نسبة 10% على الأسعار لأنهم مضطرون لدفع إتاواتٍ على العديد من الحواجز الرسمية والتكفيرية وكله على حساب المعلم وصحته..فالنهب طال ليس ثروات الوطن وما في جيوب المواطنين بل تعداه إلى المكاسب التي حققوها بعرقهم ودمهم..!!
قطع الرواتب.. قطع الأعناق.!
معاناة المعلمين في كل شهر تتكرر عند قبض الرواتب، سواء من أبناء المحافظة الذين تهجروا داخل المحافظة، أم في المحافظات الأخرى. وكذلك المعلمين من أبناء المحافظات الأخرى، الذين انتقلوا إلى أماكن سكنهم، إذ عليهم أن يحضروا إلى الحيين الآمنين في مدينة دير الزور لقبض رواتبهم وهذا يحملهم عبئاً مالياً كبيراً ناهيك عن أخطار العنف والقصف والخطف..
وعلى سبيل المثال أيضاً: أجرة نقل الراكب من مدينة موحسن التي لا تبعد سوى 20 كم عن المدينة 500 ليرة وليمر عبر المعابر على نهر الفرات يدفع 100 ليرة وأجرة سيارة 200 ليرة للوصول إلى مقر مديرية التربية أي 800 ليرة ومثلها للعودة أي 1600 ليرة أي ما نسبته على الأقل 10% من راتبه..وكلما بعدت المسافة زادت النسبة..
أما المعلم المهجر والمقيم في دمشق فيدفع ما بين 3500 و4000 آلاف ليرة ذهاباً ومثلها إياباً ناهيك عن مصاريف الطريق وتعبه الجسدي والنفسي وخطورة ذلك على حياته، وهذا ما يعادل نسبة كبيرة من راتبه تقريباً.
في حَيصَ بَيصَ
مع بداية كل عام الدراسي تظهر مشكلة الحصول على مباشرة، فلا مدارس ولا أختام، ولن تصرف الرواتب دونها، فكيف يمكن الوصول إلى المناطق المتوترة التي كانوا يعملون بها للحصول عليها..؟
كما أنّ كثيراً من المعلمين وقعوا في حَيصَ بَيصَ، حيث أوقفت رواتبهم بقرار من الجهات الأمنية والمحافظ، بسبب استحالة حضورهم إلى دير الزور من مناطق تهجرهم وباتوا مشبوهين لتواجدهم في المناطق المتوترة ومعرضين للتوقيف، كما أن العديد منهم لا يستطيع الذهاب والمرور على حواجز التكفيريين بسبب مواقفه السياسية أو الاجتماعية، أو عدم تأييده لهم..والبعض رغم مراجعته الوزارة إلاّ أنه لم يستفد شيئاً رغم أنه ليس هناك شيء بحقه لكنه لا يستطيع الذهاب إلى دير الزور، وهذا ما جعلهم في حيرة فماذا عليهم أن يفعلوا.. هل أن يضحوا بحياتهم أم يموتوا من الفقر والجوع؟
ظروف وحلول استثنائية
لا شكّ أنّ ظروف الأزمة تزداد تعقيداً، وهي ظروفٌ استثنائية، وبالتالي تتطلب حلولاً استثنائية وهنا نتوجه إلى نقابة المعلمين وننقل لها مطالب الزملاء بإعادة نسبة الوصفة الطبية إلى 75%، وكذلك بفتح صيدلية نقابية في الحيين الآمنين في المدينة خاصةً أن نسبة عالية من المعلمين تقيم فيهما سواء من أبناء المدينة أم ممن تهجروا من الأرياف ومحافظة الرقة..كما نتوجه إلى وزير التربية ومحافظ دير الزور بإلغاء قرار توقيف الراتب بحقّ المعلمين طالما أنه لا إدانة قضائية بحقهم، وقبول وكالة رسمية لتسوية أوضاع من لا يستطيعون الحضور طالما أنها صادرة من مناطق تقع تحت سيطرة الدولة..وكل ذلك ليس يخفف من معاناة المعلمين وأسرهم..بل يخفف من بؤر الاحتقان والتوتر أيضاً.