في «حمص».. عادت أحياءٌ وقرى ولم يَعُد أهلها!؟
تشكل المصالحات والتسويات والهدنات التي جرت وتجري في بعض المناطق، خطوة مهمة في التخفيف من نزيف الدّم ومن الدمار، وهذا ما يتطلب تطويرها وتوسيعها لتكون مصالحات حقيقية وشاملة.. رغم أنها تنجح هنا وتُخفق هناك، ويعرقلها أو يفشلها أو يفرغها من محتواها ويستغلها، هذا أو ذاك، سواء من بعض المجموعات المسلحة، أو من بعض الجهات الرسمية المنوطة بها..
واستغلال قوى الفساد و«التعفيش» من الطرفين لنهب الأملاك العامة والخاصة.. بل وصل الأمر إلى الاستيلاء على الأراضي والمنازل والمنشآت، إمّا بطرد أصحابها أو بمنع عودتهم لها وغيرها من الممارسات التي تُعمق الانقسام العمودي في المجتمع ويكون المواطن هو الضحية.
أحياء «القديمة» منهوبة
بعد تنفيذ التسوية في حمص القديمة، وخروج المسلحين مع ما استولوا عليه من أحيائها، وخاصةً كميات كبيرة من الذهب الذي كان موجوداً في سوق الذهب والمنازل.. دخل العديد من الأهالي إليها وقسم لا بأس به وجد كثيراً من أثاثه، وعاد ليحصل على موافقة من المحافظ بنقله، وفق قائمة أعدوها.. لكنه لم يسمح لهم بالعودة إلاّ بعد ثلاثة أيامٍ وعندما عادوا لنقلها لم يجدوها.
وحسب روايات أبناء المنطقة، أنه خلال هذه الأيام قد دخلت حوالي ثلاثين شاحنة كبيرة، إلى أحياء (الحميدية وبستان الديوان والحجّارة وباب هود وباب التركمان والخالدية ووادي السايح وجورة الشياح والقرابيص والقصور)، مع قوى «تعفيش» محمية بالسلاح، ونقلت كل ما هو موجود في هذه الأحياء من أثاثٍ حتى الأبواب تمّ فكها وخلع قوالبها..!؟
مطالب لم تُنفذ
وكان محافظ حمص قد عقد لقاءً مع العديد من أهالي الأحياء القديمة والمطارنة، في كنيسة «أم الزنار» وبحضور عدد من الجهات المسؤولة، وكان المطلب الرئيس للأهالي والمطارنة هو منع شبيحة الفساد و«المعفشين»، من الدخول إلى أحيائهم، لكنهم لم يتلقوا إجابةً لأنهم غير قادرين على منعهم كما أكد الأهالي..!؟
(الشبيحة) والقرى «المطهرة»
وفي الريف الشرقي طهر الجيش عدة قرى من المسلحين كـ«آبل والمباركية»، ولكن بعض مسلحي الموالاة منعوا أهلها الذين غادروها من العودة إليها لإصلاح بيوتهم وزراعة أراضيهم، وبعد وساطات وأخذٍ ورد جرى فرض أتاوة عليهم بدل المطلوبين من أهل «المباركية»، وعددهم 17 وذلك باحضار 17 بندقية أو دفع قيمتها وهو 200 ألف ليرة لكل واحدة، وهو طلب معجز للأهالي الذين أكدوا إصرارهم بالحصول على أراضيهم، فأجل بحث الموضوع وما زال إلى الآن دون حل..
وهذا ينطبق أيضاً على بعض قرى الريف الغربي وأكثر من ذلك، كـ«قلعة الحصن وعمار الحصن والحصرجية»، التي هُجّر أهاليها إلى الساحل السوري ولبنان، حيث منعوا من العودة إلى أراضيهم، لأن بعض ذوي النفوذ استولوا عليها وزرعوها.
أمّا أهالي «المشاهدية» و«الزارة» في الريف الجنوبي فقد منع من تهجر من العودة لمنازلهم وأراضيهم وتم إعطاؤها لآخرين، وتم اعتبار من بقي منهم أثناء استيلاء المسلحين عليها ورفض المغادرة مؤيدين للمسلحين وفرض عليهم تقديم بندقية أو دفع ثمنها 200 ألف ليرة مهما كان عُمره شاباً أم كبيراً، وبعضهم تجاوز الستين عاماً، بينما هرب منها حوالي 200 شاب خوفاً من القتل، لأن المسلحين كانوا قد أجبروهم على حمل السلاح والحراسة.
ماذا بعد..؟
لا شكّ أنه من الضروري استمرار هذه الهدنات والتسويات، ويجب تحويلها إلى مصالحات حقيقية، وذلك بعودة الأهالي إلى منازلهم وأراضيهم وتأمين الحماية لهم من الجيش العربي السوري ومنع التعدي عليهم، وكذلك توسيعها، لتكون شاملة وبوابة للحل السياسي، وليس اختزالها واعتبارها بديلاً عنه، ومحاسبة من يعرقلها أو يفشلها أو يحرفها عن هدفها.