الوزارة تمسك المواطن من موضع الألم.. رسوم إضافية على فواتير الكهرباء لا علاقة لها بالكهرباء
بدأ المواطنون في مختلف المحافظات السورية منذ نحو سنتين على الأقل، يتفاجؤون بالمبالغ الخيالية المفروضة عليهم في فواتير الكهرباء، إما بقيمة الاستهلاك واستجرار التيار الكهربائي، أو بالرسوم الإضافية والأعباء الزائدة التي تحملها الفواتير لمبالغ لا تمت لاستهلاك الكهرباء بصلة! وقد يبلغ مجموع هذه الرسوم المضافة 25% من قيمتها، ويصل أحياناً إلى 100% كلما كانت قيمة الفاتورة أصغر.
ويبدو أن وزارة الكهرباء، كغيرها من الوزارات الخدمية، كالإدارة المحلية والاتصالات والنقل، قد لجأت إلى فرض هذه الرسوم وغيرها بطريقة غير معلنة لتحصيل قيمة الفاقد الكهربائي من الاستجرار غير المشروع من جهة، ولإعادة ملء خزينة الدولة التي تم نهبها، ولحمايتها من الانهيار، ولإخفاء حقيقة العجز المالي ومؤشر الميزان التجاري الخاسر دائماً، وكل ذلك على حساب لقمة عيش المواطن السوري.
تلاعب أم إهمال؟ أم سرقة؟!
هناك تساؤلات كثيرة احتار المواطنون وعجزوا عن إيجاد إجابات مقنعة لها عن سبب ارتفاع قيم فواتير الكهرباء غير المنطقي وغير المبرر، وهناك بعض الآراء تقول إن موظفي قراءة العدادات الذين أصبحوا عالة على الوظيفة، ويقبضون رواتبهم دون عمل يقومون به ليستحقوا هذا الراتب، لا يقومون برفع التأشيرات الدالة على كمية الاستهلاك في حينها، أي كل شهرين مرة، بل يقدِّرونها تقديراً، ويكتبونها ظنياً وحسب أمزجتهم، فتكون بالتالي كمية الاستهلاك وهمية، وقيمة الفاتورة غير حقيقية، ثم وبفاتورة واحدة يستدركون الاستهلاك الذي لم يسجلوه، فتكون قيمة الاستهلاك التراكمي بالشرائح العليا من الأسعار التي وضعتها وزارة الكهرباء، والتي هي بالأساس تصاعدية وغير منطقية وغير عدالة. أو أن هناك احتمالاً آخر، وهو أن قيمة الفواتير المرتفعة هي توزيع للسرقات والاستجرارات غير القانونية لبعض المناطق التي لم يتم ضبطها، على الفواتير النظامية للمشتركين النظاميين البسطاء، الذين يدفعون الضرائب عنهم وعن غيرهم.
ومع ذلك يسارع المواطن المظلوم لتسديد الفاتورة، رغم الضائقة الاقتصادية الخانقة والوضع المعيشي السيئ، الذي أوصلته إليه السياسات الاقتصادية لحكومةٍ آخر همها المواطن وتحسين مستوى معيشته، مع أنها تدَّعي الاهتمام بالوضع «الاجتماعي» في اقتصادها «السوقي». وتجدر الإشارة هنا إلى أن سورية هي الدولة الوحيدة والفريدة التي ترتفع فيها الأسعار وقيم فواتير الكهرباء، رغم انخفاض الطلب المستمر على استجرار التيار الكهربائي لحدوده الدنيا، إما بسبب سياسة التقنين، أو الخوف من ارتفاع قيمة الفواتير إلى الحد الذي لا يمكن للمواطن أن يدفعه.
المواطنون يشكون من الظلم للظالم
أمام الكوة الخاصة بتقديم الاعتراضات في مركز كهرباء القابون لم نجد سبيلاً للدخول لسؤال الموظف المسؤول عن استقبال طلبات الاعتراض على قيم الفواتير عن عدد المعترضين الإجمالي والذي نتوقع أنه قد وصل إلى عشرات الآلاف، وسوف نسعى للإطلاع من الجهات الرسمية عن عدد الاعتراضات ومضمونها وطرق معالجتها في ملفٍّ قادم.
من بين الطوابير الطويلة للمواطنين الغاضبين المتألمين المعترضين على الظلم الذي يصيبهم من فواتير الكهرباء ومبالغها الخيالية استطعنا تسجيل بعض الآراء والملاحظات ننقلها حرفياً:
ـ المواطن أ.ع قال: «يقولون لنا إننا تلاعبنا بالعداد أو استجررنا التيار بشكل غير نظامي، ما الذي يثبت ذلك؟ إن سحب العداد بطريقة عشوائية وسريعة، ودون علم المشترك، يعتبر أسلوباً ملتوياً لتغطية أمرٍ في نفس يعقوب، وهو بالأساس تصرف غير حضاري وهمجي، وكان على الشركة إعلام صاحب الاشتراك بالتلاعب، وكان يجب أن تتم كتابة الضبط اللازم بحقه والعداد في مكانه، حيث أنه توجد أجهزة لكشف الخلل في العدادات وهي في مكانها. ثم حينها فقط ينظم الضبط اللازم وتفرض الغرامة على المتلاعب، وليس غيابياً وبعد أشهر طويلة من تبديل العداد».
ـ المواطن حسن م. قال: «أعتقد أن المبالغ المفروضة علينا في الفواتير أغلبها مزاجيه أو كيدية، وإلا فكيف يتم تخفيض قيمة الفاتورة إلى ربع القيمة أحياناً عند اعتراض المواطن؟! والمبالغ التي تم حسمها هل يدفعونها من جيوبهم ويسامحوننا بها؟ أم أن هناك أسلوباً مبهماً لفرض مبالغ عالية وإذا انكشفت اللعبة يتم التراجع عنها؟».
ـ المواطن وائل س. قال: «إن الكهرباء هي الخدمة الوحيدة التي لا يمكن أن يستغني عنها المواطن، ويحتاجها أكثر من الماء والهاتف، وهي لا تتحمل الرسوم الكثيرة عليها، فهناك 90% من المواطنين من أصحاب الدخل المحدود وغير القادرين على دفع هذه المبالغ، وكيف تتم إضافة رسوم النظافة والإدارة المحلية التي تُحمِّل المواطن أعباء إضافية على فواتير الكهرباء وفي غير محلها، علماً أنه في كثير من البلديات ومجالس المدن لا يوجد اهتمام بالواقع الخدمي والنظافة. والحقيقة أن هذه المبالغ الخيالية والإضافات غير المنطقية قد سببت الصدمات والأمراض والجلطات لكثير من المواطنين».
ـ المواطن عبد الحميد. ط قال: «تتهم الشركة المواطنين بالتلاعب بالعدادات، واستجرار الكهرباء بشكل غير شرعي، علماً أن معظم العدادات القديمة كانت بحالة جيدة، وإذا كان فيها خلل فسببه أحد أمرين، إما لقِدَم العداد وطول مدة استخدامه التي تزيد عن 40 سنة، ومن الطبيعي أن تتلف الملفات والدارات، أو السبب الرئيسي للتلف يكمن في أن العدادات القديمة حين تم فكها لتبديلها بعدادات جديدة كانت تُرمى على جانب الطريق أكواماً فوق بعضها وبطريقة عشوائية وهمجية، وتُقذَف من الشارع لتحميلها في سيارة الورشة بشكل غير تقني لأن معظم العاملين مع المتعهد أطفال لا تتجاوز أعمارهم الخمسة عشر عاماً، الأمر الذي يساعد على تلف ملفات الشدة الحساسة في العدادات، وهذا ما أسمته الشركة تلاعباً في العدادات، وبعد مرور أشهر طويلة تفاجأنا بأن قيمة فواتير الكهرباء ارتفعت إلى مبالغ كبيرة غير منطقية، والحجة الوحيدة أن هناك تلاعباً في العداد، بناء على ما جاء في تقرير المِخبَر الخاص في الشركة، ودون وجود أي ضبط بحق أحد من الذين فُرِضت الغرامات بحقهم».
ـ أحد المواطنين قال بحرقة وألم بالغين: «صرت أخجل من أن أذكر اسمي وتاريخي في هذا الوطن، وأتألم كثيراً ويعز علي أن هذا الوطن الذي خدمته أكثر من أربعين سنة بشرف وصدق وإخلاص وأمانة ونزاهة، يكافئني الآن بسرقتي جهاراً نهاراً، وبحكم القانون الذي لا يمكنني الاعتراض عليه، فقد كنت في السابق أدفع فاتورة الكهرباء كل شهرين وتبلغ قيمتها العادية بين 1500 و2000 ل.س، وفجأة جاءتني فاتورة بـ35000 ل.س، فصُدِمت وكادت أن تصيبني الجلطة، وذهبت إلى مركز الكهرباء للاستفسار، فقالوا لي: إضحك في عبَّك، لأن المبلغ المفروض عليك هو 185000 ل.س، وقد تم تقسيمه لتخفيف العبء عليك، وهذه أول فاتورة بهذه القيمة، وأمامك أيضاً خمسة فواتير وكلها بالقيمة نفسها، بالله العظيم قولوا لي أين نحن نعيش؟! ما هذه القوانين؟ ومن اختراعها وأين اخترعها؟!».
الإضافات تعبر عن إبداعات
أضيفت إلى فاتورة الكهرباء مجموعة من الرسوم لم تكن موجودة قبل أعوام، هذه الرسوم تصاعدية تضاعف الفاتورة كلما زاد الاستهلاك، وقد تم تحديديها كما يلي:
ـ رسم جيش 10% من قيمة الاستهلاك، وهذا يزيد دعمك لوزارة (الدفاع) كلما كبر استهلاكك للكهرباء.
ـ رسم بلدي 10% للبلديات ولجان الإدارة المحلية التي تُقصِّر في تقديم الكثير من الخدمات الضرورية للمواطنين.
ـ رسم طابع 20 ل.س على كل فاتورة، وهذه لم تعرف لمن ولماذا!!
ـ رسم المقطوعية 10% من رسوم الجيش والمدارس والبلدي، وهي ضريبة على استحصال الضريبة (ولا ندري كيف ومن اخترع هذا الأسلوب).
ـ رسم مدارس بقيمة 0.5 ق.س لكل كيلو واط ساعي من الاستهلاك، وحتى وزارة التربية لها حصة في هذه اللعبة.
ـ رسم الإدارة المحلية.
ـ رسم نظافة بقيمة 100 ل.س مقطوع على كل فاتورة.
وقد تم تقسيم أسعار الاستهلاك خلال ساعات اليوم إلى ثلاث شرائح تثير الكثير من التساؤل والاستغراب، حيث تم تحديد فترات اليوم كما يلي:
ـ الذروة المسائية من الساعة /17/ وحتى الساعة /22/ وتم تحديد سعر استهلاك الكيلو واط الساعي في هذه الفترة بـ500 ق.س.
ـ فترة الليل من الساعة /22/ وحتى الساعة السابعة صباحاً بسعر استهلاك الكيلو واط الساعي /245/ ق.س.
ـ فترة النهار من الساعة /7/ حتى الساعة /17/ وبسعر استهلاك الكيلو واط الساعي /336/ ق.س.
وواضحٌ تماماً من هذه التعرفة أنها في حال استجرارك للكهرباء بكمية أكثر في فترة الذروة (فترة السهرة العادية) فإن قيمة فاتورتك سترتفع بشكل كبير، في حين لو تم استجرارك للكهرباء خلال فترة الليل (السهرة الاستثنائية) فستكون فاتورتك بأقل قيمة لها.
ليس هكذا تُحَل مشكلة الكهرباء والدعوة إلى ترشيدها يا حكومتنا الرشيدة، وليس هكذا تتم حماية ودعم الخزينة العامة، يجب إيجاد السياسات البنّاءة التي تؤمِّن الخدمات للمواطن بأقل التكاليف وأسهل الطرق وأكثرها حداثة وتطوراً وتماشياً مع النمو والتطور العمراني والسكاني.
تساؤلات تنتظر التوضيح
ثمة تساؤلات كثيرة تنتظر من أصحاب العلاقة الإجابة عليها وتوضيحها:
• هل مخطط تنويع الرسوم وتصاعديتها على فاتورة الكهرباء أسلوبٌ لإعادة ملء الخزينة العامة ودعمها، باستنزاف المواطن، ودون أن يكون له حق الاعتراض؟
• هل ارتفاع قيمة الفواتير طريقة غير معلَنة لتحصيل قيمة الفاقد الكهربائي من الاستجرار غير المشروع في المناطق التي لم يتم ضبطها؟
• أم أنها طريقة قسرية لدفع المواطن للالتزام بترشيد استهلاك الكهرباء رغماً عنه، بتخفيف الاستفادة من مؤشرات ومتطلبات الحضارة والتطور؟!
• أم أن الضغط والإلزام بترشيد استهلاك الكهرباء دليل عجز الحكومة عن حل مشكلة التوليد والتوزيع بما يناسب ازدياد الاحتياج العام للطاقة الكهربائية؟!
• هل رفع سعر الكيلو واط الساعي لفترة الذروة المسائية (فترة السهر الطبيعية) وتخفيض سعر الكيلو واط في فترة الليل دعوة لاتِّباع أسلوب حياة جديد يجعل فترة الليل فترة النشاط الرئيسية؟ وهذا أسلوب حياة شريحة معروفة من المجتمع السوري، وانضم إليها عدد كبير مجدداً نتيجة السياسات التي تمارسها الحكومة وآثارها السيئة على معيشة المواطن السوري.
• لماذا سارعت مؤسسة الكهرباء لاستبدال العدادات القديمة بحجة التلاعب، دون تدوين ضبط بذلك، حين راجع الكثير من المواطنين واعترضوا في كثير من المحافظات السورية على المبالغ المترتبة عليهم في فواتير الكهرباء، والتي قفزت فجأة إلى أرقام فلكية بعد أن اعتادوا على دفع قيم معتدلة ومتقاربة وقريبة للعقل والمنطق على مدى سنوات طويلة؟!