أزمة الإيجارات «تتفاقم».. و«مقترح» يثير الجدل في أروقة لجنة مراجعة قانون الإيجار

أزمة الإيجارات «تتفاقم».. و«مقترح» يثير الجدل في أروقة لجنة مراجعة قانون الإيجار

مازالت مشكلة استئجار العقارات السكينة تتفاقم يوماً بعد يوم في أغلب المحافظات السورية، فغياب قانون صارم وتسعيرة محددة لكل منطقة وكل منزل، واستغلال أصحاب العقارات لحاجة العائلات النازحة، جميعها عوامل ساعدت على فلتان سوق العقارات دون ضوابط حتى أصبحت أسعار الإيجارات تخضع لأهواء صاحب العقار والمكتب العقاري باستغلال حاجة العوائل المضطرة وسط غياب ملحوظ لرقابة الجهات المعنية.

وحالياً، ووفقاً للعديد من الشكاوى التي وردت إلى صحيفة «قاسيون»، فإنه من شبه المستحيل أو من الصعب جداً ضمن الظروف الحالية تأمين منزل للإيجار داخل العاصمة دمشق، وخاصة في ظل قلة العرض وازدياد الطلب وارتفاع أسعار الإيجارات المتحررة من أي ضبط وقيد.

بورصة أسعار الإيجارات

وارتفعت أسعار إيجارات المنازل بالريف الدمشقي الآمن، وتراوحت ما بين 30 و40 و50 ألف ل.س، بعد أن كانت منذ أقل من عام تتراوح ما بين 20 و30 ألف ل.س. في حين وصلت في العاصمة دمشق إلى 60 و70 ألف بعد أن تراوحت مؤخراً بين 40 و50 ألف، وما زاد مصاعب العائلات النازحة، هو طلب دفعة مقدمة لاستئجار المنزل حتى 6 أشهر مع تأمين فواتير الكهرباء والماء بمبلغ لا يقل عن 10 آلاف ل.س.

وعلى هذا الأساس، تضطر العائلة النازحة، والتي خسرت كل ما تملكه خلال الحرب الدائرة في البلاد، أن تقوم بتأمين مبلغ لا يقل عن 190 ألف ليرة دفعة واحدة أو أن تبقى في الشارع، وهذا الملبغ تم احتسابه على أساس المنازل في ريف دمشق الآمن، ودون حصة السمسار أو المكتب العقاري.

الملبغ المذكور أعلاه أو حتى نصفه، كان من مستحيل تأمينه من قبل الكثير من العائلات المضطرة لاستئجار منزل، وخاصة أن راتب الموظف من الفئة الأولى مازال لا يتعدى الـ20 ألف ليرة سورية، إضافة إلى خسارت أغلب الأسر النازحة لأعمالها بشكل نهائي.

الإيجارات و«عقود الاستغلال»!

ويعود سبب الفلتان في أسعار الإيجارات إلى ثغرة قانونية أو ما وصفه البعض بـ «تقصير تشريعي»، وهو عدم وجود نص يلزم مالك العقار المؤجر بالتقيّد بتسعيرة أو تعرفة محددة بضوابط معينة مثل «مكان المنزل ومساحته وتجهيزاته» وما إلى ذلك من أمور، بل يترك ذلك لاستغلال أصحاب العقارات، وبعدها يوثق هذا الاستغلال بعقد لدى المحافظة يحفظ حقوق المستغِل.

وبدوره، أكد مصدر في محافظة دمشق سابقاً لـ «قاسيون» أنه تم تشكيل لجنة بالاتفاق مع وزارة العدل وممثلين عن الإدارة المحلية ووزارة المالية ونقابة المحامين للنظر بقوانين الإيجار، مشيراً إلى أن «قانون الإيجار في سورية يقوم فقط بتنظيم العلاقة بين المؤجِّر والمستأجر وفقاً لعقد مكتوب بين الطرفين، ومن غير الممكن تحديد الحد الأدنى لأسعار الإيجارات أو وضع ضوابط للحد من ارتفاع أسعارها أو حتى وضع تسعيرة موحدة».

مقترح دون دراسة «آثار الحل»

وبعد انتظار لما ستؤول إليه دراسة هذه اللجنة، وبعنوان أثار الجدل على صحيفة «البعث» الرسمية،  تم الكشف عن ما وصفته الصحيفة بـ «دراسة» في وزارة العدل لـ«فتح المنازل التي تركها أصحابها وتأجيرها لمواطنين سوريين نازحين وبإشراف لجنة حكومية مختصة، بحيث يتم حفظ المبالغ المالية المستحقة لصاحب العقار حين عودته».

وما لبث أن انتشر النبأ بين المواطنين وأثار موجة من «السخط» لدى أصحاب المنازل المغلقة، حتى بادرت وزارة العدل بنفي الخبر، مؤكدةً أن ذلك كان مقترحاً ضمن نقاش في أحد الاجتماعات، وليس توجهاً أو خاضعاً للدراسة كما ذكرت الصحيفة التي نقلت الخبر على لسان كمال جنيات المستشار في محكمة النقض ورئيس اللجنة المشكلة بقرار من وزارة العدل لإجراء مراجعة شاملة لأحكام قانون الإيجار رقم 1 لعام 2006.

والمقترح الذي تداولته اللجنة على حد تعبير جنيات ووفقاً لما نقلته الصحيفة حينها «ينطلق من باب الحرص على فتح المنازل الآمنة والمغلقة للتخفيف من معاناة الكثير من السوريين الذين تشردوا وتهدمت منازلهم، على أن يتمّ تأجير تلك المنازل بأجور تقدرها اللجنة والاحتفاظ بالأجور في صندوق خاص وتُعطى لأصحابها عند عودتهم من خلال كشوف تسليم تنظمها اللجنة».

الدستور أعاق «المقترح»!

وبدوره، قال رئيس الدائرة الاجتماعية بمحافظة دمشق للعقود والإيجار محمد عقيل، إن «مقترح فتح المنازل الآمنة مجرد طرح أعاقه الدستور الذي ينص على حماية الملكية» لافتاً إلى «إمكانية صدور قرارات وإجراءات جديدة فيما يخص قانون الإيجارات المعدل الشهر الجاري». 

وكانت وزارة العدل قد أصدرت القرار رقم /205/ل بتاريخ 10/2/2014، والقاضي بتشكيل لجنة مهمتها إجراء مراجعة شاملة لأحكام قانون الإيجار رقم /6/ لعام 2001 واقتراح ما يلزم بشأنه.

ووفقاً للوزارة، فإن هذا القرار يأتي «في سياق السعي لتحقيق متطلبات الإصلاح القضائي بما يؤمّن متطلبات العدالة الاجتماعية، وتعديل القوانين بما ينسجم مع التطورات المستجدة»، إلا أنه وحتى اليوم لم تصدر عن هذه اللجنة أية قرارات أو مقترحات، إلا المقترح الذي أثار الجدل مؤخراً حول فتح المنازل التي تركها أصحابها ونفي فوراً.

ومن المقرر أن ينتهي دور اللجنة بتقديم مشروع القانون على عدد من الجهات المعنية، ومنها «إدارة التشريع في وزارة العدل- محكمة النقض- إدارة التفتيش القضائي- نقابة المحامين- كلية الحقوق  وقضاة ومحامين» وغيرها من الجهات، أي أن ذلك قد يأخذ مزيداً من الوقت للمس أي نتائج لتعديل القانون المذكور.

 إشكالات «اللجنة»

وبحسب آخر تصريحات للجنة على لسان رئيسها جنيات، فإنه هناك «عدة إشكالات تعكف اللجنة حالياً على دراستها والتي تشغل أروقة المحاكم، منها ضبط حالة المزاجية لدى الخبراء في تقييم العقارات، ويتمّ العمل على وضع معايير محددة للخبير تقيده وتمنعه من التلاعب في تقدير القيمة».

وتتداول اللجنة موضوع إنهاء العلاقة الإيجارية بالنسبة للسكن العشوائي الذي لا يملك الكثير من أصحابه سندات تثبت ملكيتهم، وتمّ اقتراح عدة حلول لاتزال قيد الدراسة، منها اقتراح تم عرضه على الدائرة المالية ويتضمن «تنظيم جدول كشف وانتقال بحيث ينتقل موظف المالية إلى العقار المراد تأجيره، ويتحقق فعلاً من ملكية صاحبه ورغبته بتأجيره لقاء سلفة كشف وانتقال وهي رمزية تقدر بـ 100 أو 200 ل.س مع واسطة النقل».

الخلل..

ويتبيّن من قوانين إيجار العقارات الصادرة والمعدلة في سورية، وجود خلل رافقها منذ البداية، حيث نص المرسوم التشريعي رقم /11/ تاريخ 11/2/1952 لتحديد أجور العقارات وفق النسب الآتية:

• 5% قيمة العقارات المعدة للسكن.

• 6% من قيمة العقارات المؤجرة للدولة أو البلديات أو النقابات أو الجمعيات أو مزاولة مهنة حرة.

• 7% من قيمة العقارات المؤجرة للحكومة أو التجاري أو الصناعي.

• 8% من قيمة العقارات المؤجرة مدارس.

واستقرت العلاقة بين المستأجر والمؤجر وفق هذا القانون أكثر من عشر سنوات إلى أن صدر المرسوم التشريعي رقم 24 تاريخ 25/1/1956 بتخفيض بدلات الإيجار بنسبة 25%، بعدها صدر المرسوم التشريعي رقم 13 تاريخ 4/2/1971 بأنه لا يجوز أن تكون قيمة الإيجار بعد التنزيلات المشار إليها أعلاه أقل من التخمين المالي، علماً أن التخمين المالي في سورية أقل بكثير من القيمة الحقيقية للإيجارات.

بعدها، صدر القانون رقم 6 تاريخ 5/2/2001 القاضي بإخضاع تأجير معظم العقارات في سورية لإرادة المتعاقدين وتبقى العقارات المؤجرة في ظل أحكام المرسوم التشريعي رقم 11 لعام 1952 خاضعة إلى أحكام التمديد الحكمي وتحديد بدل الإيجارات، وفتح القانون المذكور طلب إنهاء العلاقة الإيجارية واسترداد العقار المأجور مقابل تعويض يتقاضاه المستأجر مقداره 40% من قيمة البناء المأجور.

ومن ثم صدر عام 2006 القانون رقم /10/، وتضمنت المادة الأولى منه تعديل المادة الأولى من القانون /6/ تاريخ 15/2/2001 حيث أضيفت إلى العقارات التي تخضع لإرادة المتعاقدين العقارات المعدة لممارسة أعمال تجارية أو صناعية أو حرفية أو مهنة حرة أو علمية منظمة قانوناً.

سياسات تحرير الأسعار

ويتبيّن مما تقدم أعلاه استمرار الخلل في المعالجة القانونية والإدارية للعلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر سواء من ناحية قوانين إيجار العقارات الصادرة والمعدلة في سورية التي أتت في إطار الرؤية الجزئية للمشكلة واستمراراً للخلل السابق في المعالجة أو من ناحية عدم قدرتها على ضبط العلاقة الإيجارية، كل ذلك وآخذين بعين الاعتبار مدى تفاقم أزمة الإيجارات في البلاد مؤخراً بشكل غير مسبوق، وانعكاساتها الخطيرة اجتماعياً وسياسياً، وصولاً لعدم تمكن المواطنين بتأمين سكن (ملك أو إيجار)، يؤيهم من شر التشرد في الشارع، بما يتناسب مع مستوى دخلهم المحدود أصلاً في ظل سياسات تحرير الأسعار الجارية في البلاد.