تحذير
  • JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 177
«غش وفلتان..» في المراكز الامتحانية وتخوف من «تكرار المشهد» في الدورة التكميلية

«غش وفلتان..» في المراكز الامتحانية وتخوف من «تكرار المشهد» في الدورة التكميلية

امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بصور الطلاب السوريين من مختلف المحافظات السورية والذين يقدمون امتحانات الشهادات العامة سواء الإعدادية أو الثانوية وهم يقومون بعملية الغش الجماعي في القاعات الامتحانية بشكل لم تشهده الامتحانات السورية من قبل. 

والشكاوى الكثيرة هذه المرة كانت من المدرسيين المراقبين، حيث أجمع كل من التقتهم «قاسيون» على أن العملية الامتحانية شهدت خروقات وتجاوزات لا تعد ولا تحصى من الطلاب وذويهم بشكل لم يعهدوه من قبل.

 تعديل الوضع الوظيفي.. 

وفي هذا الصدد تقول «رانيا.ع»، وهي مدرّسة، «كلفت بمراقبة في أحد المراكز الامتحانية التابعة لتربية محافظة القنيطرة وذلك على طلاب الشهادة الإعدادية الأحرار، حيث كانت الأغلبية العظمى من الطلاب المتقدمين للامتحان هم من الأشخاص الذين لا تقل أعمارهم عن العشرين سنة وجميعهم تركوا الدراسة منذ وقت طويل، وعندما كنا نحاول منعهم من الغش كانوا يقولون لنا نحن نريد الحصول على الشهادة من أجل تعديل وضعنا الوظيفي».

وتتابع رانيا «لكن عملية الغش هذا العام تجاوزت أمر نقل إجابة صحيحة أو إيجابتين، ووصلت حد إدخال الكتب كاملة عن طريق المصغرات أو الترشيت أو حتى إدخال أجهزة الهواتف النقالة الى داخل قاعات الإمتحانية والإتصال بذويهم كي يقومون بحل الأسئلة لهم»، وتضيف «أن بعض الطلاب وصلت بهم الأمور بالطلب من المدرسين المشرفيين على عملية المراقبة بنقل الراشتات والمصغرات من الطلاب فيما بينهم وعندما كنا نرفض كنا نتفاجأ بالتهديد والوعيد بالضرب خارج قاعة الإمتحان. وفي ظل الفوضى الأمنية الحاصلة كنا نتراجع عن كتابة ضبوط بالمخالفات الامتحانية».

البطاقة الامتحانية فقط!

وبدوره يتحدث المدرس «رائد .س» حول ما عانوه خلال العملية الامتحانية قائلاً «هذه هي المرة الأولى التي أشهد فيها العملية الامتحانية على هذا النحو منذ عشر سنوات، وهي تاريخ دخولي إلى التدريس، حيث راقبت الطلاب الأحرار للشهادة الثانوية. وعند دخولنا إلى قاعات الإمتحان ومحاولاتنا منع الطلاب كان يقوم عدد منهم بإبراز عدد من الهويات الأمنية ووضعها على طاولة الامتحان إلى جانب البطاقة الإمتحانية وأنا شخصياً تعرضت للضرب على يد والد أحد التلاميذ بعد الخروج من المركز الإمتحاني بسبب عدم سماحي للولد بالغش». 

ويتابع المدرس قوله «فيما مضى كان الطالب يكتفي بنقل إجابة سؤال واحد أو تصحيح معلومة خاطئة، لكن الطلاب الذين يتقدمون هذا العام للإمتحان وخاصة الطلاب الأحرار الذين لم يدرسوا ويريدون الحصول على مقاعد جامعية وتعديل أوضاعهم الوظيفية والغالبية العظمى منهم كانوا لا يعرفون ما هي الأجوبة التي يقومون بنقلها على أوراقهم لأنهم كانوا يعتمدون على النقل فيما بينهم، وإذا نجح هؤلاء الطلاب فإن نجاحهم سيؤثر على غالبية الطلاب وعلى المعدلات التي ستقوم وزارة التعليم العالي بوضعها للمفاضلة».

«الواتس آب» والسلاح والاعتداء!

في حين يقول المدرس «عبد الواحد»، وهو مدير أحد المراكز الامتحانية وعضو في إحدى اللجان الوزارية التي تقوم بعملية التفتيش على المراكز الامتحانية، يقول «تفنن طلاب هذا العام بأساليب النقل والغش، ولكن الجديد هذا العام هو استخدام الطلاب لـ(الواتس أب)، إضافة إلى الاستقواء بالسلاح الذي يحمله بعض الطلاب المتطوعين أو ذويهم، وهذا الإنفلات أثر بشكل سلبي على العملية الامتحانية وخاصة على المدرسين الذين يقومون بعملية المراقبة حيث وقع أكثر من عملية اعتداء على عدد منهم».

ويتابع «كنا في أحد المراكز الإمتحانية التابعة لمحافظة القنيطرة وقمت بضبط شاب من الشباب المتطوعين في ما يسمى بلجان الدفاع الوطني وهو يقوم بإدخال حل أسئلة مادة الجغرافيا لخطيبته التي تتقدم لامتحان البكالوريا، وقمنا بإجراء الضبط النظامي، وعند خروجنا من المركز قام الشاب بإشهار سلاحه بوجهنا وهددنا بإطلاق النارعلينا وذلك كي نقوم بسحب الضبط الذي نظمناه بحق خطيبته».

أما المدرس «خالد» فيتحدث عن تجربته ويقول «كنت أراقب في أحد مراكز ريف دمشق، وقمت بضبط طالب يستخدم هاتفه الجوال أثناء الامتحان، وعندما اقتربت من الطالب من أجل سحب بطاقته الامتحانية وكتابة الضبط به، قام الطالب الذي يكبرني بالعمر بوضع سلاحه الحربي على المقعد إلى جانب الهوية الأمنية وعندها تراجعت عن القيام بكتابة الضبط بحقه. فنحن لم نعد نشعر بالحماية والأمان اللذين كنا نحظى بهما من قبل بسبب انتشار السلاح بأيدي الكثير من الأفراد الذين تعددت مرجعياتهم الأمنية».

تعسف بحق الطلاب

أجهشت الطالبة «عبير» بالبكاء بعد خروجها من امتحان مادة اللغة الأجنبية (انكليزي)، وهي تقول «أنا من الطلاب النظاميين الذين درسوا بجد طوال العام الدراسي. اليوم ونحن داخل  قاعة الإمتحان حاول الطلاب النقل والغش ولكني لم ألتفت إليهم، وكان يوجد لدينا مدرسة مراقبة لها قريبة في القاعة وعلمت أني من الطلاب المتفوقين فقامت بسحب ورقة الإجابة من يدي بعد أن أنهيت الإجابة على جميع الأسئلة وقامت بإعطائها لقريبتها كي تقوم بنقل إجاباتي إلى ورقتها، وبذلك تحصل على علاماتي دون جهد منها».

وتابعت حديثها قائلة «وأنا بذلك أخسر جهدي الذي تعبت طول العام للحصول على أعلى العلامات، وعندما حاولت أن أشتكي لمدير المركز قال لي إن هذه المدرسة والطالبة مدعومتان ولا أستطيع اتخاذ إجراءات ضدهما».

عجز وزاري...

يجمع من التقتهم «قاسيون» على أن العملية الإمتحانية لهذا العام لم تكن كما في الأعوام الماضية التي سبقتها وذلك بسبب الخروقات الكبيرة التي تخللتها وخاصة من ناحية عمليات الغش الكبير الذي حصل في معظم المحافظات السورية، والسبب الأول هو الفلتان الأمني الحاصل، حيث وجد الأساتذة أنفسهم وجهاً لوجه مع الطلاب وذويهم.

كما يخشى الطلاب الذين درسوا واجتهدوا وأهاليهم من ضياع فرصة التحاق أبنائهم بالجامعات التي كانوا يحلمون ويدرسون لأجلها طوال العام وذلك لأنه اذا كانت نسبة النجاح مرتفعة ستقوم وزارة التعليم العالي برفع المعدلات العامة. 

وفي هذا السياق يؤكد المدرس «وديع .ح» بأنه على الجهات المختصة وخاصة وزارة التربية أن تتجنب الفوضى التي حصلت أثناء العملية الامتحانية، وأن تتجنب حدوثها في الدورة التكميلية، لأن تكرار هذا الأمر سوف ينعكس سلباً على الطلاب والأساتذة معاً وعلى كل العملية التربوية التعليمية.

نتائج العام االماضي 

كان وزير التربية هزوان الوز صرح العام الماضي بأن نسبة النجاح في الفرع العلمي للشهادة الثانوية بلغت 86.04 بالمئة، وفي الفرع الأدبي 82.63 بالمئة، وفي الثانوية الشرعية 83.72 بالمئة، وفي الثانوية المهنية النسوية 69.70 بالمئة، وفي الثانوية المهنية الصناعية 68.64بالمئة، وفي الثانوية المهنية التجارية82.99  بالمئة. 

التكحيل والعمى!

قامت وزارة التربية وكرد على التجاوزات التي وقعت في عدد من المحافظات بنقل أعداد كبيرة من الطلاب الأحرار من مراكزهم التي كانوا يمتحنون بها الى مراكز ثانية وذلك تجنباً لعمليات الغش الكبيرة التي حدثت.

في الأسباب العميقة للظاهرة

وبدوره يقول «م. سليم»، وهو مرشد اجتماعي، «إن ظاهرة الغش الامتحاني ليست جديدة، وطالما كانت موجودة ولكنها استفحلت في السنوات الأخيرة، حيث انحدرت منظومة القيم الاجتماعية في ظل تفشي نزعة الخلاص الفردي، وعقلية (دبرراسك) وانتشار المحسوبيات والوساطات، لدرجة أن الغش الامتحاني باتت ثقافة وحقاً مشروعاً في بعض الأوساط، طالما أن المشهد العام في البلاد يتسم بذلك في مختلف القطاعات».

ويتابع «جاءت الأزمة لتعمق هذه الظاهرة أكثر فأكثر في ظل تراجع هيبة المؤسسة الرسمية، وفي ظل الوضع الكارثي الذي يعاني منه الطلبة في العديد من مناطق البلاد، حيث تعطلت الدراسة كلياً أو جزئياً في تلك المناطق التي شهدت توتراً أمنياً...».

وأكد المرشد الاجتماعي «ان تعليمات وتهديدات وزارة التربية للطلبة لا تغيّر من حقيقة الوضع شيئاً، لا شك أن الحلول الجذرية ليست في متناول اليد في ظروفنا الحالية، والتي تتطلب تغيير بنية النظام التعليمي ككل، من تغيير المناهج إلى طريقة تعيين الكادر الإداري والتدريسي، إلى تطوير وتغيير طرائق التدريس، وصولاً إلى تغيير نظام التقييم، وسياسات الاستيعاب الجامعي، وذلك في إطار عملية تغيير جذرية وشاملة...وبناءً عليه يجب اتخاذ حلول اسعافية لمعالجة الخلل وكل الثغرات التي تعترض العملية الامتحانية...».

الحل «تغيير جذري شامل»

إلا أن واقع الحال يؤكد بأن معالجة الخلل والإشكالات المستمرة التي تعترض العملية التعليمية ككل في البلاد تتجاوز مسألة اتخاذ إجراءات وحلول اسعافية، بل إنها تتطلب حلولاً جذرية شاملة تنطلق مما يلي:

- تطوير وتوسيع البنية التحتية للمؤسسات التعليمية والتربوية بشكل شامل على مستوى البلاد ككل وتجهيزها بأحدث التجهيزات والمختبرات العلمية.

- إعادة النظر في المناهج التعليمية الحالية، التي تكرس ثقافة الحفظ والتكرار والدراسة فقط لغاية النجاح والحصول على «الشهادة/الوثيقة الورقية»، كخطوة أولى باتجاه وضع مناهج تعليمية جديدة تواكب الانجازات العلمية والمعرفية على كل المستويات عبر لجان موسعة مختصة بذلك.

- إعادة النظر بشكل جذري بطريقة إجراء الامتحانات المتبعة بشكل يحد من ظاهرة وإمكانية الغش والتحايل بما يحقق تقييم شامل لمستوى الطلبة ومدى نجاح العملية التعليمية في تحقيق أهدافها وبرامجها.