ريف محافظة الحسكة.. عقود من «التهميش الحكومي» وسنوات من «التهجير القسري»

ريف محافظة الحسكة.. عقود من «التهميش الحكومي» وسنوات من «التهجير القسري»

توجت عقود طويلة من التهميش الحكومي لريف محافظة الحسكة الواسع والغني، بسنوات الأزمة السورية الثلاث التي قضت عليه بشكل تام، والفلاح البائس الذي دفع نتائج سياسة اقتصادية حكومية أثبتت فشلها، يدفع اليوم ثمن حرب لا رابح فيها، ويجبر على مغادرة قريته دون أمل بالعودة.

ويمتد ريف الحسكة على مساحة واسعة تشكل غالبية مساحة المحافظة، وهو الخزان السوري الرئيسي لمحاصيل القمح والشعير والقطن، إضافة لامتلاكه حصة كبيرة من إنتاج النفط السوري، كما أن معابر سورية الدولية مع العراق وتركيا تقع ضمنه، لكنه بقي خارج قصة التطور والنمو التي تعلنها الحكومات المتعاقبة في البلاد.

تفريغ الريف من فلاحيه!

في نهاية ثلاث سنوات من عمر الأزمة السورية يمكن ملاحظة هجرة نهائية للفلاح نحو المدن القريبة والاستيطان فيها بظروف لا تقل عن بؤس حياته في الريف، أما من استطاع البقاء فمهنته السلاح أو تجارة وصناعة النفط البدائية.
ورغم أن المحافظة بشكل عام تصنف كمنطقة آمنة تحت سيطرة الدولة، فإن كل الصراعات المسلحة التي وقعت في المحافظة كان مسرحها الريف، ويتسبب سقوط قتيل واحد على يد أحد طرفي النزاع لتعرض «عشيرة» كاملة تصنف مع أحد الطرفين للانتقام، حيث يسود الانتماء للعشيرة منذ عقود دون تسجيل أي جهود حكومية تذكر لتجاوزه كسلوك بدائي.
وأجبر ابن الريف على الدخول في ثنائية «موالي – معارض» دون أن يتمكن أي من طرفي النزاع من حمايته في ريف واسع، ما دفع قسم كبير من أبناء الريف للهجرة نحو المدن المدججة بالسلاح والحواجز. دون أي أمل بالعودة لقريته التي أصبح مطلوباً فيها للثأر «العشائري» الذي لا ينتمي لطبيعة الصراع السوري القائم. فيما اختار الفلاح المحسوب على الطرف الآخر مغادرة قريته نحو مناطق يسيطر عليها الطرف المحسوب عليه.

الهجرة الثانية..

ساهمت سياسة الحكومات السورية بعد العام 2000 والتي توجت بما يعرف باقتصاد السوق الاجتماعي، في هجرة واسعة لأبناء ريف المحافظة، وأفرغت مئات القرى من سكانها الذين هربوا من سنوات جفاف لم تقابل ببرنامج دعم حكومي، إلى ريف دمشق ودرعا، حيث تحولوا هناك لعمال يطلق على تجمعاتهم السكنية تسميات دونية تشكل صدمة لفلاح الجزيرة الذي حفظت أرضه الزراعية كرامته لسنوات طويلة.
لكن الصراع المسلح الذي اشتعل في ريف دمشق أجبر أبناء ريف الحسكة على العودة لقراهم وزراعاتهم، قبل أن يجدوا أنفسهم في ثنائية وهمية تقسمهم لقسمين وتجبرهم على الهجرة الثانية والتي قد تكون الأخيرة.

الجنوب المنسي

تحتل منطقة جنوب نهر «الرد» مساحة واسعة تعتمد على زراعة القمح والشعير في أراضي متوسطة الخصوبة وقليلة الإنتاج، وهي منطقة مهمشة تفتقد للدعم الحكومي، وبقيت على حالها طوال عقود من الزمن، وهاجر قسم كبير من سكانها نحو ريف دمشق للعمل هناك قبل أن يعودوا تحت وطأة الأزمة.
ولم يغر واقعها المأساوي أي من طرفي النزاع في الدفاع عنها، لكن سكانها الذين استفادوا من عدم إشراكهم في ثنائية «موالي – معارض»، اتجهوا نحو تجارة وصناعة النفط البدائية لمواجهة جوع لا تسده الأرض قليلة الإنتاج من دون دعم حكومي في البذار والسماد والمتطلبات الضرورية للزراعة.

صورة «الفلاح الأخيرة»

تعيش كثير من الأسر الريفية اليوم في مدينتي الحسكة والقامشلي كلاجئين في المدارس، أو في بيوت مستأجرة بأطراف المدن في أحسن الأحوال، يتابعون أوقات وأماكن توزيع المعونات التي أصبحت موردهم الوحيد، بينما خلت القرى من سكانها الفلاحين، إلا من اختار السلاح أو النفط.