دير الزور.. الفلاحون و«موسم القمح» في خطر!
شهدت مواسم القمح في السنوات الأخيرة، تراجعاً كبيراً في الزراعة والإنتاج عموماً، وفي دير الزور والجزيرة خصوصاً، وباتت تهدد الأمن الغذائي الوطني بعد أن كانت سورية من الدول التي تحقق اكتفاءً ذاتياً، ومن الدول المصدرة للقمح عالمياً، فأصبحت مستوردة له وللطحين..!
والسبب في ذلك السياسات الليبرالية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، وخصوصاً في السنوات العشر الأخيرة التي حَرّرت التجارة والأسعار، وأهمها رفع أسعار المحروقات وارتفاع مستلزمات الإنتاج الزراعي من بذارٍ وسمادٍ وأدوية المكافحة وانتشار الأمراض، والخطط الوهمية وسوء تنفيذها. إضافة إلى الظروف البيئية من جفافٍ وتصحر الذي أدى إلى خروج مساحاتٍ شاسعة من الأراضي الزراعية عن الاستثمار، وكذلك اتساع النهب والفساد، والشيء الذي يثير التساؤل وما زال، أنّه لم يحاسب أحد على ذلك للآن!؟
موسم القمح والأزمة
إضافة إلى الأسباب السابقة، والتي تضاعفت كثيراً خلال الأزمة. لعبت عوامل أخرى عديدة في انخفاض الإنتاج انخفاضاً كبيراً، لأنّ الحراك الشعبي انطلق من الأرياف والمدن الريفية الزراعية. ومنها خروج أراضٍ شاسعةً جداً من الاستثمار، نتيجة توقف كثير من مشاريع الري والزراعة العامة والخاصة، بسبب التخريب المتعمد بالقصف والتفجير، أو بسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر لفتراتٍ طويلة، أو بسبب تهجير الكثير من الفلاحين وأسرهم في مناطق التوتر، وغياب دور الدولة الكامل وسيطرة المسلحين بمكوناتهم المختلفة، وظروف التسويق وارتفاع أجوره مع بقية التكاليف الأخرى، وتلاعب تجار الحرب والمسلحين بأسعاره مما أدّى إلى إحجام غالبية الفلاحين والمزارعين عن الزراعة، ومن غامر منهم وزرع، فلأنه لا يستطيع أن يعيش ويبقى حياً على الأقل إلاّ بالزراعة، رغم علمه بخسارته المسبقة، ومعاناته للأمرين.
الأراضي المزروعة لا تتجاوز 25%
رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة أو حتى تقريبية، لكنّ المعلومات الواردة من الفلاحين الذين ما زالوا متمسكين بأرضهم وعملهم الزراعي، تؤكد أن الأراضي المزروعة في أحسن الأحوال لا تتجاوز 25% من أراضيهم، وغالبيتهم اكتفوا بزراعة ما يكفيهم كمؤونة لأسرهم، ورافق الأسباب السابقة في تراجع زراعته عوامل أخرى لتصبح المعاناة مركبة، وأهمها:
- التلوث البيئي الكبير الذي نشأ عن استخدام حراقات النفط البدائية في الريف، والشرقي منه خصوصاً حيث وجود الآبار النفطية.
- قلة أو نُدرة البذار المعقمة ونوعيتها، وكذلك الأسمدة وأدوية المكافحة.
- انتشار مرضي السونة والتفحم، وقلة الرّي رغم أن نسبة هطول الأمطار هذا العام أكثر من السابق نسبياً..
الواقع ينذر بكارثة إنسانية
وما يتهدد الفلاحين وموسم القمح هذا العام مع اقتراب موسم الحصاد، هو قلة الحصادات والدّرّاسات، مما سيضطر الفلاحين للحصاد اليدوي، وهذا يتطلب أيدي عاملة وهي غير متوفرة، والخوف الأكبر هو من احتراق الحقول والبيادر نتيجة تصاعد التوتر والعنف والقتال الأخير، بين المجموعات التكفيرية المسلحة، والذي يتزامن مع موسم الحصاد. حيث هددت هذه المجموعات بعضها وكل من يتعاون مع إحداها أو يتواجد في منطقة الاشتباكات، مما دفع مئات الآلاف من أسر الريف الشرقي إلى ترك منازلهم وحقولهم والنجاة من الموت وخاصةً النساء والأطفال، وبعض الرجال والشباب الأبرياء ذهبوا ضحية هذا الصراع بالعشرات.
لا شكّ أنّ هذا الواقع المأساوي يبيّن حجم معاناة الفلاحين وانعكاسه على حياتهم وعلى قمح هذا العام، الذي يمكن القول إنه سيتدنى إلى النصف أو ربع النسبة التي قدرها الفلاحون وهي 25% وهذا يهدد بكارثة إنسانية.