دمشق.. تلوث بصري واستيلاء على «الحدائق العامة»
بعد أن تأزمت أوضاع الريف الدمشقي أمنياً، والذي كان المقصد الأول لسكان دمشق فصل الصيف لقضاء «السيارين»، التي تعتبر من العادات المتأصلة لدى الدمشقيين وتشكل متنفساً جزئياً لهم في ظل ظروف الازمة، أصبح المقصد الأول لهم ولأطفالهم الحدائق العامة القريبة من منازلهم، أو تلك التي تتوسط الساحات العامة، والتي تحولت مؤخراً إلى «حدائق مأجورة» استغلها البعض لتحقيق الأرباح «من جيب الدولة والمواطن» دون تكاليف، بحسب بعض سكان دمشق.
«أضحى الدخول إلى الحدائق العامة، وكأنه زيارة لأحد الممتلكات الخاصة، أو أحد المطاعم المملوكة لأحد التجار»، وبحسب العديد من سكان دمشق، فقد تحولت الحدائق العامة إلى ما يشبه «القهاوي»، لكن دون رقابة أو متابعة، وبشكل «خارج عن القانون تماماً»، ومشوّه للمشهد البصري للمدينة.
تجار الأزمة والحدائق المأجورة
يقول «أمجد»، وهو طالب جامعي، إنه «في ظل الحرب الدائرة في البلاد وخطورة أماكن (السيارين) المعتادة كالغوطة في ريف دمشق وطريق المطار، لم يعد أمام المواطن في دمشق، سوى الحدائق التي من المفترض أن تكون عامة ومرافقها مجانية».
وتابع حديثه قائلاً «قام بعض تجار الأزمة باستغلال الأوضاع الأمنية والتسيّب الحاصل، للسيطرة على الممتلكات العامة وخاصة هذه الحدائق، حيث قاموا بافتراش العشب بالطاولات والكراسي، ووضعوا بسطات الأراكيل والشاي والقهوة، وبدأوا بتأجير هذه الحدائق لتحقيق الأرباح بطريقة مخالفة للقوانين وعلى مرأى الجميع ودون ضوابط».
سرقة الكهرباء علناً!
ومن جهته، قال «شادي»، وهو أب لـ3 أطفال وموظف حكومي، إن «هذه القهاوي خارجة عن القانون بكل معنى الكلمة، واعتمادها بالأساس على أرض مملوكة للدولة ومخصصة للمواطنين مجاناً، وعدا عن ذلك، قاموا بسرقة الكهرباء من عواميد الإنارة العامة دون الاكتراث بالوضع الصعب الذي تعاني منه شبكة الكهرباء».
وأردف إنه «بينما يعاني السوريون من التقنين العشوائي والمتكرر للتيار الكهربائي، وبينما لا تمل وزارة الكهرباء من تحذير المواطنين من الاستجرار غير المشروع للتيار الكهربائي، يقوم هؤلاء بسرقة التيار الكهربائي من عواميد الإنارة وأمام الملأ دون أي رادع، ويحملونها فوق طاقتها من سخانات ومعدات صوت وإنارة، وقاموا بالاستفادة منها مجاناً لتحقيق أرباحهم في القهاوي».
وتابع «حالياً، أنا غير قادر على اصطحاب أطفالي للحديقة وهي بهذا الشكل، فلم يعد هناك مكان للعب فيها لاكتظاظ زبائن القهاوي، وأنا مضطر حالياً للبحث عن حدائق أخرى بعيدة عن منزلي».
حتى «دورات المياه» مأجورة
وأكد أحد المشتكين لـ «قاسيون» ويدعى «محمد»، ولديه مكتب عقاري بالقرب من إحدى الحدائق العامة، أنه «يضطر بعض الأحيان لاستخدام حمامات الحديقة لقربها، إلا أن المستغلين جعلوا منها مشروعاً استثمارياً لهم، ووضعوا تسعيرة خاصة بهم، دون أي رقابة أو حسيب» رغم أنهم يخالفون شروط العقود الموقعة مع الجهات المعنية.
وتابع إن «الحدائق العامة اليوم تفتقد موظفيها الذي كانوا يتواجدون فيها كالحارس المناوب على سبيل المثال، وتفتقد أيضاً للرعاية والعناية وإعادة التأهيل، بعد سيطرة المستغلين عليها، فقد تجد على سبيل المثال عبارة (ممنوع الجلوس على العشب) وإلى جانبها طاولة وكراسي وأشخاص يحتسون الشاي والقهوة والأركيلة ويرمون مخلفاتهم على العشب».
تحرشات وتشوّه بصري
الشكاوى ابتعدت إلى أكثر من ذلك، حيث اشتكت إحدى الطالبات الجامعيات وتدعى «إناس»، من أن «هذه القهاوي بدأت تستقطب شريحة غير منضبطة من الشباب الطائش، وقد تعرضت عدة مرات للتحرش والكلام المسيء عند مروري بجانب إحداها، وخاصة الحديقة الموجودة في شارع الثورة، والتي تعطي صورة سيئة عن قلب العاصمة دمشق، بدءاً من المنظر المزري، وانتهاءً بالمعاكسات والتصرفات اللاأخلاقية».
ويزيد من التشوّه البصري للحدائق العامة، ارتماء المتسولين والمشردين على أراضيها، بين طاولات القهاوي المخالفة، وذلك بعد إخلاء بعضها من خيم النازحين سابقاً، دون أي اكتراث وتحرك حقيقي من الجهات المعنية بحل مشكلة المشردين والنازحين بتأمين مكان آمن ومجهّز للإقامة فيه مع عائلاتهم، رغم التصريحات الرسمية الكثيرة في هذا الصدد.
حبر على ورق
وتعتبر معظم مظاهر الاشغالات من أراكيل وأشباه «القهاوي» في الحدائق العامة، غير قانونية، وكانت محافظة دمشق قد اتخذت قراراً بمكافحة هذه الظواهر في إحدى دورات اجتماعات مجلسها منذ عامين، لكن ذلك لم يتم، وبدأت الأمور تتفاقم أكثر وبشكل علني أمام الجميع، ومثال على ذلك الحدائق القريبة من محافظة دمشق من الناحية الجغرافية كحديقة «الارماني» في شارع الثورة بدمشق.
بين الاستيلاء والاستثمار
ويوجد في دمشق، دورات مياه داخل حدائق مستثمرة فعلاً بطريقة قانونية على حد تعبير محافظة دمشق في إحدى التصريحات السابقة، وذلك يتم عبر مناقصات لها شروط واضحة، وأي إخلال بهذه الشروط يتم بموجبه إلغاء العقد فوراً، ورغم ذلك لم تسجل حالات فسخ العقود رغم المخالفات الصريحة.
ويوجد في مدينة دمشق 774 حديقة صغيرة مغلقة و175 حديقة كبيرة، وقامت محافظة دمشق منذ أعوام بتحسين الصورة البصرية لدمشق من خلال هذه الحدائق على حد وصفها، حيث قامت بإزالة سياجها، وصيانة مرافقها.
ناس .. وناس
لا شك أن بعض من يستثمرهذه المرافق بشكل غير قانوني هم من بعض أصحاب النفوذ مستفيدين من علاقاتهم بالبعض في أجهزة الدولة، وأضحت هناك «قهاوي» مخالفة معروفة جداً للجميع، وهي موجودة في مكانها منذ أكثر من عام،دون أي تحرك ملحوظ من محافظة دمشق. وفي ظل تفاقم الحاجة وانعدام فرص العمل لجأ بعض المواطنين العاديين إلى الإنخراط في مثل هذا العمل في محاولة لسد جزء من العجز الذي يعانون منه في ظل الأزمة، وحسب شهادة أحد من هؤلاء فان من يجري متابعته أحياناً هم دائماً من الفئة الثانية التي دفعتها الظروف القاهرة إلى مثل هذا العمل.
المحافظة وصعوبة المكافحة!
وأكدت المحافظة سابقاً، بأن إزالة هذه المخالفات فيه شيء من «الصعوبة» كونها ستعود إلى الواجهة بعد أيام تماماً كموضوع البسطات، معللة سبب عودة الظاهرة مرة أخرى، بعدم قدرة شرطة المحافظة إلقاء القبض على صاحب هذه الاشغالات لأنه «يهرب عند شعوره بقدوم الشرطة»، فتتم مصادرة الأراكيل والطاولات ويهرب المستغِل.