مياه «مجهولة المصدر» والجهات الرسمية «تغض الطرف» عن صهاريج «ممنوعة» ريف دمشق يعاني شح المياه
(فوق الموتة عصة قبر)، بهذه العبارة اشتكى العديد من سكان ريف دمشق لصحيفة (قاسيون) انقطاع المياه غير الصالحة للشرب اصلاُ» عن منازلهم ماشكل لهم معاناة إضافية لتأمين مياه الشرب ومياه الاستخدامات الاخرى، ورتب عليهم نفقات إضافية، وفتح الباب أمام المستغلين للمتاجرة بالمياه وبأسعار مضاعفة.
مؤخر عانت كل من جرمانا وصحنايا وجديدة الفضل وعدة مدن ريفية أخرى، من انقطاع المياه التي توفرها المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي عن منازلهم، حيث طال الانقطاع في بعض المناطق إلى أكثر من عشرة أيام متواصلة، و(المأساة الحقيقة)بحسب المشتكين هي (انقطاع المياه المترافق مع انقطاع التيار الكهربائي).
تجار مياه .. ومضخات لاتعمل
ونوه مشتكون إلى أنه غالباً ما يصادف عودة المياه في ساعات معينة من النهار، موعد انقطاع التيار الكهربائي، مايعيق عملية توصيلها إلى الخزانات عبر المضخات التي تعتمد عليها منازل الريف، وبالتالي لا تتم الاستفادة من ساعات عودة المياه نهائياً، وقد يعيق انقطاع التيار الكهربائي أيضاً عمل مضخات مؤسسة المياه بالطاقة المطلوبة.
في بعض أحياء صحنايا، عاد مظهر الطوابير إلى الواجهة لكن هذه المرة للحصول على مياه الشرب من الصهاريج الجوالة ومجهولة المصدر، والتي بات أصحابها يستغلون انقطاع المياه وشحها بالإضافة إلى حاجة المواطنين الماسة للحصول عليها خاصة فصل الصيف، وقاموا برفع الأسعار لأضعاف مضاعفة.
وبحسب الشكاوى، فقد وصل سعر البرميل الواحد ببعض المناطق التي تشهد انقطاعاً متواصلاً للمياه إلى 300 ليرة سورية، وفي مناطق أخرى وصل سعر الصهريج سعة 20 برميل إلى حوالي 2400 ليرة سورية، وقد أكد المشتكون أن (أصحاب صهاريج المياه يستغلون حاجة المواطنين ولا يدخلون حمولتهم إلى جميع مناطق صحنايا أو جرمانا إلا بعد زيادة سعر اللتر).
وتضم مدينة جرمانا وصحنايا حالياً أعداداً كبيرة من العائلات السورية النازحة والمهجرة من منازلها، مايزيد من معاناة هذه الأسر التي تفتقر أساساً لمتطلبات حياة أساسية قد فقدتها في ظل الظروف الأمنية الأخيرة.
المناخ أم الكهرباء؟
محافظة دمشق كان وضعها أفضل من الريف ومن محافظات أخرى مثل (حلب)، إلا أن ذلك لم يمنع وجود مشاكل في بعض المناطق، حيث اشتكى سكان منطقة العباسيين ومساكن برزة، من انقطاع مياه الشرب (تقنين) وعدم عودتها سوى في فترة وصفوها بـ(المقتولة) وهي من الخامسة فجرا وحتى العاشرة صباحاً فقط.
وعزت الحكومة مؤخراً وعلى لسان وزير الموارد المائية بسام حنا مشكلة المياه إلى (الظروف المناخية التي مرت على البلاد، وانحسار الأمطار وعدم وصولها إلى معدلاتها الطبيعية)، إلا أن المواطنين أكدوا بان تجار المياه قادرون على تأمينها بشكل يومي، وأن أغلب مناطق دمشق تنعم بالمياه الوفيرة دون انقطاع.
وفي تصريح يخالف ما تحدث فيه حنا، أكد مدير عام المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بدمشق حسام حريدين في تصريحات إذاعية له على توفر المياه الكافية وقال إن (انقطاع التيار الكهربائي يؤثر على ضخ المياه) مؤكداُ أن (المياه متوفرة لكن هناك صعوبات في تأمينها لبعض المناطق في ريف دمشق بسبب الأوضاع الأمنية).
وهذا التناقض في التصريحات حول سبب انقطاع المياه، يعيق تحديد الجهة المسؤولة عن شحها في ريف دمشق إن كانت وزارة الكهرباء التي زادت ساعات التقنين مؤخراً، ام المؤسسة العامة للمياه ذاتها التي بدأت بقطع المياه عمداً نتيجة شحها بسبب قلة الأمطار.
مياه مجهولة والحكومة (تغض الطرف)
يعتمد سكان ريف دمشق على شراء مياه الشرب من الباعة الجوالين، كون أغلب المناطق هناك لا يصلها عبر مؤسسة المياه سوى مياه الآبار التي أجمع السكان على أنها غير صالحة للشرب، إلا أن حريدن أكد بأن بيع المياه في الريف أو غيره ممنوع وغير مرخص لكن الأزمة الحالية فرضت (غض الطرف عن هؤلاء البائعين)، طالباً في الوقت ذاته من المواطنين (عدم شراء المياه من الصهاريج المتنقلة إلا للضرورة القصوى كونها غير معروفة المصدر).
ووصف حريدن موضوع صهاريج المياه بـ(الشائك)، قائلاً: (نحن لا نعلم أين تتم تعبئتها، وحتى إن كانت صالحة للشرب، فإننا ننصح المواطنين بعدم شراء المياه منها إلا في الحالات الاضطرارية).
صحنايا تعرضت للتلوث ومضخة جرمانا لا تكفي
واعترف حريدن بتعرض مياه منطقة صحنايا (للتلوث) الناجم على حد تعبيره من “هطولات الأمطار الأخيرة بالإضافة إلى خلل تقني استغرق حله 24 ساعة فقط”، بينما أكد أهالي هذه المنطقة لقاسيون بأن مشكلة انقطاع المياه مازالت مجودة حتى اليوم منذ أكثر من 15 يوماً.
وحول انقطاع المياه في مدينة جرمانا حوالي الأسبوع، قال حريدن إنه (تم الاتفاق مؤخراً على وصول المياه أربع ساعات متواصلة وحالياً هناك مولدة كهربائية لضخ المياه عند انقطاع التيار الكهربائي، إلا أنها غير قادرة على الضخ من 4 آبار بشكل كامل).
وأكد مصدر في مؤسسة المياه والصرف الصحي لقاسيون أن (هناك دراسة تعمل عليها المؤسسة لتقوم هي ببيع المياه في ريف دمشق عبر صهاريج تابعة لها بسعر محدد، ليتم حصر البيع عن طريقها فقط بدلاً الصهاريج الجوالة حالياً).
وهذه ليست المرة الأولى التي يعاني منها الريف الدمشقي وبعض مناطق دمشق من انقطاع المياه، فقد شهد بداية العام الحالي انقطاعاً للمياه عللته الحكومة بانقطاع التيار الكهربائي مدة أسبوعين، حيث تعمل مضخات المياه بواسطة الكهرباء وبواسطة المازوت عند انقطاع التيار، وقد تزامن انقطاع الكهرباء مع نقص حاد في مادة المازوت حينها، ما أدى لحدوث خلل كبير في تأمين المياه.
وبدأت مياه الشرب منذ أيام للعودة إلى محافظة حلب بعد انقطاع دام حوالي 10 أيام متتالية ما زاد معاناة الأهالي هناك، وقد بثت تقارير مصورة تظهر أهالي حلب وهم يصطفون بالطوابير لتعبئة مياه الشرب من صنابير مياه عامة موصولة على آبار جوفية، إضافة لصور أطفال يقومون بنقل المياه إلى منازلهم على عربات حديدية وخشبية. وآخرين يلحقون الصهاريج التي وصفتها مؤسسة المياه بانها (غير صالحة للشرب) ومنهم من لجأ لمياه نهر قويق مباشرة.