مشروع تعديل قانون الإدارة المحلية..تسرع..وغياب للمشروع..وحاجة ماسة إلى حزمة من التشريعات
من المعروف أن من يحسن تدبير وإدارة شؤونه الداخلية، ويحسن استثمار ثروات بلده وطاقاتها وإمكاناتها في المكان الصحيح، ويحسن شرعنة قوانينها بما يخدم التنمية والعدالة الاجتماعية، يتفوق على مستوى العالم، ويكون دوره الإقليمي والعالمي أكبر من حجمه جغرافياً، مستنداً بذلك إلى قاعدتين أساسيتين ومتينتين هما: الإمكانات التي أصبح يملكها من عملية التنمية، والقاعدة الشعبية التي كرستها عملية العدالة الاجتماعية. ولتكريس ذلك شعبياً واجتماعياً يجب أن يكون مجلس المحافظة هو مجلس نواب لهذه المحافظة.
لو عدنا إلى القوانين والمراسيم السابقة والمعمول بموجبها حتى إقرار المرسوم الجديد، وهما القانون رقم 215 لعام 1956، والقانون 496 لعام 1957 وتعديلاته، والمرسوم التشريعي رقم 15 لعام 1971 وتعديلاته، والمرسوم 2297 لعام 1971 وتعديلاته، وبالرغم من اعتمادنا على تجربة دول صديقة أو مجاورة آنذاك، لوجدنا أن هناك مشرعاً، وغاب التسرع، ويمكن القول إن هذه القوانين أدت مهامها لمرحلة سابقة بايجابياتها وسلبياتها وكان من المفترض تعديلها حسب التطورات والمراحل التي مرت بها سورية. وتضمنت هذه القوانين الكثير مما ذكر في القانون الجديد، وتضمنت بنوداً كانت ايجابية وكان بالإمكان أن تلعب دوراً جيداً وايجابياً حتى الآن، لكن مع الأسف الشديد كانت غائبة وغير مفعّلة (مثال: المكاتب الاقتصادية والاجتماعية والرقابة الشعبية).. إذاً العبرة ليست في النص فقط بل في آلية تنفيذه.
ويمكن تلخيص معاناة المجلس السابق ضمن القوانين السابقة بـ:
1 – سطوة الرقابة والتفتيش عليه.
2- سطوة المكتب التنفيذي على مجلس المدينة.
3- اللجنة الإقليمية والتي كانت صلاحياتها النظر بالاعتراضات وإعطاء رأيها فيها، لكن صلاحياتها الفعلية كانت التدخل بكل شيء وكان رأيها بعيدا عن رأي مجلس المدينة، وكانت الكثير من حالات الحقوق المغتصبة للمواطن والتي تدخل في دائرة فساد الوحدات الإدارية توضع بظهر اللجنة الإقليمية واجتماعاتها.
وكان سؤال المواطن دائماً، من يعين رئيس البلدية ومن يقيله؟ (وخاصة البلديات على مستوى البلدات)، من يعين أعضاء مجلس البلدية، من هم وما دورهم وأين هم؟ ولماذا في لحظة معينة يعفى رئيس بلدية من مهامه ويكلف رئيس بلدية أخرى بتسيير مهام البلدية إلى حين تعيين رئيس لتلك البلدية؟ ودامت الكثير من المشاكل المختلف عليها عقارية أو خدماتية بين المواطنين لها طابع اجتماعي وبحاجة لشخصية ذات خبرة لحلها، فما الحكمة من تعيين رئيس بلدية شابا في مقتبل العمر ولا يملك خبرة ولم يعمل سابقا في أي وحدة أدارية؟ ألم تكن هذه شرعنةً للفساد الذي كان قائماً ومازال بين معظم المحافظين وتوابعهم واللجان مع هذه البلديات؟.
الجديد في القانون
لقد عمل القانون الجديد على اتساع الدائرة السكانية والجغرافية للوحدات الإدارية، وقسم الإحياء والمدن إلى تجمعات كبيرة، وأصبحت مجالس الوحدات الإدارية منتخبة من المواطنين ولها مكاتب تنفيذية منتخبة معظمها وذات خبرة ومفرغة، وأعطى لتلك الوحدات دوراً تنموياً إضافة لدورها الخدمي، وحسب ما ذكر لن يكون هناك قرية أو مزرعة على مستوى القطر إلا وستمثل بالبلدية.
وأعطى القانون حصانة لعضو المجلس في المواد 95 – 96 – 97 – ويعتبر هذا تطوراً جديداً وحافزاً لعضو المجلس ليقدم ما لديه دون الخوف من الدعاوى والملاحقات، وأعاد القانون حقوق المتفرغين التابعين للنقابات كالمهندسين والمحامين، وأصبحت تطبق عليهم الأنظمة النافذة في نقاباتهم.
وفي المادة 109 نص على الرقابة الرسمية، وفي المادة 126 نص على الرقابة الشعبية التي كانت غائبة ومغيبة سابقا، وفعلها من خلال اللقاءات الشعبية ـ المنظمات الشعبية ـ التحقيق في كل مقالة تكتبها الصحافة عن عمل هذه الوحدات ـ وكل مواطن لديه الحق في تقديم شكوى أو نقد أو تظلم للسلطات المختصة ولا يجوز للمشتكي عليه المشاركة أو البت بهذه الشكوى. وفي المادة 164 أجاز إنشاء بنك خاص لتمويل مشاريع الوحدات الإدارية بقروض منه.
وفي المادة 2 حدد أهداف القانون: - خلق وحدات إدارية كفوءة وقادرة على التخطيط - تعزيز اللامركزية ـ تركيز المسؤولية في أيدي فئات الشعب ـ تعديل الهيكلية والبنية المؤسساتية للوحدات ـ تعزيز الإيرادات المالية والانتقال من الدور الخدمي فقط إلى الدور التنموي ـ تحسين المستوى المعيشي للمواطنين ـ جعل هذه الوحدات مسؤولة مباشرة عن الخدمات والاقتصاد والثقافة وجميع الشؤون التي تهم المواطنين ـ اقتصار السلطات المركزية على التخطيط والتشريع والتنظيم - النهوض بالمجتمع في إطاره المحلي من ذوي الكفاءات.
الديمقراطية الغائبة
إن صدور هذا القانون للنقاش العام دون حزمة القوانين الأخرى (قانون الانتخابات، قانون الأحزاب، قانون المطبوعات والإعلام...) جعل عملية النقاش منتقصة وخاضعة للتأويل، وسيكون هناك تقاطع في المهام والصلاحيات في كثير من الفقرات إن لم يثبت بطلان بعضها، مع العلم أن مفردات هذا القانون لا تنسجم مع أهدافه، وكان بالأحرى تسميته قانون إدارة مركزية وليس محلية، ولا يرتقي إلى مستوى هذا البلد.
في الفقرة 14 من المادة 34 (لمجالس المحافظة حق إقامة المستشفيات وإلغاء تراخيصها..) والسؤال هنا: هل من المعقول والمنطقي أن تلغي محاكم أمن الدولة وتعطيه للمحاكم المدنية وتعطي المتهم حق الدفاع عن نفسه، وبالوقت نفسه تعطي حق إغلاق مشفى نتيجة مخالفة لمجلس محلي؟ أين دور وصلاحيات القضاء والصحة والنقابة والهيئات المشرفة الأخرى؟.
في المادة 18 الفقرة 3 (يتم انتخاب نصف العدد المحدد من أعضاء المكتب التنفيذي.. ويعين النصف الآخر بقرار من المحافظ.. ومن رئيس المجلس المحلي في الوحدات الإدارية). في القانون السابق والمعمول به حتى الآن، ينتخب الثلثان ويعين الثلث الآخر، أما الآن فقد أعطى القانون الجديد لنصف المكتب التنفيذي المعين مع المحافظ أحقية مصادرة القرارات. إذاً، أين الديمقراطية والانتخابات والمشاركة الأوسع في اتخاذ القرار؟ والمقترح أن يكون الجميع منتخباً، ومن الأفضل أن يكون المحافظ منتخباً من المجلس، ومجلس المحافظة هو الذي ينتخب المكتب التنفيذي، وأن يحدد التوصيف الوظيفي على الأماكن بالكفاءات.
في المادة 74 (يختار المكتب التنفيذي أعضاء لجنة الحي.. وفي المادة 77 يسمي المكتب التنفيذي مختارا من أعضاء اللجنة). إن انتخاب لجان الأحياء والمخاتير وأعضاء الهيئة الاختيارية في الأحياء والقرى تعتبر البوابة العريضة للديمقراطية، ولحل المشاكل الاجتماعية وغيرها قبل تفاقمها وتعقيدها وتعتبر أرضية لتنفيذ القوانين.
مهام أكبر من دوره
في المادة 57 يتولى مجلس المدينة والبلدية في نطاق السياسة العامة للدولة شؤون الإدارة المحلية ضمن حدود المدينة والبلدية وخاصة (التخطيط، الصناعة، الزراعة، الاقتصاد والتجارة، التربية، الثقافة، الآثار، السياحة، النقل، الري، مياه الشرب والصرف الصحي، الكهرباء، الصحة، الشؤون الاجتماعية والعمل، إدارة الكوارث، المشاريع المشتركة بين المحافظات..) دخل القانون في تفاصيل وإسهب خارج إطار صلاحية مجلس المدينة، وتداخلت مهامه ففي البعض الإشراف وفي البعض الأخر أن يحل محل المديريات المختصة، وبالتالي سيدخل في ازدواجية الصلاحيات مع هذه المؤسسات المختصة، واختصر في ما يتعلق بمهام المجلس كضابطة البناء والمخالفات وهذه من أهم نواقصه.
ولم يحدد القانون حدود الصلاحيات بين المحافظين وفروع الحزب، وفي كل المراحل عشنا هذه الازدواجية، وستتكرر هذه بين المجالس المحلية والمكتب التنفيذي، من الذي يحكم ومن الذي يتخذ القرار؟.
أسئلة واقتراحات
هذا القانون أصبح قانون موظفين نتيجة العدد الهائل من المفرغين، من أين ستغطى رواتبهم وكلفة إقامة أماكن ومكاتب لهم؟ وخاصة أن الإيرادات المقترحة بالقانون لا تغطي النفقات المقترحة.
إن أهم نقطة على القانون أخذها بعين الاعتبار هو كيفية ردم الفجوة بين المواطن والدولة، وأن أي قرار يأخذه مجلس المحافظة بالأكثرية الضمان بعدم عرقلته من قبل المكتب التنفيذي إذا كان هذا القرار لا يتعارض مع التوجهات العامة للدولة، والتركيز على فصل السلطات وكيفية انتقاء الكوادر التي ستغطي هذا الحجم من المهام، ويجب التركيز على انتخاب وتفعيل دور لجان الأحياء والمخاتير لأن هذه تلامس هموم المواطن مباشرة، وتخفف من أعباء المجلس، والأهم هو عملية انتقاء كفاءات وكوادر من ذوي العقل الراجح.