أجانب الحسكة وأمانات السجل المدني 50 مواطناً دفعوا 50 ألف ليرة «ولا عين رأت»!
كانت مفاجأة كبيرة لشريحة هامة من المجتمع السوري، وهي شريحة المواطنين الأكراد أو من اشتهروا بتسمية أجانب الحسكة الذين أصابهم اليأس من الوعود والكلام الكثير الذي قيل بخصوص إعادة الجنسية إليهم، فأكثر المتفائلين لم يكن ليتوقع أن تعاد له كرامته ومواطنيته التي افتقدها لأكثر من خمسة عقود...
في السابع من نيسان الماضي صدر مرسوم رئاسي بـ«منحهم» الجنسية العربية السورية، في سياق تعميق الوحدة الوطنية التي يفترض أن جميع السوريين مواطنون لهم الحقوق ذاتها وعليهم الواجبات عينها.. وألحق المرسوم بجملة «وزير الداخلية يصدر التعليمات التنفيذية للمرسوم» وطالت المدة إلى أن شعر بها «أجانب الحسكة» وكأنها دهر، واعتقد الكثير أن هناك من «يلفلف» الموضوع تزامناً مع المستجدات الطارئة التي يعيشها الشارع السوري مؤخراً.
لقد «لُعِبَ» بعقول الغلابة كثيراً، فالعديد منهم يسكنون في العاصمة والمدن الكبرى، إضافة إلى أنهم كانوا دائمي الاتصال مع الأهل والمحامين في الجزيرة لمعرفة آخر الأخبار، وأكلوا المقلب الذي روج له بعض الموظفين الحكوميين الفاسدين ممن لم يرأفوا بحال هذا المواطن «الأجنبي»، فدفعوه إلى الطيران على جناح السرعة للحاق بإجراءات التجنيس التي كانت سائرةً حسب الترويج على قدم وساق..
وصار بعض ضعاف النفوس من الموظفين يبتز الناس، فيملأ استمارات «وهمية» على أساس أنها أوراق ومصنفات رسمية، ويحصل من الناس مئات الليرات، وبعد يومين يخاطبهم الموظف ذاته بأن قراراً جديداً صدر من وزارة الداخلية وبالتالي الأوراق السابقة صارت بحكم الملغاة.. فوقع مئات «المواطنين الجدد» في حيص بيص هؤلاء الموظفين وتاهوا بين مديريات السجل المدني في مدن ونواحي الحسكة.
وأخيراً جاء الفرج، فقد صدر قرار واضح من أمانة السجل يقضي بقصر الطلب على تقديم صورة عن إخراج القيد ودفتر العائلة (إن وجد)، وملء استمارة «موثقة» من وزارة الداخلية ضمن مصنف، وبعد أيام يستطيع طالب الهوية السورية أن يعود إلى أمانة السجل المدني جالباً معه أربع صور ليملأ استمارة جديدة، وتعطى له ورقة صغيرة يستلم بها هويته خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر.
ومنعاً للازدحام، حاولت مديريات السجل المدني بالحسكة توزيع الدور على القرى حسب الأيام، لكن هذه الطريقة لم تنجح لكثرة أعداد الأجانب، فكان القرار بتوزيع موظفي الدوائر إلى القرى منعاً للاختناقات التي كانت فظيعة ومهينة للناس، حيث كان يجتمع يومياً الآلاف أمام أمانات السجل المدني وخاصة في المالكية، وكان عدد من لهم الحق بالفوز بالجنسية يزيد على الأربعين ألفاً.
وعندما ذهب الموظفون إلى القرى شعروا بأنهم سيخرجون من «المولد بلا حمص» وهم الذين تشبعوا بالفساد والرشاوى، فتباطؤوا كثيراً في تسيير معاملات المواطنين الجدد وعن طريق بعض المستفيدين طرحوا على أهالي القرى فكرة مفادها نسيان الدور، والاجتماع بهم دون علم أو بعلم إداراتهم، ولكن هذه المرة أخذ رشوة مئة ليرة من كل استمارة بالإضافة إلى استحصال 150 ليرة بدلاً من 60 ليرة للمواطنين الذين «نسوا» الطوابع التي تباع في المكتبات، و«رش» الرشوة جعل من أحدهم يضع في جيبه الهوية دون انتظار كل هذا القلق، والتكلفة كانت ثلاثة آلاف ليرة فقط.
ويقال إن أحدهم زار في يوم عطلة العاصمة، وقبض من 50 مواطناً 50 ألف ليرة «ولا عين رأت»!.
والسؤال: إذا كان تقديم استمارة يتطلب كل هذه المصاريف ودفع الرشاوى، فكيف سيكون الوضع حين تبدأ عمليات الفرز والحصول على الهوية أو تسجيل الأولاد أو استصدار دفتر العائلة؟
ويبقى السؤال الأهم: ما وضع مكتومي القيد؟ هل سيصدر قرار «من التعليمات التنفيذية الجديدة» ليشملهم أم أن هذا الإشكال سيظل عصياً على الحل؟ وتبقى بؤرة التوتر قائمة والوحدة الوطنية في هذه الحالة لن تشهد التعزيز كما نشتهي ونريد.