ندوة الثلاثاء الاقتصادية تتصدى لـ«تعرية» الفقر نصر: لم تتحسن المؤشرات الصحية منذ العام 2001
عقدت جمعية العلوم الاقتصادية ندوتها الأسبوعية الثالثة عشرة بتاريخ 3/5/2011 تحت عنوان «التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية»، وتصدى خلالها المحاضر الأستاذ ربيع نصر لتعرية مفهوم الفقر واضعاً مفاهيم بديلة له..
وأوضح نصر أن الأدبيات التنموية ركزت لوقت قريب على الفقر كظاهرة مالية، فنقص الدخل عن الحد الأدنى اللازم للحصول على السلع والخدمات الأساسية يشكل حالة من الفقر، بينما يشكل الفقر المطلق نسبة الأفراد الذين يقل دخلهم أو استهلاكهم عن خط الفقر المادي المحدد (دولار أو دولارين كخط دولي)، أو خط فقر وطني، ويعتبر الفقر النسبي للأفراد الذين يقل دخلهم عن نسبة معينة من الدخل، إلا أن الفقر ظاهرة متعددة الأبعاد لا يمكن حصرها بالجانب المالي على أهميته، فالجانب غير المادي يتضمن الحرمان من القدرات، والفرص، ويقاس الجانب غير المادي بطريقتين الأولى طريقة تقدير الاحتياجات الأساسية، والطريقة الثانية هي طريقة قياس القدرات والحريات، والتي تبدأ من تأمين التغذية الكافية، والصحة الجيدة، والحياة المديدة، والسعادة، واحترام الذات، والمشاركة الفعالية في الحياة المجتمعة.
وأشار المحاضر إلى أن الدخل منخفض قياساً بدول الجوار، على الرغم من الإمكانيات الكبيرة، والاقتصاد غير قادر على توفير فرص العمل الكافية للداخلين إلى سوق، بالمقابل بعض مؤشرات التعليم مرتفعة، وتوزيع معتدل للإنفاق بين الأسر، وبنية تحتية مناسبة، لكن حلقة الاختناق الرئيسية هي في المؤسسات، والمشاركة، والحريات السياسية.
وتابع نصر بالقول إن وسطي معدل النمو 2004 ـ 2009 بلغ نحو /5.7%/، ونمت حصة الفرد /3.3%/ من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يسمح بمضاعفة حصة الفرد كل /21/ سنة إذا استمر معدل النمو الاقتصادي والسكاني على حاله، وبالانتقال إلى وسطي معدل النمو على الأجل الطويل - بحسب نصر- فقد بلغ نحو /6.03%/ بين 1970 و2009، كما نما الاستهلاك الخاص الحقيقي بمعدل /6%/ سنوياً في 2004 ـ 2009، لكن البيانات الفعلية لمسحي دخل ونفقات الأسرة تشير إلى أن نمو الإنفاق الحقيقي للأسر كان بمعدل /-2.1%/، وهذا المؤشر يعكس سبب عدم شعور الأفراد بالنمو الاقتصادي الذي تتحدث عنه الأرقام القومية، لأنه لم ينعكس على الحجم الحقيقي للسلع والخدمات، بالإضافة لارتفاع مؤشر الأسعار بين عامي 2004 و2009 بمقدار /67%/، والذي يعود لارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالمياً، وسياسات تحرير الأسعار الداخلية للمحروقات والأسمدة، وضعف كفاءة الأسواق مما يزيد من مقاومة انخفاض الأسعار، وهذا الارتفاع في الأسعار يفوق التضخم المحسوب طبقاً لمؤشر أسعار المستهلك الذي يعتمد على جميع أسعار السلع والخدمات الرئيسية من مراكز المدن.
يواجه الاقتصاد الوطني تحدياً مزدوجاً في الحرمان من فرص العمل، هذا ما أكده نصر، والذي أوضح أنه رغم معدلات النمو العالية للقوة البشرية، إلا أن قوة العمل بقيت ثابتة تقريباً منذ عام 2001، مما أدى إلى زيادة السكان خارج قوة العمل، وتراجع معدلات المشاركة، فخلال 2004 ـ 2008 تمكن الاقتصاد الوطني من خلق /90000/ فرصة عمل صافية، وبذلك يكون وسطي معدل للمشتغلين قد نما بمقدار /0.5%/، بينما وفق تقديرات نمو القوة البشرية فأن الاقتصاد بحاجة إلى معدل نمو /3 ـ 4%/ سنوياً، كما حافظ معدل البطالة على استقراره عند /8%/، ومن مظاهر الحرمان أيضاً انتشار العمل في القطاع غير المنظم والموسمي بظروف غير لائقة.
بيّن نصر أن الاحتكارات لا تزال صفة ملازمة للاقتصاد الوطني مما يصعب على المواطنين الدخول للأسواق في مختلف القطاعات، حيث تعاني البيئة التنافسية من تحديات البيروقراطية، والفساد، والصعوبة في الحصول على التمويل، ويدعم هذا تراجع سورية على مؤشر التنافسية العالمي من /78/ (من أصل 134 دولة) في 2008 إلى /97/ (من أصل 139 دولة) في عام 2010.
أما بالنسبة للتعليم، فقد أوضح نصر أن معدلات عدم الالتحاق مرتفعة خاصة للحلقة الثانية. كما أن الأمية لا تزال تمثل تحدياً رغم تراجع نسبتها للأفراد فوق /15/ سنة من /20%/ إلى /16.8%/ بين 2001 و2009. والأمية عند الإناث تبلغ /2.4/ مرة مقارنة بين الذكور.
واستطرد الباحث الاقتصادي بالقول إن الإنفاق العام على الصحة لا يتجاوز /2%/ من الناتج المحلي مما جعل المواطن يتحمل العبء الأكبر من الإنفاق الصحي، وترتيب سورية يبلغ /58/ من /169/ دولة في مقياس التنمية البشرية، كما أن المؤشرات الصحية لم تتحسن بشكل ملحوظ منذ العام 2001، حيث ارتفع معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة من /19.3/ وفاة لكل ألف ولادة حية عام 2004 إلى /21.4/ وفاة في عام 2009، أما معدل وفيات الرضع فقد استقر عند /18/ بالأف عام 2001 وحتى عام 2009، وتعد نسبة الأفراد المصابين بمرض مزمن للعام 2009 كأمراض القلب /10%/، مرتفعة مقارنة بـ /7.9%/ للعام 2001 وهو مؤشر خطير على انتشار أمراض مكلفة، وصعبة الاكتشاف والعلاج، مما يشير إلى تدهور في الأثر النهائي للخدمات الصحية على قدرات الأفراد اللازمة لتخلصهم من الحرمان.
وأردف نصر القول أن نسبة فقر السعرات الحرارية في سورية يبلغ /18.2%/ من مجموع السكان للعام 2009، موضحاً في الوقت عينه أن مقياس الفقر متعدد الأبعاد صمم لتوصيف حالات الحرمان الشديد التي تعاني منها الأسر في مجال الصحة، والتعليم، ومستويات المعيشة، فإذا حرمت الأسرة من /3/ من بين /10/ أبعاد، فهذا يعني أنها تعيش حالة الفقر متعدد الأبعاد، وتأتي سورية في المرتبة /34/ من أصل /104/ عالمياً، وبالنظر إلى مكونات المؤشر نلاحظ أن /20.4%/ من السكان يعيشون حرماناً تعليمياً، بينما /13.6%/ يعيشون حرماناً صحياً، و/1.3%/ يعيشون حرماناً في مستوى المعيشة.
وبيّن الباحث الاقتصادي ربيع نصر في ختام محاضرته أن برامج ومشاريع الاستهداف الاجتماعية في الخطة الخمسية العاشرة قد أخففت، كاستهداف المنطقة الشرقية، كما أن المؤشرات التنموية لا تعكس تحسناً، بالإضافة إلى فشل مشروع الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية الذي اعتمد الاستهداف النقدي المباشر، وهذا ما أثبتته تجارب الدول.. مضيفاً أن توفر المؤسسات الشفافة، والمساءلة، والموجهة لخدمة المصالح العامة يعد عنصراً جوهرياً لنجاح الاستهداف، وإلا فإنه سيفقد الميزة الرئيسية له، وهي توفير التكاليف، والوصول إلى الفقراء.