«المشافي الخاصة» وويلات الأسعار.. حياة المواطنين «سلعة» للمتاجرة وتحقيق الأرباح
أصبحت حياة المواطنين في ظل غياب رقابة وزارة الصحة عبارة عن سلعة للمتاجرة وتحقيق الأرباح من قبل أصحاب المشافي الخاصة، فأغلب شكاوى المواطنين بهذا الصدد أكدت بأن «عدم اكتراث وزارة الصحة وضعف رقابتها الصارمة على المشافي الخاصة، أدت إلى نوع من فوضى الأسعار التي أرهقت المواطنين المضطرين للجوء إليها، وساهمت بعدم اهتمام المشافي بالخدمات المقدمة من قبل كوادرها».
أصيبت ابنته بجرثومة في دمها بعد 48 ساعة من ولادتها، نتيجة ما وصفه «سوء تعقيم المشفى». «أنس» الذي يبلغ من العمر 29 عاماً ويعمل موظفاً حكومياً، اختار أحد المشافي الخاصة والمصنفة على أنها «5 نجوم» بخدماتها داخل دمشق، لتضع زوجته مولودتها فيها، إلا أنه أصيب بالصدمة لما جرى هناك على حد تعبيره.
«أنس» لم يرم كل اللوم على المشفى الخاص الذي وصفه «بالمشهور جداً»، فقد بدأت المشكلة بالنسبة إليه من الطبيبة المتعاقدة مع المشفى والتي أشادت به وأقنعت الزوجة بالولادة فيه كونها متعاقدة معه، ولها نسب من العمليات والولادات هناك. وفعلاً توجهت زوجة أنس إلى المشفى المشهور بمخاضها، إلا أن الطبيبة طلبت منها العودة إلى المنزل وأن تراجع المشفى للولادة بعد 5 ساعات.
أطباء متعاقدون دون قيود!
وقال أنس «عدنا إلى المشفى بعد أقل من 5 ساعات لأن زوجتي لم تستطع التحمل، لكن المفاجأة هو أن الطبيبة غادرت المشفى ولم تقبل العودة إليه لتوليد زوجتي كما وعدت، وذلك بحجة (مابطلع برا البيت بعد الساعة 5 المسا)، وهنا لم يقم المشفى بأي تصرف لإجبارها أو إقناعها بالقدوم، ولسوء الحظ وسوء المشفى لم يتوفر أي طبيب أو طبيبة توليد يومها، وبدأت عملية البحث (وبوس الأيادي) حتى جاءت إحداهن».
وتابع «لم أدقق إن كانت طبيبة أو ممرضة أو حتى قابلة قانونية، المهم أن تنهي معاناة زوجتي. وبعد انتظار، خرجت ممرضة لتقول إن طفلتك استنشقت (مية الراس)، ويجب وضعها في حاضنة ووضعها حرج، وفعلاً تم وضعها بالحاضنة لمدة 24 ساعة، وأخرجت منها في اليوم التالي، لكن الصدمة الكبرى كانت هنا».
جرثومة «خمس نجوم»
والفاتورة 75 ألف!
وأردف «أصيبت ابنتي بعد يومين من ولادتها بجرثومة في الدم، ودارت الشكوك حول الحاضنة غير المعقمة جيداً، إلا أن المشفى الـخمس نجوم لم يعترف بذلك»، مضيفاً «الجدال والصراخ لم يجد نفعاً مع الأطباء وموظفي المشفى الذين لا يهمهم سوى المال في النهاية. اضطررت لإخراج ابنتي بعد دفع الفاتورة التي بلغت 75 ألف ليرة سورية، وذهبت إلى أقرب مشفى، وهناك وقبل الدخول طلب (الريسبشن) مبلغ تأمين 10 آلاف ليرة وإلا لن يسمحوا لنا بالدخول، وبعد دفع المبلغ تم نقل دم لها، وهي حالياً تخضع لحجر صحي مدته 40 يوماً» ووفقاً لما قاله أنس.
بحسب «أنس» وغيره من المشتكين، فإن «بعض المشافي الخاصة بدمشق، والمعروفة بأسمائها (العريقة) تفتقد لأدنى درجات الإنسانية في التعامل مع المرضى وينحصر الاهتمام بالماديات».
«أروى» 25 عاماً، كانت تسأل الأطباء عن مشفى جيد ومضمون للولادة وبالوقت ذاته يتناسب مع مدخولها وزوجها، ونتيجة عدم قرب المشافي العامة من مكان سكنهما، كانت الخيارات محصورة في المشافي الخاصة، و«المثير للخوف هو أن الأطباء الذين زرتهم أجمعوا على أن أحد المشافي الخاصة والحديثة في منطقة سكني، غير معقمة بشكل جيد وأن غرفة العمليات قد لا تعقم بين المريض والآخر، وأن الخيوط المستخدمة في خياطة الجروح نخب عاشر»، على حد قولها.
مشافي كالفنادق
والخدمات بـ«بقشيش»
وتابعت «حتى أسعار الولادات في المشافي الخاصة اختلفت بتفاوت كبير وكأنها فنادق لها نجوم متدرجة، وكل طبيب متعاقد مع هذا المشفى أو ذاك يكشف العيوب في المشافي الأخرى للإقناع بالمشفى الذي يريد».
وأردفت «الولادة القيصرية في المشافي الخاصة تدرجت من 27 ألف إلى 75 ألف ليرة سورية، والمشفى الذي اختاره طبيبي كانت أجرته 55 ألفاً وهو مبلغ مرتفع جداً، عدا عن أن المشفى يستغل نزول المريض فيه بالتحاليل والأدوية والاستشارات، وقد طلبوا مني زيادة على أجرة الغرفة بعد قبولي في المشفى بحجة أنها كبيرة وواسعة!».
وأشارت أيضاً إلى أن «الخدمات داخل المشفى سيئة جداً في حال لم يقم المريض بتوزيع (البقاشيش) على الممرضات والأذنة، وقد يهملون من لا يدفع لهم دون رقابة من قبل إدارة المشفى».
وما تقدم ذكره أعلاه أكده العديد من المشتكين بقولهم إن «هذه المشافي لا تستقبل أي حالة إسعافية نهائياً مهما كانت إلا إن تم وضع مبلغ تأمين وقدره 10 آلاف ليرة سورية في الصندوق وقد يصل في بعض المشافي إلى 25 ألف».
ويلات «المشافي»
تتحملها وزارة الصحة
عضو مجلس الشعب السوري، صفوان قربي وصف في حديثه لـ«قاسيون» المشافي الخاصة بأنها «تجر الويلات على المرضى»، وخاصة في ظل غياب دور وزارة الصحة في الرقابة، ما جعل هذه المشافي مكاناً آخراً لاستغلال جيب المواطن السوري المنهك في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها.
وقال قربي إن «القطاع الصحي العام الضمان والأمان وملجأ المواطن البسيط والمتوسط الحال، ومن يضطر ويدخل المشافي الخاصة سيلاقي الويلات فيها، ومهما كانت حالة المواطن ميسورة مادياً، سيلاحظ أن العنوان الرئيسي هو أكبر كم من الأموال».
وتابع إن «هم القائمين على المشافي الخاصة هو كيف سنأخذ من هذا المريض أو ذاك ما استطعنا من المال عبر تحاليل غير ضرورية وفحوصات واستشارات غير لازمة بأسعار غير منضبطة ودون أي مؤشرات محددة وواضحة لها».
وأردف قربي إن «المزاجية سيدة الموقف في المشافي الخاصة، ووزارة الصحة غائبة بالمطلق عن ما يحدث، وهنا نضع ألف إشارة استفهام حول دور الوزارة، ولماذا هذا التقصير؟».
تفتيش كل 6 أشهر!
مصدر في وزارة الصحة، قال لصحيفة «قاسيون» إنه «هناك بالفعل بعض المشافي الخاصة التي تخالف القوانين، إلا أن الشكاوى المقدمة بهذا الصدد إلى الوزارة هي وسطياً شكوى واحدة كل أسبوع من دمشق وريفها بخصوص أسعار المشافي وسوء الخدمات، فيما تكاد تنعدم الشكاوى المقدمة من المحافظات الأخرى لتصل إلى شكوى واحدة أو اثنتين كل عام».
وأردف إن «الوزارة لا يمكنها ضبط هذه الأمور داخل المشافي إن لم يتقدم المريض المغبون بشكوى مباشرة إلينا» مشيراً إلى أنه «من المفترض أن تكون هناك دوريات تكشف على المشافي الخاصة بشكل دوري، إلا أن عملها حالياً ضعيف قد يصل إلى زيارة واحدة كل 3 أو 6 أشهر للمشفى».
الحالات «الإسعافية» تعالج مجاناً!
وحول استقبال الحالات الإسعافية في المشافي الخاصة، أكد المصدر أنه «هناك قرار صادر عام 2007 ينص على استقبال الحالات الإسعافية كافة وخاصة التي تتطلب إنقاذ الحياة، وبحسب هذا القانون يجب أن تعالج هذه الحالات مجاناً خلال 24 ساعة الأولى وإذا لزم استمرار بقاء المريض أكثر من 24 ساعة يخير بالبقاء بأجرة أو المغادرة إلى مشفى آخر».
وبلغ عدد المشافي الخاصة في مدينة دمشق حسب إحصائيات عام 2012 حوالي 41 مشفى إضافة إلى 45 مركزاً طبياً تخصصياً تقوم بتقديم الخدمة الطبية إلى المواطنين بالمشاركة مع مشافي القطاع العام.