التعليم لمن يملك المال.. الظروف «الأمنية- المعيشية» تبعد طلاب الجامعة عن مقاعد الدراسة
يحتاج قطاع التعليم في سورية كما باقي القطاعات الحيوية إلى سنوات طويلة كي يستعيد عافيته, فالأزمة السورية المستمرة أدت إلى خروج عدد كبير من طلاب الجامعات السورية بكافة فروعها عن مقاعدهم الدراسية ليهاجر عدد كبير منهم إلى خارج سورية بحثاً عن جامعة تؤمن له ما كان يحلم بالحصول عليه من معرفة وعلم وشهادة, فيما بقي من بقي في الداخل يحارب الظروف المادية القاسية والأوضاع الأمنية، وترك التحصيل العلمي للظروف اليومية إن سمحت.
كما ساهم الانفلات الأمني الحاصل في ارتفاع منسوب الفساد في الجامعات الرسمية وانتشار شبكات لتزوير الشهادات والمصدقات الجامعية, حيث تم مؤخراً وبحسب الجهات الأمنية ضبط شبكة تقوم بتزوير الشهادات والمصدقات الجامعية، عبر ضبط مطبعة لتزوير الشهادات بشكل كامل وبطريقة احترافية وتقنيات حديثة ضمن دمشق. وأوضح أمين جامعة دمشق عباس صندوق، إن عدد الوثائق والشهادات التي تم تزويرها خلال العام الماضي وحتى تاريخه تجاوز 70 شهادة، إضافة لوجود حالات تزوير شهادات في الخارج.
الأزمة والهجرة وحلم الدراسة
لكن الأزمة السورية أخرجت عدداً كبيراً من طلاب دمشق عن مقاعدهم الدراسية ليهاجر عدد كبير منهم إلى خارج سورية بحثاً عن جامعة تؤمن له ما كان يحلم بالحصول عليه من معرفة وعلم وشهادة, فيما بقي من بقي في الداخل يحارب الظروف المادية القاسية والأوضاع الأمنية وترك التحصيل العلمي للظروف اليومية إن سمحت.
يجهز «أمجد»، طالب ماجستير، أوراقه كي يناقش رسالة الماجستر التي عمل عليها لأكثر من سنتين. يقول لـ«قاسيون» تم «إيقافي لمدة أربعة أشهر من قبل إحدى الجهات الأمنية، وفيما بعد تم الإفراج عني وإطلاق سراحي بعد أن تبيّن أن هناك خطأ أمني (تشابه أسماء), وعليه تم منحي أوراقاً قانونية تفيد بعدم وجود أي دعوى أو شكاوى أو أي تهمة في سجلي العدلي لكن رئاسة الجامعة لم تقبل هذه الأوراق ورفضت السماح لي بمناقشة رسالتي», ويتابع أمجد «أنا لن أتوقف وسأدق كل الأبواب كي أناقش رسالة الماجستر وأحصل على شهادتي الجامعية».
الاعتقال والقرارات التعسفية!
تفاجأ «رواد» بقرار رئاسة جامعة دمشق القاضي بعدم السماح له بإكمال رسالة الدكتوراه الخاصة به في مجال الطب. فتحدث رواد لـ«قاسيون» قائلاً «قامت إحدى الجهات الأمنية باحتجازي لمدة شهر ثم تم إخلاء سبيلي بعد التأكد من عدم وجود أي أشكال أمني حولي, وتم منحي أوراقاً تثبت أنه لا يوجد أي حكم بحقي, وقد قبلت كليتي بهذه الأوراق وكذلك إدارة المشفى لكن رئاسة الجامعة رفضت القبول بهذه الأوراق وقامت بإيقاف مناقشتي للرسالة وأنا لا أجد أي مبرر لهذا القرار من قبل رئاسة الجامعة».
وبدوره تحدث «جابر.ي»، طالب سنة رابعة في كلية الآداب- قسم علم الاجتماع، لـ«قاسيون» عن المعاناة والظروف والإجراءات التعسفية المرتكبة بحقه وبحق زملائه «أنا من مواليد إحدى قرى ريف دمشق، انقطعت مدة شهرين عن الكلية بسبب الأوضاع التي كانت سائدة في منطقتنا، وعندما عدت لمتابعة الدراسة في الكلية مع عدد من الرفاق تفاجأنا بالإجراءات الأمنية المشددة بحقنا من قبل اللجان التابعة لاتحاد الطلبة, حيث تعرضنا لمضايقات عديدة من قبل بعض أفراد اللجان, تبدأ بالتفتيش الدقيق لنا ولممتلكاتنا الشخصية خاصة الهاتف الجوال وأجهزة اللابتوب ومتابعتنا الدقيقة في قاعات الدراسة والحديقة والكافيه, لذلك قررنا عدم متابعة الدراسة في الكلية ومتابعة المحاضرات من خلال بعض الأصدقاء وشراء بعض النوط من المكتبات وخاصة بعد أن تم اعتقال عدد من الطلاب داخل الحرم الجامعي رغم أننا موقنون بأننا لم نقم بأي عمل يخل بأمن الوطن».
رفع رسوم التسجيل
أحدث مركز التعليم المفتوح في جامعة دمشق عام 2003 بهدف إعطاء فرصة للأشخاص الراغبين بإتمام تعليمهم ولم تتح لهم الفرصة بسبب ظروفهم, وقد نجح المركز في السنوات السابقة في استقطاب عدد كبير من الطلاب السوريين الذين كانوا يتوجهون فيما قبل للتعلم في الدول المجاورة مثل لبنان والأردن. لكن قرار وزير التعليم العالي برفع رسوم التسجيل دفع بعدد كبير من طلاب التعليم المفتوح للإحجام عن التسجيل والمطالبة بإعادة رسوم التسجيل إلى المبلغ الذي كانت عليه قبل قرار الرفع.
تقف «راميا» في صف الانتظار للحصول على الأوراق اللازمة لتقديم طلب إيقاف تسجيل في جامعة دمشق التعليم المفتوح- قسم الترجمة. وتقول «هذا هو الفصل الثاني على التوالي الذي أقوم بإيقاف تسجيلي فيه, وذلك بسبب ارتفاع رسوم التسجيل، فالوضع المادي لأهلي لم يعد يسمح بدفع تكاليف التسجيل والدراسة علماً أني في السنة الثالثة من الدراسة وأنا بحاجة للحصول على الشهادة من أجل الحصول على عمل جيد فأنا أعمل سكرتيرة في عيادة طبية, لكن في حال حصلت على الشهادة فإن فرص حصولي على عمل جيد ستكون أكبر».
لماذا هذا التضييق..؟
وبدورها تقول «سلاف.م»، من الطلاب المستجدين في التعليم المفتوح, «سجلت هذا العام بعد فتح باب التسجيل المباشر وذلك كي أستفيد من الفرصة التي أتيحت لي لكني سأقوم بإيقاف التسجيل في الكلية بسبب ارتفاع تكاليف التسجيل والمصاريف الجانبية من ثمن نوط ومحاضرات», وتتابع سلاف «كنت أتمنى أن تعود رسوم التسجيل إلى الرسم السابق، فالمواطن السوري لم يعد يحتمل ارتفاع المعيشة لتأتيه مصاريف التعليم، علماً أن التعليم المفتوح أحدث لذوي الدخل المحدود والراغبين بإكمال تعليمهم. إذاً لماذا هذا التضييق على المواطنين».
في حين استفاد «خالد» من الفرصة التي أتاحها التسجيل المباشر في التعليم المفتوح لهذا العام، ولكنه سيقوم «بإيقاف التسجيل في الفصل الدراسي الثاني»، لأن مدخراته لن تمكنه من التسجيل في الفصل الثاني, وأضاف خالد في حديثه لقاسيون «التسجيل المباشر كان فرصة جيدة لعدد كبير من الطلاب لكن إكمال التعليم في الظروف الحالية سيكون من نصيب من يملك المال».
وبدوره «مروان»، من طلاب التعليم المفتوح- قسم المحاسبة، أوقف تسجيله لهذا العام بعد أن تم رفع رسوم التسجيل، «فالظروف المالية لا تساعد هذا العام على إكمال الدراسة، وأنا حالياً أبحث عن عمل يؤمن لي ولعائلتي الحد الأدنى من المعيشة، ويبقى حلم إكمال الدراسة والحصول على شهادة جامعية مؤجلاً إلى العام القادم».
وللتعليم العالي مبرراتها!
خرج وزير التعليم العالي بحجج عديدة يبرر فيها قرار الوزارة برفع رسوم التسجيل في التعليم المفتوح، لكن أي من الحجج لم تلق الترحيب في أوساط الطلاب, فقد أوضح وزير التعليم العالي مالك علي، أن قرار زيادة الرسوم قد تمت دراسته من مجلس التعليم العالي من قبل وقد تم توقيعه، مبيناً «أن جميع البرامج والأسس والتشريعات في نظام التعليم توضع للطلاب المتفوقين والراغبين في الدراسة، وليس للطلاب الفاشلين، لذلك من الأفضل على الطالب أن يتفاءل ويجتهد ويدرس لا أن يضيع وقته عبر الدعوات المكتوبة عبر شبكات التواصل، فالدراسة هي التي ستجلب النتيجة الحقيقية له»، لافتاً إلى أن الدولة تقدم الكثير من الدعم للطالب، من أجل التعلم وقامت بافتتاح العديد من البرامج الجديدة للعام 2013- 2014.
كما صرح الوزير أمام مجلس الشعب عندما سئل عن سبب الزيادة في رسوم التسجيل في التعليم المفتوح, بأن قرار مجلس التعليم العالي الخاص برفع رسوم التسجيل وقيمة مقررات التعليم المفتوح يهدف إلى حل مشكلة ارتفاع ثمن المطبوعات والقرطاسية وتحفيز الطلاب على الإسراع بالتخرج وإتاحة الفرصة لغيرهم من الطلاب وأن هذه الرسوم تبقى مقبولة مقارنة بأقساط الجامعات الخاصة, مشيراً إلى أن هذا القرار يأتي في إطار إعادة النظر بمجموعة من الرسوم كرسوم التسجيل والحصول على الشهادة ورسوم كشف العلامات وغيرها.