الفقراء في الطوابير: الغاز موجود.. والفساد أيضاً
على الرغم من الجهود الحثيثة المبذولة، والعمل المتواصل لحل معضلة الغاز المستعصية والتي عصفت بالبلاد، ومازالت تلقي بظلالها على كامل الأراضي السورية دون استثناء، فلا يزال المواطن يفكر ويتساءل: كيف سيحصل على أسطوانة الغاز وبأي سعر مثلاً؟
من المفارقة أن جرة الغاز متوافرة ولكن لمن يدفع أكثر، أمام مراكز التوزيع تجد طوابير طويلة من المواطنين رجال ونساء يقفون في دورهم منتظرين لعل الحظ يسعفهم في الحصول على أسطوانة غاز بسعره النظامي بعد طول انتظار. وكان (ناظم خداش) المدير التجاري ومعاون المدير العام في وزارة النفط قد أكد مؤخراً في تصريح صحفي: أن كميات جيدة من الغاز باتت متوفرة في الأسواق في كل من دمشق وريفها حيث أن 50 ألف أسطوانة غاز تضخ يومياً لسد الفجوة التي حصلت في الفترة الماضية، نافياً أي ارتفاع في الأسعار في الأيام القادمة، وأضاف خداش أن هناك بوادر قريبة لانفراج أزمة الغاز التي يعاني منها المواطنون منذ شهور، فإن من شأن الكميات المطروحة في الأسواق واستمرارية ضخ المادة بهذه الكميات إلى الأسواق أن يحل الأزمة بالتدريج.
غير أن الوضع السائد مؤسف حقاً، فعلى الرغم من توافر الغاز في الفترة الأخيرة فالمشكلة لم تحل بعد، وذلك لأن مراكز التوزيع عموماً تعاني من مسألة سوء التنظيم في عملية التوزيع والقائمة على نظرية (الخيار والفقوس) والتعامل حسب المبلغ المدفوع والمناصب الوظيفية الرفيعة، بينما ينتظر المواطن العادي ساعات طويلة على مدار أيام عديدة قد تصل إلى أسابيع وشهور دون التمكن من الحصول على جرة الغاز، ما يضطره في نهاية المشوار لشرائها من السوق السوداء وبأسعار مضاعفة.
إذاً، الغاز أصبح متوفراً الآن في سورية غير أن الأزمة مازالت على حالها فما هي الأسباب؟ وما هو الحل يا ترى؟ تساؤلات هامة طرحتها جريدة «قاسيون» على شريحة واسعة من المواطنين فكانت الإجابات التالية:
يقول حسام، موظف في شركة الكهرباء: «إن الأزمة بشكل عام سببها سوء التوزيع وما يحصل من تهريب وسرقة للغاز أثناء عملية التوزيع، فلا أحد يصدق أن الغاز لا يتواجد لما يقارب العام في دولة مثل سورية، وبأن الأزمة لا تزال مستمرة إلى الآن، فلو جرى توزيع الغاز حسب الدور دون استثناءات ودون تبديل أسماء واتباع أسلوب من يدفع أكثر، لانتهت الأزمة منذ زمن، ولتمت تلبية جميع احتياجات المواطنين».
ويقول المواطن عصام: «إن المسؤول عن هذا الوضع الأسود والأزمة التي تعيشها البلاد وعن كارثة الغاز بالذات هم الفاسدون والذين هم من التجار والموزعين والمسؤولين من رجال الدولة عن هذا الموضوع، فالفاسدون في هذه القضية هم أصل المشكلة ذاتها، المشكلة التي ذهب ضحيتها قتلى وجرحى وطعنت كرامات السوريين لأجلها، وكانت ابتزازاً لهم بكل معنى الكلمة». وتقول بشرى وهي موظفة: «الغاز لم يعد للناس البسطاء والفقراء وعامة الشعب كما يجب أن يكون، وإنما أصبح لشرائح محدودة من الناس كالتجار والأغنياء وأصحاب الأموال، فهؤلاء تصل أسطوانة الغاز إلى بيوتهم دون أن يتكلفوا أي عناء، بينما أبناء الطبقة الكادحة يقضون أوقاتاً طويلة تحت أشعة الشمس حالمين بالحصول على جرة غاز، وهذا ما يجبر معظم هؤلاء للتوجه إلى السوق السوداء للحصول عليها حتى ولو بثمن 1500 ليرة في نهاية المشوار».
ويقول الشاب أحمد: «مادة الغاز المنزلي هي من المواد الحياتية الأساسية التي لا غنى عنها، والتي يجب أن تبقى تحت رعاية وإشراف الدولة باعتبارها المسؤولة عن استيرادها وتوزيعها، لذلك الحل يجب أن يكون بفتح مراكز توزيع جديدة تحت جناح وسلطة الدولة، فالمراكز الحالية لم يتم تطويرها أو تعديل آليات عملها رغم التزايد السكاني الواضح في مدينة دمشق وريفها»، ويتابع أحمد قائلاً: «علينا أيضاً إيجاد أساليب وطرق جديدة وحديثة لتوزيع الغاز على المواطنين لهذا فالدولة تتحمل كامل المسؤولة بالنسبة لأزمة الغاز بالإضافة إلى عديمي الضمير من تجار الأزمات واللصوص»، بينما يقول الأستاذ محي الدين: «كثيراً ما نسمع بأن الغاز موجود، إذاً الموضوع بحاجة إلى إدارة وتنظيم ووجود رقابة صارمة بالوقت نفسه، فمع غياب الرقابة تنتشر الفوضى وتغيب كل الحلول الناجعة للمواطنين الذين يعانون المر ويتكبدون المصاعب للحصول على جرة غاز، والحل يكون بوجود مفتشين وظيفتهم فقط إجراء الزيارات الميدانية في كل المؤسسات وكل ما عليهم هو كتابة مخالفات بحق من يخالف وذلك لحل الأمر بكل يسر وسهولة».
وبدوره، يقول الأستاذ وائل: «يعتبر مركز توزيع الغاز بكفر بطنا بحد ذاته بؤرة للخلل والفساد المتفشي من الدرجة الأولى، وهو كغيره من مراكز التوزيع التي لا تعترف بالدور ولا تعتمد الإيصالات في عملية التوزيع بل تعتبر اسم هذا الشخص أو ذاك، ومكانته الاجتماعية، فهما الصك الأهم والأكثر تداولاً في هذه المراكز، حيث ينال التجار وأصحاب المقامات الرفيعة حصتهم على المرتاح، بينما يبقى المواطنون البسطاء ينتظرون لساعات الدور والفرج، غير أن عمال التوزيع يوزعون لهم كمية محدودة من أسطوانات الغاز ثم تنتهي عملية التوزيع ويتم نقل الباقي وبيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة أمام عيوننا وعلى عينك يا تاجر».
ويقول عماد الخياط: «بصراحة لقد تجاوز الموضوع الحد كثيراً وإلى درجة لا توصف، لكن من يملك الحل برأيك؟ أنا أملك حلاً لهذه الأزمة لكني لا أتصور بأنه الحل المجدي والمفيد، وهو أن يعدم شنقاً أمام بيته كل من يهرب أو يعمل على سرقة الغاز أومن يخطئ في هذا المجال، سواءً على صعيد الموزعين الذين تحولوا إلى كتلة من الفاسدين أو المواطنين والتجار الذين يستولون على كميات كبيرة من الغاز ليبيعوها بأسعار مضاعفة في السوق السوداء، أو من يخطئ في هذا المجال من رجال الدولة والمسؤولين.. فنحن الآن شعب منكوب، شعب يتصارع مع المجرمين واللصوص والمخربين للتخلص من المشاكل والأزمات».
ويقول الحاج أبو محمود: «لماذا لا يتم تخصيص أسطوانة محددة لكل أسرة للتخلص من هذه الأزمة والتي تصب في مصلحة تجار الأزمة الذين يشترون الأسطوانة بـ 450 ليرة ثم يبيعونها ناقصة ومغشوشة في السوق السوداء بـ 1500 – 2000 ليرة مع غياب واضح للرقابة والتموين»، وتضيف السيدة نيفين: «الغاز مفقود في عدة مناطق من ريف دمشق منذ شهور، ولا يوجد أحد يؤمن لي حاجتي من الغاز، وفي كل مرة تراني أتعرض للاستغلال وادفع مابين 1200 و1500 ليرة للحصول على أسطوانة الغاز، وما يسكتني أن الوضع هنا سار على الجميع، وأتساءل بما أن الغاز موجود فلماذا كل هذا الكفاح والتعب للحصول على أسطوانة الغاز؟ أم أن المواطن أصبح هدفاً وضحية سهلة لأصحاب الجيوب العامرة في مثل هذه الأمور مستغلين بذلك انعدام الرقابة الكلي عن هذه المشاكل؟..
بالمحصلة، ومع كل الجهود المبذولة من الحكومة مازالت معاناة السوريين تتفاقم تجاه قضية الغاز، وتتشعب يوماً بعد يوم، وذلك بسبب وجود الكثير من التجار الفاسدين وعديمي الضمير المستغلين للأزمة برمتها والمتلاعبين بالأسعار والأوزان، والذين يبتدعون أساليب جديدة لتوزيع الغاز في كل الجهات غير الجهة الصحيحة، وهنا يبقى السؤال: إلى متى سوف يبقى الغاز يقدم إلى الأغنياء وأصحاب المناصب الرفيعة ويحرم منه الفقراء والناس العاديين والبسطاء؟... إلى متى ستبقى أزمة الغاز تتحكم بكرامة السوريين هكذا؟.
ولعل أكثر الأسئلة أهمية: هل سيبقى الوضع على ما هو عليه أم أن الحكومة ستعمل بشكل جدي لإيجاد طرق وأساليب جديدة للتوزيع تنصف بها كل المواطنين؟.
كل هذه الأسئلة الهامة تنتظر جهداً وعملاً حقيقيين من الجهات المسؤولة في الأيام القادمة.