«لو كان الفقر رجلاً لقتلته»!

«لو كان الفقر رجلاً لقتلته»!

تنص المادة الثالثة عشرة من الدستور السوري في الفقرة الأولى منها بأنه «يقوم الاقتصاد الوطني على أساس تنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص من خلال الخطط الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى زيادة الدخل الوطني وتطوير الإنتاج ورفع مستوى معيشـة الفرد وتوفير فرص العمل».

وقد تعودنا على قضية أساسية تخص الدستور مفادها أن ما جاء فيه شيء وما يجري على أرض الواقع شيء آخر، والحقيقة المرة تقول إن الدستور ما هو إلا ورقة كتبت عليها نصوص ليست لها أية أهمية تذكر في حال تم تجاهله وعدم تطبيقه، خصوصاً من السلطات المسؤولة، وإذا كنا مراراً وتكراراً نحذر مما كانت تفعله قوى السوق والسوء الفاسدة والتي تلاعبت بهياكل الاقتصاد السوري وحولته من اقتصاد منتج الى اقتصاد ريعي بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فازدادت حدّةً تحت شعار اقتصاد السوق الاجتماعي المشاكل التي يعاني منها السوريون، من فقر وبطالة وغلاء لا يطاق ونمو كاذب لم ينعكس إطلاقاً على الحالة المعيشية لجماهير الشعب وهو المؤشر الأساس على حدوث التنمية الاجتماعية من عدمها.

لكن خبراً صغيراً جاء في عدد من الصحف المحلية والمواقع الاليكترونية، يلفت الانتباه، صدر عن محافظ اللاذقية يقول: «إن الحكومة ومن خلال السيد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الإدارة المحلية قد وافقت على تشغيل شخص من كل أسرة بشكل دائم (تأمين فرصة عمل له) لتأمين مورد رزق ودخل لأسرته».

وهذا التوجه صحيح مئة بالمئة، وهو تطبيق خلاق لما جاء في الدستور الذي أقر في المادة المذكورة أعلاه على حق العمل لكل السوريين من خلال المبدأ الهام وهو مبدأ تكافؤ الفرص، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل سيتم تنفيذ هذا التوجه في محافظة اللاذقية وفي منطقة الحفة حصراً، أم في محافظة اللاذقية فقط، أم أنه توجه عام للحكومة تهدف من خلاله القضاء على البطالة المتفاقمة حيث وصلت الى نسب لا تحتمل بلغت حوالي %40 من الأيدي العاملة السورية؟!.

وباعتبار أن قطاع الدولة بشقيه الاداري والاقتصادي غير قادر على استيعاب هذه الأعداد المتزايدة من العاطلين على العمل، نتساءل ما هي توجهات الحكومة تجاه العمال العاطلين عن العمل في القطاع الخاص وأصحاب الحرف الصغار، الذين فقدوا منشآتهم وتوقفوا عن العمل، كحرفة صناعة الموبيليا وورش صناعة الألبسة والمعامل الصغيرة، وهؤلاء يعدون بمئات الآلاف، وماذا أعدت الحكومة لهم من خطط ليعودوا إلى حرفهم ومعاملهم ويعاودوا إنتاجهم الذي يشكل جزءاً هاماً من عملية الإنتاج ولهم مساهمتهم الفعالة في زيادة الدخل الوطني وزيادة تراكم الثروة الاجتماعية على مستوى الوطن؟.

وأخيراً لابد من أن نتابع سؤال الحكومة حول التدابير المتخذة تجاه الأزمات والمشاكل التي برزت على أرض الواقع خلال الأحداث الجارية الآن، وخصوصاً أزمة الغاز والمازوت والبنزين والخبز وارتفاع الأسعار، خصوصاً للأغذية والخضراوات ؟ علماً بأن الأسعار حلقت بحيث أصبحت قضية الوصول إليها وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الأزمة أمرأ بعيد المنال من الجماهير دون مساعدة حقيقية وسياسة جدية من الحكومة، علماً أن تجار الحروب الكبار منهم والصغار يستغلون الأزمة لكي يغتنوا على حساب قوت الشعب السوري وحاجته إلى الغذاء والدواء والملبس والمسكن وغيرها من ضروريات الحياة الكثيرة، وصاروا جهاراً يرفعون الأسعار حتى على المواد المسعرة أصلاً فجرة الغاز تباع الآن من بائعيها بالسوزوكي بـ 1200 ليرة وليتر البنزين بـ 150 ليرة أما ربطة الخبز فتباع بـ 100 ليرة و 150 ليرة في بعض المناطق التي تشهد أحداثاً دامية وليتر المازوت ب 60 ليرة و100 ليرة في بعض المناطق، أما أسعار الخضروات فقد أضحت لا تطاق، الفاصولياء بـ 150 ليرة والخيار بـ 60  ليرة والليمون وهو منتج محلي وليس مستورد بـ 175 ليرة والبندورة بـ 50  ليرة، أما السؤال المهم الآن فهو : كيف لعامل يعيل 5 أشخاص براتب 10000  ليرة شهرياً أن يعيل أسرته بهذا المبلغ المتواضع، ولو حسبنا بالورقة والقلم على افتراض أنه سيطعم اسرته وجبة واحدة يومياً، ولتكن سندويشة فلافل فقط وهي أرخص الموجود بعد أن أصبح سعرها الآن 40 ليرة، فسنصل الى النتيجة التالية وهي 40 ليرة × 6 سندويشات = 240 ليرة × 30 يوما = 7200 ليرة وهي تشكل نسبة %72 من راتبه، فماذا سيتبقى له لكي يؤمن المستلزمات الاخرى لعياله ؟، أظن أن هذا العامل المسكين التعس سيضطر الى تخفيض كمية السندويشات إلى النصف، ولكي يكمل النقص للنصف الآخر عليه أن يأكل الهواء إذا كان قانعاً ومستسلماً، أو يتحول الى التسول أو اللصوصية دفعاً بسبب الوضع المأساوي الناشئ،  وفي قول مأثور ومشهور للإمام علي يقول فيه: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته» وأضيف من عندي حتى بالأشهر الحرم.