ارتفاع الأسعار.. ودور تجار سوق الهال!

ارتفاع الأسعار.. ودور تجار سوق الهال!

اعتاد السوريون عند قدوم الشهر الفضيل رمضان أن تكون المكافأة بهذه المناسبة تحليق أسعار المواد الغذائية عالياً (خضروات- لحوم- فواكه)، لدرجة أن يستيقظ المؤمنون ولم يعد أمامهم سوى أن يشكوا حالهم لله وحده، لأن الشكوى لغير الله مذلة في العرف الشعبي، هنا يتبادر للذهن سؤال مشروع هو: ما السر الكامن وراء الارتفاعات الفاحشة بالأسعار؟ فسعر الليمون 150 ل .س وكذلك الفاصولياء واللحم 1000 ل.س فما فوق... الخ، علماً أن هذه الارتفاعات لا تتعلق إطلاقا بقانون العرض والطلب، فأين يكمن السر إذاً؟!.

من المعروف أن عملية البيع والشراء يمكن اعتبارها علاقة بين ثلاثة أطراف هم المنتج «الفلاح» وتاجر الجملة والمفرق «تجار سوق الهال والباعة المتفرقون» والمستهلك الذي يمثل غالبية الشعب، والشعب هنا «المستهلك» لا علاقة له لا من قريب أو من بعيد بهذه الارتفاعات باعتبار أن العرض إن لم يكن أكبر من الطلب فهو مساو له على أقل تقدير، أما المنتج «الفلاح» فهو بدوره مغلوب على أمره وفي أغلب الأحيان يخرج من المولد بلا حمّص، كما يقول المثل، وما يتقاضاه من أثمان إنتاجه لا يعادل الجهد الذي يبذله والأموال التي يدفعها خلال عملية الإنتاج، فهو مغبون دائماً ولا يحصل على الأثمان العادلة لمنتجه، هنا يبقى أمامنا الطرف الثالث وهم تجار سوق الهال «تجار الجملة» الذين يبيعون الباعة الصغار«تجار المفرق»، ولا شك أنه يمكن اعتبار سوق الهال الذي تتحدد من خلال عمليات الشراء والبيع للخضار والفواكه وسائر المنتجات الغذائية بمثابة بورصة للمنتجات الزراعية تعمل بالتوازي مع بورصة الأوراق المالية، والغريب في الأمر حالياً وجود من يدافع عن هذه الشريحة من المجتمع ويبعدها عن مسؤولياتها محاولاً إسقاط صفة الجشع برفع الأسعار عن أعضائها، فهناك من يضع اللوم على الحرب التي تعتبر سبباً رئيسياً لارتفاع الأسعار، حسناً ولكن ألا تجري الأمور حالياً كما كانت سابقاً عندما لم يكن هناك حرب؟!..

وهناك من يضع اللوم على صعوبة نقل المنتجات بين المحافظات، ذلك أن كل المناطق الساخنة هي منتجة للمواد الغذائية، لذلك فإن نقل هذه المواد أصبح أمراً بالغ الصعوبة والخطورة رغم أن العرض غير قليل إطلاقاً، بينما يرجع أحدهم تباين أسعار المواد والمنتجات الغذائية بين تاجر وآخر إلى الوقت الذي يفتح سوق الهال أبوابه أمام التجار، فيقول: «يفتح السوق صباحاً من الساعة السادسة وحتى العاشرة، كذلك الأمر مساءً من الساعة السادسة إلى العاشرة.. والتاجر الذي يقصد السوق خارج هذه الأوقات يشتري بسعر مختلف ويبيع بسعر مختلف عن التاجر الذي تواجد في السوق في تلك الأوقات المحددة»، وهنا لابد من التركيز على أهمية أن تأخذ وزارة التموين فاتورة من التجار يومياً وعلى أساسها يحاسب التاجر لأن السوق يتغير كل 24 ساعة.

ويؤكد المتحدث حق المواطن في الحصول على سلع رخيصة، لكن للأسف فإن الفجوة بين الدخل والإنفاق ماتزال كبيرة،، لذلك على الحكومة الحالية أن تكون جادة في هذا الموضوع، وهذا كلام صحيح مئة بالمئة!!.

إن دراسة جادة لما يجري في سوق الهال توصلنا الى ثلاث نتائج:

الأولى: إن غالبية  تجار سوق الهال يصنفون بأنهم لا يتركون أية فرصة سانحة لرفع الأسعار إلا ويستفيدون منها، بسبب جشعهم، أما القول بأنهم  عدة أصناف وبينهم من يحاول جاهداً تأمين المواد الغذائية لكنه لم يتضرر كثيراً أو يتعرض للخطر، وبعضهم يعمل على تأمين السلع رغم ما أصابه من خسائر في المال والأملاك وهو ينقل هذه المواد من المنشأ إلى الأسواق، فإن كل هذا الكلام مردود ومرفوض كلياً لأنهم نوادر ونسبتهم تكاد لا تذكر.

الثانية: أن تجار سوق الهال رغم قلة عددهم في السوق إلا أن كل الوقائع تشير الى أنهم تجار محتكرون وقادرون على فرض الأسعار التي يريدونها، أبخس الأسعار عندما يشترون وأغلى الأسعار عندما يبيعون.

الثالثة: عدم وجود جهة رقابية تراقب عمليات الشراء والبيع داخل السوق وهم يستغلون هذا الوضع لأكبر درجة ممكنة، بل إنهم متضامنون فيما بينهم في تحديد الأسعار طالما أنهم خارج دائرة الرقابة وإذا باع الغير المازوت بـ50 أو 60 ل.س وأسطوانة الغاز بـ2000 ل.س وليتر البنزين بـ100 ل.س وربطة الخبز بـ 100 ل.س، فلماذا لا يشطون بأسعارهم ويحلقون معها الى الفضاء و«التجارة شطارة» كما يدعون؟!.

إذاً لا بد من وضع آلية لضبط الأسعار، لكن أحد أعضاء غرفة التجارة يقول: «لا أحد يستطيع ضبط الأسعار لا وزارة التموين ولا الشرطة ولا حماية المستهلك، الضمير والأخلاق وحدها تضبط الأسواق»، صاحبنا هنا يترك أمر ضبط الأسعار إلى الضمير والأخلاق وكأن الغش والتدليس والاحتكار ورفع الأسعار ليست من أخلاق تجارنا، وخصوصاً تجار سوق الهال، ولندع الضمير والأخلاق جانباً ونتساءل لماذا لا يتم كسر احتكار تجار سوق الهال ومراقبة أعمالهم؟.

وبطبيعة الحال، نستطيع أن نعمم مايجري في سوق الهال بدمشق على كل أسواق الهال بالوطن، وباعتبار أن عدد سكان دمشق يبلغ الخمسة ملايين نسمة فلماذا لا نحدث أسواق هال أضافية في الأحياء الكبرى لكسر الاحتكار؟ ثم لماذا لا يسمح للمنتج «الفلاح» بأن يبيع إنتاجه للمستهلك مباشرة عبر إحداث أسواق خاصة بالمنتجين يبيعون فيها إنتاجهم مباشرة دون وجود وسيط يأكل الأخضر واليابس ولا يعطيهم سوى الفتات؟ ونقول كما قال البعض: إن الأسعار نار، وهناك آلاف الأسر لاتستطيع تأمين حتى ربطة الخبز لأطفالها، بينما يقول التجار وأعوانهم: إن الأسعار مناسبة!.