القانون والتطبيق.. والمواطنة
ربما يكون السبب الرئيسي لحدوث الفصل الطبقي في مجتمعنا هو إنشاء مجموعة من القوانين (المراسيم) غير الدقيقة، والتي تتيح لمجموعة من الفاسدين تصميم قرارات وتعاميم وأوامر إدارية تسمح لبعض المواطنين بأكل حقوق مواطنين آخرين، وبالقانون!..
هذا طبعاً أرقى أنواع الفساد المنظم، بحيث يصبح الفساد قانونياً، ومع أول قرار ظالم يبدأ المجتمع بالإنهيار الإقتصادي، ومن الطبيعي أنه لو كان لهؤلاء المواطنين المظلومين منظمات شعبية أو مهنية أو سياسية حقيقية تسمعهم وتنقل مطالبهم واعتراضاتهم للمستوى الأعلى للتعديل المباشر والمحاسبة لمن حرّف القانون لمصلحته فقط، لما استمر الخطأ (الفساد) فترة طويلة حتى يكافح، ولما حدث الفصل الطبقي في بلد أسس بثورة شعبية خالدة لا تنسى أبداً، حيث تمت قيادة الثورة من عظماء أعادوا للمظلومين حقوقهم في يوم وليلة، وتم الإتفاق والالتفاف حول قيادة حزبية صادقة على هذه الأسس لمنع الاستغلال والاحتكار، وتوزيع الثروات الوطنية والأرباح، وحماية الحقوق وقيادة القطاع العام من العمال والفلاحين والمثقفين وصغار الكسبة، ولكن في زماننا يمكن القول إن منشأة من القطاع العام تم بناؤها من المال العام وتأمين أجهزتها من المال العام ويتم ترميمها وصيانة أجهزتها من المال العام وأجور العاملين فيها من المال العام، لكن أرباح هذه المنشأة تعود بنسبة -600 700 ضعف لمجموعة قليلة جداً من العاملين لا يشكلون %1 من تعداد العاملين فيها، ويركبون السيارات الفارهة ويشترون المساكن الراقية ويسافرون للسياحة والعمل وكأنهم يعيشون على كوكب آخر، أما بقية العاملين فهم من ذوي الدخل المحدود وعلى الدولة تأمين متطلباتهم وسكنهم وطبابتهم و تدريس أطفالهم وغيرها من متطلبات المواطنين العاديين.. ولكن إحتراماً لغيرهم يحصلون على نسبة مما يتبقى من أرباح المؤسسة بعد دفع قطع أجورهم وأجور الصيانة والمكافآت والندوات.. الخ، وهذا كله بالقانون! فبناءً على متطلبات المصلحة العامة، وحسب المرسوم الصادر رقم كذا /تاريخ كذا، وبناءً على موافقة فلان؛ يسمح بسرقة حقوق العاملين التالية أسماؤهم لصالح العاملين التالية أسماؤهم لعدم وجود من يمثلهم أو من ينقل صوتهم لمستوى أعلى أو من يقبل شكوى مقدمة من أحدهم لتسجيلها في أي ديوان رسمي معتمد ليساءل عليها مستقبلاً، فهم لم يشتكوا أبداً وهم فقط من يجب عليهم النضال والكفاح ضد العدو الإسرائيلي والمؤامرات الدولية التي تحاك ضدنا باستمرار، ويكفيهم فخراً أنهم فعلاً أبطال حقيقيون، ولكن من يعتلي منابرهم ويتكلم باسمهم يختاره الآخرون الذين يتغنون بحب الوطن والدفاع عن أهله وشعبه بأرواحهم ودمائهم ولكن يبدو أنهم لن يضحوا بمكاسبهم القانونية المادية ولو بقرش واحد بعد أن حصلوا عليه بزيارة لفلان الذي أصدر قراراً يريدونه بناء على مقتضيات المصلحة العامة وباسم الشعب يأكلون و يشربون دم الشعب..
فهل فهمنا الفرق بين القانون والقرار والأمر الإداري والتعميم والنص التنفيذي؟ القانون هو ما يصدر عن السيد الرئيس بعد دراسته من مجلس الشعب فيصبح قانوناً، وكل ما دون ذلك بحاجة لدراسته قبل الختم والتوقيع من قبل شخص واحد، فالمهندس ليس مشرّعاً والطبيب ليس مشرّعاً.. ولا يجوز أصلاً أن يصدر قرار بختم وتوقيع واحد إلا من قبل السيد الرئيس حصراً، وكل ما دون ذلك بحاجة للموافقة عليه من الجهات المعنية الأخرى والمنظمات الشعبية المتضررة والمستفيدة، فإن طبق الأمر نكون قد جهزنا أول نعش للفساد والظلم وبدأنا بمساءلة كل من أصدر قراراً لصالح فلان على حساب فلان، فالقرار ينفذ مباشرة أما المرسوم فهو بحاجة لدراسة ليفكوا طلاسمه التي تمنعهم من الفساد وجمع الأموال، وفي النهاية نقول لهم نحن لا نكرهكم ولكنكم مخطؤون على الأقل بحق المواطنة!.