الكبار يخالفون والمواطن.. يدفع الثمن لتحرير السكن من العشوائية.. القضاء على الفساد أولاً!
نزار عادلة نزار عادلة

الكبار يخالفون والمواطن.. يدفع الثمن لتحرير السكن من العشوائية.. القضاء على الفساد أولاً!

اكتشفت لجان المتابعة المسؤولة عن عمل البلديات في أكثر المحافظات السورية من خلال زياراتها الميدانية والشكاوى الواردة إليها أن عدداً كبيراً من مخالفات البناء في المدن السورية ارتكبها مسؤولون كبار وقد وصلت في إحدى المحافظات إلى 48 مخالفة فقط ارتكبها أمين فرع الحزب وعزل من موقعه.

كيف ولماذا؟

عام 2003 صدر القانون رقم 1 لمعالجة مشكلة المخالفات السكنية أو الحد منها، لكن التطبيق الفعلي لهذا القانون مازال غائباً، فالمخالفات زادت وتوسعت وازدادت الرشاوى، وقد أفسد هذا القانون من لم يكن فاسداً في المدن والبلدات، بل وأفسد عمال البناء في 60 مهنة ومن نتائجه عشرات الآلاف من العمال العاطلين عن العمل.

ضابطة البناء في البلديات ومجالس المدن وبالتواطؤ مع بعض المتنفذين وتجار الأرض والعقارات شكلوا مافيا تحكمت بالمواطن ومازال القانون سارياً ومازالت المخالفات تكبر وتتوسع. وتقول الإحصائيات إن 60% من السكن في سورية مخالف وعشوائي والمسألة ليست وليدة اللحظة، وإنما تعود إلى أكثر من 40 عاماً تفاعلت وازدادت حدة وباتت سمة مميزة في جميع المحافظات السورية.

الأسباب

التطور الاقتصادي والاجتماعي والهجرة من الريف إلى المدينة سببا ضغطاً سكانياً على المدن والضواحي، ولهذا ازداد الاهتمام بنشاط السكن وأحدثت الدولة مؤسسات التعاون السكني للمساهمة في مواجهة مشكلة السكن، ولكن تنفيذ الوحدات السكنية عانى ويعانى تدنياً لأسباب عديدة:

عدم تصديق المخططات التنظيمية من مجالس المدن والبلديات.

عدم توفير الأراضي الجاهزة للبناء وارتفاع أسعارها.

أيضاً العقبة الحقيقية في وجه تنفيذ نظام الإدارة المحلية تكمن في عدم نقل جميع الاختصاصات التي نص عليها القانون إلى المجالس المحلية، وهذا يستدعي وضع برامج زمنية محددة وفعالة وملزمة لنقل الاختصاصات والاعتمادات المالية والعاملين من الوزارات والإدارات إلى المجالس المحلية، أيضاً لا توجد استقلالية للمجالس المحلية في ممارسة اختصاصاتها.

تشدد.. ولكن

منذ أكثر من عام والبلاغات تصدر يومياً عن وزارة الإدارة المحلية، كلها تؤكد على فرض غرامات وعلى التشدد في المخالفات، وكذلك عقدت أكثر من ندوة حول إيجاد البدائل عن المخالفات القائمة، ولكن المطلع والمتابع يجد على أرض الواقع أن المخالفات يومية وترتكب في عز الظهيرة والسؤال: من المستفيد؟

السؤال أبسط من أجابته، المستفيد هم أولئك الذين يريدون للقانون أن يبقى حبراً على الورق، وهو كذلك فعلاً لأن المخالفات تتمدد على الأرض، وتنتفخ الجيوب من صغار الموظفين إلى مجموعة في الأعلى تتستر على المخالفات، وفي الأعلى يرتكبون المخالفات والتقارير التفتيشية ترصد مئات المخالفات يومياً في جميع المدن.. والمكاتب الفنية تقوم فقط بهدم مخالفات الفقراء، أي من يريد أن يبني غرفة جوار يحيد بالغرفتين، مطبخ، غرفة ليتزوج،  فرد جديد في العائلة.. أما البنايات والطوابق التي ترتفع داخل المخطط التنظيمي وخارجه فلا تثير تساؤل أحد!.

غرامات مهملة

القانون كان يفرض غرامة 5000 ل.س على المخالف عبر سنوات طويلة وتتم مصالحة المخالفة، وقد امتد هذا حتى عام 2003 بالقانون رقم 12 الذي أعاد النظر بالعقوبات والتشدد في قمع المخالفات ومحاسبة المقصرين. القانون اعتبر المخالفات التي سبقت صدوره أمراً واقعاً، وقد جاء لينظم ما بعد صدوره من ضابطة البناء ونظام البناء وتشدد القانون في العقوبة والغرامة على المخالف والذي سهل له المخالفة ومع كل ذلك اتسعت دائرة المخالفات، وازدادت الرشوة وتشكلت مافيات جديدة عملها الوحيد واختصاصها هو قطاع المخالفات.

يلاحظ بوضوح قصور خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية عن إقامة مشاريع إنتاجية، وخصوصاً في المناطق الشرقية، لذلك فقد بدأ النزوح إلى المدن وتحديداً دمشق حيث العمل والوظيفة. يضاف إلى القصور سبب هام وهو تكرار المواسم القاحلة في المحافظات الشرقية وقد بلغ عدد الذين نزحوا أكثر من 300 ألف مواطن في دمشق فقط، وكل ذلك وسط صمت الجهات الحكومية ولكن بعد سنوات سوف تشعر هذه الجهات بأن هؤلاء بنوا المخالفات وسكنوها.

الإسكان... الإسكان

تعمل في هذا المجال القطاعات التالية: العام والتعاوني والخاص وتقوم المؤسسة العامة للإسكان بانجاز أعمالها من خلال التعاقد مع الجهات العامة.

ومن خلال استعراض المؤشرات الكمية والنوعية لمنجزات القطاعات المذكورة يتبين بأن القطاعين العام والتعاوني يعانيان من صعوبات عديدة، وهذه الصعوبات من صنع الجهات الوصائية وأبرزها:

عدم إنجاز المخططات التنظيمية وعدم توفر الأراضي للجمعيات السكنية ومشاكل رخص البناء والتعقيدات  الكبيرة  في حين ينشط القطاع الخاص من خلال الرشوة والشركات مع المتنفذين...

سألت وزير إسكان سابق وكان في موقعه؛ ما رأيك بالشركات العقارية التي دخلت سورية مؤخراً؟ فقال حرفياً: «جميعها شركات نصب واحتيال».

وبعد سنوات على دخول هذه الشركات الاستثمارية اكتشفنا بأنها شركات نصب واحتيال بل وأن بعضها يجمع الأموال من المكتتبين ويهربها إلى الخارج.

وأروقة القضاء شاهد على ذلك من خلال آلاف القضايا التي رفعت من المواطنين.

مجالس المدن

في مجالس المدن والبلدات جميعها صراعات ومشاجرات دائمة ليس باتجاه تقديم الخدمات للمواطنين، وإنما باتجاه التسابق للرشوة والإثراء على حساب المواطن والتلاعب بالمخططات التنظيمية والتغاضي عن المخالفات، وتشهد جميع المدن والبلدات اعتداءات على عقاراتها دون استثناء، وكذلك تمتلئ بالمخالفات والرشاوى والفساد، وقد أفسد قانون البناء من لم يكن فاسداً وتقف الجهات الوصائية تتفرج على هذا الواقع دون أن تتخذ قراراً حاسماً.. فإلى متى؟!