العنف والعنف المضاد.. في دمشق وريفها.. لجوءٍ وأضرار جسيمة بالمتلكات
مع انطلاق الحركة الاحتجاجية واللجوء إلى الحلول الأمنية دون غيرها، تعرض المواطنون في ريف دمشق إلى ممارسات قمعية شديدة خلقت المزيد من الاحتقان والتوتر، ومع تعقيد الأزمة وبروز ظاهرة المسلحين ووقوع مواجهات بين القوى النظامية وبعض المسلحين، بدا المواطن خارج حسابات أطراف الصراع المسلح، علماً بأنه المتضرر الوحيد مما يجري على الأرض مهما اختلف الفقهاء والسياسيون، فهو وحده من يدفع ثمن الدمار الناجم عن العنف والحلول الأمنية التي وضعتها الدولة في المقدمة لمواجهة الأعمال المسلحة التي باتت تنتشر في معظم المحافظات السورية، ابتداء من حماة إلى حمص ودير الزور و درعا، ووصولاُ إلى محافظة ريف دمشق التي ذاق أهلها الأمرين جراء هذه الأعمال التي حصدت الحجر والبشر هناك، والتي خلفت أضراراً مادية في المساكن والمحال التجارية والسيارات الخاصة والعمومية لا تعد ولا تحصى.
لقد أُجبر الكثيرون من أهالي هذه المناطق على النزوح عن مناطقهم هرباً من رائحة الموت التي باتت تنتشر في معظم المحافظات السورية، بعد أن دمرت منازل عدد كبير منهم و باتوا دون مأوى، في ظل ظروف اقتصادية متردية لا تسمح لهم بإعادة ترميم أو بناء مساكنهم من جديد، لأن معظم هؤلاء المتضررين مادياً من هذه الأعمال، ينتمون إلى طبقة محدودي الدخل قبل أن يتحولوا إلى طبقة معدومي الدخل نتيجة طول فترة الأزمة، وما خلفتها من دمار و خسائر مادية.
وبناءً على مجريات الأمور يمكن الاستنتاج بأن محافظة دمشق ربما لن تكون الأخيرة التي وصلتها أعمال العنف، خاصةً وقد شهد سكان دمشق آثار هذه الأعمال في العديد من شوارعها وأزقتها المكتظة.
الأضرار المادية في دوما
بعد إعلان الدولة انتهاء العملية الأمنية في مدينة دوما، ومطالبتها للأهالي بالعودة إلى مساكنهم، وممارسة حياتهم الطبيعية، وجد عدد كبير من أهالي دوما منازلهم مدمرة كلياً أو جزئياً، فالأضرار المادية في دوما تنوعت بين دمار كامل للمنازل أو دمار جزء من المنزل، أو تكسير أبواب هذه المنازل ونهب محتوياتها، كما لم تسلم المحال التجارية لبعض أهالي دوما من الدمار أو الحرق أو النهب، خصوصاً في شارع القوتلي وسوق دوما التجاري، وشوارع أخرى لم تسلم مما ذكر.
يصف المواطن (غ،ف) لـ«قاسيون» ما تعرض له منزله من أضرار مادية جراء الأحداث الذي تعرضت له دوما، بالقول:«قبل أن نجبر على إخلاء منازلنا واللجوء إلى منطقة أخرى، تعرض منزلي لرصاصتين أعتقد أنها لرشاش (بي كي سيه) أو (رشاش 500) ما خلف فجوتين في جدران المنزل، و هلع أطفالي وزوجتي فقررت ترك المنزل خوفاً من أن يتهدم المنزل أو أحد جدرانه على أبنائي نتيجة قذيفة طائشة، وبعد أن هدأت الأمور في دوما قررت العودة إلى المنزل لجلب بعد الحاجيات، لأجد مدخل البناء وقد تلونت جدرانه ودرجاته بلون الدم من أسفله إلى آخر طابق حيث يوجد منزلي، كما أنني وجدت معظم منازل البناء قد كسرت أبوابها ونهب ما بداخلها وبمجرد وصولي إلى الطابق الخامس حيث أسكن وجدت منزلي في حالة مزرية فمعظم زجاج المنزل قد هوى كما وجدت عدة فجوات في جدران منزلي، والحمد الله كان الطابق الخامس في هذا البناء وحده من سلم من تكسير الأبواب وأعمال النهب، إلا أن منزلي ومنزل جاري لم يسلما من بعض الأضرار التي تعتبر طفيفة مقارنة بالمنازل الأخرى في البناء أو بالمنازل الأخرى التي دمرت تماماً في الشوارع المجاورة، لكن رغم ذلك لن يكون بمقدوري ترميم هذه الأضرار التي لحقت بمنزلي في الوقت الحالي بسبب ضعف إمكاناتي المادية فأنا أعمل سائق تكسي عمومي والحركة قليلة نسبياً، فبالكاد نستطيع تحصيل قوت يومنا و في بعض الأحيان لا نستطيع الخروج للعمل بسبب منعنا من الحواجز الأمنية من الخروج بالسيارات العمومية والخصوصية من المناطق التي لجأنا إليها».
ويبدو من كلام المواطن أن الأضرار المادية لم تقتصر على المنازل بل تعدتها لتشمل المحال التجارية، التي تعرض بعضها للحرق أو تكسير واجهاته ونهب محتوياته و بعضها الآخر للتدمير الكامل كما حدث لبعض المحال في سوق دوما التجاري.
أما مصيبة (ب، ع) فكانت الأكثر إيلاماً، إذ دمر منزله تماماً، وكان قد اشتراه بالتقسيط، ولا يزال عليه من ثمنه ما يقارب ثلاث مئة ألف ليرة، وهو بهذه الحال خسر البيت الذي عليه تسديد ما بقي من ثمنه، إضافةً إلى ما سيكون عليه من إيجار يجب أن يدفعه لقاء البيت الذي أستأجره بعد إجباره على إخلاء منزله في دوما.
أحد أصحاب المحال التجارية لبيع الثياب في سوق دوما يصف لـ«قاسيون» ما حل بمحله التجاري بالقول: «تعرض محلي للحرق بما فيه من بضائع، ولم تبق النار على شيء من محتوياته ولم يقتصر هذا الحريق على محلي وحده بل طال عدداً من المحال المجاورة في هذا السوق ومع تصاعد وتيرة العنف في ما بعد تعرض عدد كبير من المحال التجارية والمطاعم الصغيرة الموجودة في السوق إلى الدمار بشكل كامل وأنا بذلك فقدت مصدر رزقي الوحيد، تعرضت لخسارة كبيرة فكل ما أملكه من أموال وضعته ثمناً للبضائع التي أحرقت داخل المحل، كما أن بعضها لم أسدد ثمنه بعد، وبهذا سأكون عاجزاُ عن تسديد ثمن البضاعة التي خسرتها بحرق المحل».
أما المواطن (ف، س) فيقول: «تعرض محلي لدمار بشكل كامل»، وهو كذلك وضع كل ما يملكه في هذا المحل ثمناً للبضائع التي أشتراها مؤخراً قبل أن يدمر محله فوقها، وأضاف موضحاً: «نتيجة لأعمال العنف فقدنا مصادر رزقنا فما رأي المسؤولين في ما تعرضنا له؟ هل يفكرون بتعويض من تضرروا نتيجة العنف المزدوج والحلول الأمنية المتبعة أم أن المواطن بات خارج حساباتهم؟».
وفي جولة لـ«قاسيون» تبين أن الأضرار المادية التي تعرض لها أهالي مدينة دوما شملت السيارات الخصوصية والعمومية التي يعتمد عدد كبير من الأهالي عليها في كسب قوت يومهم، خصوصاً أن معظمهم لا يملك هذه السيارات، بل يعمل عليها إما بأجرة يومية أو بشكل استثمار لمدة محددة، وبهذا فإن من يعمل على السيارة التي ذهبت جراء سقوط قذيفة أو جدار عليها سيكون مضطراً لدفع ثمنها الذي لو كان يملكه لاشترى سيارة خاصة به ليعمل عليها بدل أن يلجأ لاستثمار واحدة وتقاسم عرق جبينه مع شخص آخر.
وفي هذا السياق، يقول المواطن (ث، م): «أنا أعمل سائقاً على سيارة أجرة، وهي ليست لي بل استثمرتها من أحد الأشخاص لمدة محددة، لكنها تعرضت لتكسير بسبب سقوط أحد جدران الأبنية التي كنت أوقف السيارة بجانبها، نتيجة تعرضه لأحد القذائف، وهي بما تعرضت له من تحطيم كامل سأكون مضطراً لدفع ثمنها بالكامل والذي لا أملك منه شيئاً لصاحبها ولا أعرف كيف سأخرج من هذا المأزق، خصوصاً أني لن أجد من يقرضني هذا المبلغ في الوقت الحالي نتيجة الظروف الاقتصادية المتردية، وفي حال فكرت أن ألجأ لأحد البنوك لاقتراض المبلغ فهم يحتاجون لضمانات وأنا لا أملك حتى منزلاً فمنزلي بالآجار».
مناطق أخرى من ريف دمشق
امتدت الأضرار المادية لتشمل مناطق أخرى من ريف دمشق كـ«زملكا» التي تعتبر أقل مناطق الريف تضرراً حتى الآن على الأقل، حيث اقتصرت الأضرار على تكسير أبواب المنازل نتيجة المداهمات والحلول الأمنية بحثاً عن مسلحين، وفي بعض الحالات سرقة بعض محتويات المنازل على حد قول بعض الأهالي.
يقول (ص، ص): «نتيجة أعمال العنف التي شهدتها زملكا والحلول الأمنية ومداهمة المنازل بحثاً عن مسلحين، تعرض باب منزلي للكسر، والحمد الله بأني كنت قد اتخذت قراراً بنقل أمي وأختي إلى منطقة أخرى عند أحد أقاربنا قبل المداهمات بيومين، وعندما عدنا إلى المنزل وجدنا باب المنزل الخارجي مكسوراً، فلو كنا داخل المنزل هل كانوا سيستأذنون بتفتيش المنزل أم سيدخلون دون استئذان، فكما تعلم عاداتنا وتقاليدنا لا تسمح بكشف نسائنا على الغرباء».
يمتد العنف كل يوم إلى أطراف جديدة في محافظة ريف دمشق، ليصل مؤخراً إلى بلدة يلدا و ببيلا والحجر الأسود قبل أن يتفجر في قلب مدينة دمشق مؤخراً.
ففي بلدة يلدا التي شهدت مؤخراً أعمال عنف مزدوج، تحدث بعض شهود العيان لـ«قاسيون» عن سقوط بناءين سكنيين مؤلف كل واحد منهما من خمسة طوابق نتيجة تعرضهم لعدة قذائف ثقيلة، خلف جامع الصالحين وبالقرب من مشفى الحريري في هذه البلدة.
وأضافت شاهدة العيان بالقول: «نظرت من شباك منزلي الذي يطل من مسافة قريبة تسمح لي برؤية القذائف وهي تهوي على البناءين قبل أن ينهارا بشكل كامل».
الدمار في القابون
يشاهد كل من يمر من اتوستراد حلب الدولي الحجم الهائل من الدمار على جانبي الطريق في منطقة القابون جراء الأحداث التي شهدتها هذه المنطقة مؤخراً، ما تسبب بأضرار مادية كبيرة طالت منازل السكان ومحلاتهم وسياراتهم، وتتراوح الأضرار بين هدم كامل للمنازل أو جزئي، أو حرق ممتلكات الأهالي جراء القذائف التي سقطت على هذه المنطقة أثناء نشوب أعمال العنف الناجمة عن ملاحقة المسلحين، والتي ألحقت أضراراً لا تعد ولا تحصى بممتلكات أهالي المنطقة ممن لا ناقة لهم ولا جمل في هذه المعارك، ولم تقتصر الأضرار على تلك الأبنية المنذرة بالهدم في منطقة القابون منذ عدة سنوات، بل تخطتها لتشمل مناطق أخرى من القابون، خصوصاً تلك الأبنية التي حالف أصحابها الحظ ولم يفقدوا إلا نصف مساحة منازلهم نتيجة الهدم الذي قامت به الدولة بحجة المنفعة العامة منذ عامين تقريباً، عندما تم بناء عقد الطرق الجديدة عند بانوراما حرستا، وحينها أعاد الأهالي ترميم ما بقي من منازلهم، إلا أن الأحداث العنيفة الأخيرة التي نشبت في هذه المنطقة أعادت هدم ما رممه أهالي منطقة القابون.
يقول (ه، ز) أحد سكان القابون الذين تضررت ممتلكاتهم جراء أحداث العنف المزدوج التي حدثت في هذه المنطقة: «منذ عامين تقريباً فقدت نصف مساحة منزلي نتيجة أوامر الهدم والإزالة التي قامت بها الدولة حينها بحجة المنفعة العامة أي بناء عقد الطرق الجديدة، فإحدى هذه الطرق التي أنشأتها الدولة يمر بالنصف الأول من منزلي المطل على الشارع، فأعدت ترميم ما بقي من منزلي، لكن الأحداث العنيفة الذي نشبت في القابون أجهزت على ما بقي من منزلي، إضافة إلى عدة منازل مجاورة، فمنها ما هدم كلياً ومنها ما تعرض للحرق، كما أن بعض المحلات التجارية الصغيرة في حينا تعرضت للهدم وبقي أصحابها دون مصدر الرزق، وأنا الآن دون مأوى وأسكن عند أحد أقاربي في دمشق، فهل الدولة ستقوم بتعويض من هدمت منازلهم؟ أم علينا أن نكون ضحية ما يحدث؟ مع أنني لا علاقة لي بطرفي الصراع!».
أما الأبنية التي تعرضت لدمار بشكل كامل فوق ما تحويه من أثاث وممتلكات شخصية، كانت تلك الأبنية المنذرة بالهدم مسبقاً بحجة المنفعة العامة، وكأن الدولة قالت في نفسها «صارت وصارت لنهد» ليفقد عدد كبير من أهالي كل ما يملكون بغض النظر عن منازلهم التي هدمت بالكامل.
يقول (ث، ل): «منزلي من المنازل المنذرة بالهدم منذ مدة ولكن لم نخله بسبب عدم صدور أمر نهائي بإخلاء المنزل، لكن ماحدث في منطقتنا المنذرة بالهدم كانت لدولة بمثابة ضرب عصفورين بحجر واحد ملاحقة المسلحين وهدم المنازل المنذرة بالهدم على ما يبدو.
فمنزلي هدم على ما فيه من أثاث و ممتلكات شخصية و أوراق مهمة، لم أستطع إخراج شيء منه، فالعنف كان شديداً، لدرجة أن خروجي مع زوجتي وأولادي من المنزل قبل أن يدمر كان أنجازاً، وأنا الآن دون منزل ودون أثاث، وعلي استئجار منزل مفروش بسعر مضاعف رغم أني موظف، لا داعي لأشرح لكم الوضع المادي للموظف و ما يعانيه في بلادنا نتيجة الغلاء الفاحش الذي طال كل شيء، إضافة إلى استغلال بعض تجار الأزمات، للأزمة التي تعيشها سورية لجني أرباح مضاعفة على حساب المواطن الفقير في ظل غياب الرقابة».
عربين..
من يَزُر منطقة عربين سيلحظ على الفور الدمار الذي تعرضت له هذه المنطقة نتيجة أعمال العنف الذي لم يستثن حتى الشوارع من آثاره المدمرة. ويقول (ي، ز) الذي يعمل في أحد مشاغل الخياطة في عربين: «مع وصول العنف إلى منطقة عربين توقف المشغل الذي أعمل به لمدة عن العمل، وبعد توقف العنف فيها عدنا للمشغل، لكن ما رأيته من دمار في الشوارع يفوق التصور فالمنازل المهدمة والمحال والسيارات المحروقة المنتشرة على الطريق، وحتى الشوارع لم تسلم من الأذى فمعظم شوارعها قد تعرضت لضربات بالأسلحة الثقيلة مما تسبب بحدوث فجوات كبيرة ومتعددة في كل شارع».
العنف في دمشق
مع تزايد وتيرة الأزمة امتد العنف لـيصل «مدينة دمشق» العاصمة، والتي شهدت في الآونة الأخيرة أعمال مسلحة عنيفة بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة داخل المدينة وعلى أطرافها، الأمر الذي جعل لبعض المناطق فيها نصيب من الدمار والخراب في الأبنية والممتلكات العامة والخاصة فيها، كمنطقة التضامن والحجر الأسود التي تركز معظم أعمال العنف والعنف المضاد فيها، ما أدى إلى تهجير معظم أهالي هذه المناطق هرباً من الموت، إلى مناطق أخرى أكثر هدوءاً، بعد أن فقد عدد كبير منهم منازلهم وممتلكاتهم فيها خصوصاً في شارع «دعبول» الذي تعرض للدمار في معظمه كما يقول أهالي هذه المنطقة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في نفوس هؤلاء العائلات التي هجرت، الآن وجدنا مكانا نلجأ إليه، ولكن لو استمر العنف في الانتشار وشمل المناطق التي لجأنا إليها إلى أين سنلجأ؟!.
ويبدو أنه سؤال يساور كل السوريين اليوم.. فإلى أين سنلجأ حقاً؟!