قطن الحسكة.. وقائع تستدعي دقّ ناقوسِ الخطر
انخفض عدد مزارعي القطن إلى النصف تقريباً، بعد أن أصبح الاستمرار في زراعته أمراً مستحيلاً، فالتكاليف العالية لليد العاملة والمحروقات أصبحت أضعافاً مضاعفة، مضافاً إلى ذلك تدني نسب الترخيص الزراعي للمساحات المسموح بزراعتها من القطن وهي 18 %، إضافة إلى تدني نسبة الإنتاج هذا العام رغم التقارير الصادرة من وزارة الزراعة ومديرياتها بوصف الحالة بالجيدة بداية الموسم، إلا أن الأمور انعكست، وتعددت الأسباب في تصريحات الجهات المعنية والموت واحد!! مع العلم أن مساحات محصول القطن المصابة بديدان اللوز الشوكية حسب تقرير مديرية زراعة الحسكة قد تجاوز /90/ % من إجمالي المساحة المزروعة، حيث أصابت ديدان اللوز الشوكية مساحة /47/ ألف هكتار من إجمالي المساحة المزروعة البالغة /52/ ألف هكتار، وهذا ما أدى إلى تدني
الإنتاج بسبب التفتح القسري للجوزة بسب وجود الديدان اللوزية، والمناخ الذي ساد المنطقة خلال الفترة الأولى من النمو، مما أدى إلى سقوط أجزاء ثمرية حكماً، وتخوف العديد من الفلاحين من عدم الحصول حتى على المصاريف التي تم صرفها من مستلزمات الزراعة من محروقات وبذار وأدوية. في حين قام العديد من الفلاحين ببيع مساحات من القطن المزروع للرعي وهجر القطن الأرض ونزل بيت الشعر بسبب الإصابات الكبيرة في حقول القطن.
وفي الوقت الذي تصل فيه تكاليف حفر البئر وتجهيزه إلى أكثر من مليون ومائتي ألف ليرة سورية، فالأرباح الناتجة عن هذه المساحة لا تكفي لتسديد القروض المأخوذة من المصرف الزراعي لحفر البئر فقط، وهناك ما سمي بالتكافل والتضامن الزراعي الذي لم تحل مشكلاته حتى الآن بين الفلاحين، إذ يتم أحياناً حجز مبالغ من إنتاج الفلاح البريء الذمة إلى المصرف الزراعي بدلاً من فلاح آخر مدين لهذا المصرف، والجميع يدرك تماماً أن خسارة أي مزارع للقطن من مساحة 50 دونماً لا تقل عن مائتي ألف ليرة في هذا العام، فمن سيعوض هذا المزارع الخاسر؟
القطن هجر الأرض ونزل بيت الشعر
مصادر مطلعة في اتحاد الفلاحين قالت: إن حقول القطن تأثرت هذا العام بالديدان التي ظهرت على جوزة القطن مبكراً، حيث أن الحقول تعطي غالباً ما بين 400 إلى 500 كيلو غرام في السنوات الجيدة، ولكن إنتاج الموسم الحالي لا يتجاوز 100 كيلو غرام في الدونم الواحد، وهذا الإنتاج ضعيف جداً مقارنة بالسنوات الأخرى، ولم تستطع مديرية الزراعة بالحسكة سوى مكافحة 2000 هكتار من المساحة المصابة المزروعة بالقطن، وجرى تقديم عدد من المقترحات، منها دفع أجور النقل والعتالة واقتطاعها من فاتورة الفلاح، وعدم تحويل كميات الفلاحين إلى محالج المحافظات الأخرى.
وأضافت المصادر بأن الكارثة وقعت، وقبلها كانت كارثة الصدأ الأصفر، ولا ندري أي نوع من الأمراض والآفات ستصيب المحاصيل مستقبلاً؟؟ ونحن في هذه المحافظة لا نعرف غير الزراعة، ومحصول القطن هو المحصول الصيفي الرئيسي في الجزيرة، وللأسف فإن هذا الموسم في كافة المناطق صار تحت رحمة الديدان. وأوضاع الفلاحين المادية معروفة، حيث أن أكثرهم يئن تحت وطأة الديون والفوائد التي تتجاوز نسبة /75%/ من رأس المال الحقيقي، مقابل وارد خلال موسمين متتاليين لا تغطي عائداته تكاليف الإنتاج الحقيقية.. وفي ظل هذا الواقع سنكون أمام عجز مادي، سيكون له تأثير مؤكد على استمرار الفلاحين في زراعة أراضيهم، فزراعتنا أصبحت مهددة والواقع مأساوي حيث إن شجيرات القطن في كثير من الحقول فقدت كامل ثمارها، والقليل فقط من جوز القطن لم تنخره الدودة، وبالتأكيد لن يسلم جوز القطن المتبقي.
إن واقع الجفاف وتوقف الكثيرين عن زراعة محصول القطن وتدني الإنتاج بسبب الإصابة بدودة اللوز، انعكس على الواقع الاقتصادي المتردي أصلاً منذ سنوات في المحافظة، ودخل الناس في نفق مظلم تسوده البطالة والفساد والحاجة وتردي الوضع المعيشي.
فهل ظلت النتائج السلبية للإقلاع عن هذه الزراعة مرتبطة بالنتائج الاقتصادية والمادية المنعكسة على حالة الفرد والأسرة الفلاحة فقط، أم أن النتائج تجاوزت أكثر من ذلك من خلال ظاهرة انتشرت انتشاراً كبيراً في ريف وقرى المحافظة، وهي مسألة الهجرة التي يأمل الجميع أن تكون مؤقتة؟
هذه الظاهرة يراها البعض أنها غير واضحة المعالم حتى الآن، مع أن نسبة الأسر المهاجرة للعمل إلى بقية المحافظات والدول المجاورة لبنان وتركيا ناهيك عن الهجرة إلى أوربا تقدر بين 30 إلى 40 بالمئة من سكان بعض القرى والمدن في المحافظة.. هذه الهجرة تفتك بحال القرى، إذ أصبح لا مفر من السفر والهجرة سعياً إلى تأمين الرزق اليومي.
لقد بات الأمر من الضرورة الملحّة بمكان لا يسعنا إلا أن ننبّه إلى أهمية إيجاد خطط وبرامج من شأنها خدمة الاتجاه الصحيح, «لأنّ استقرار أيّ مجتمع يرتبط إلى حدّ كبير بما يحمل من مقوّمات الحياة الآمنة المزدهرة اقتصادياً و اجتماعياً لكفالة الحد الأدنى المطلوب لحياة آمنة، بعيدة عن شبح الفقر، و آفة الإملاق»، وهذا يقتضي وقفة وطنية جادّة ومسؤولة من الجميع بدراسة الوضع والوقوف عليه، وحسن تحليله والارتقاء في كل ذلك إلى حسّ وطني و أخلاقي، يأخذ بالدرجة الأولى الحاجة الوطنية العليا للمواطن لنعصمه من كارثة اقتصادية حقيقية، تستدعي جهداً وطنياً متكاملاً، وإدراكاً حقيقياً للمسؤولية ليعيش بكرامته، ولتحقيق أمانيه في حياة حرّة كريمة.