التَّلوُّث فأسٌ أوقفوه قبل أن يصيبَ الرأس
ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

التَّلوُّث فأسٌ أوقفوه قبل أن يصيبَ الرأس

تم التعاقد لإنشاء خليتين لمعالجة النفايات بحماة بـ141مليون ليرة سورية، وذلك من أجل تجنب تأثيرها السلبي على البيئة والحد من التلوث البصري. وهذا النوع من التلوث هو أقلها ضرراً، فماذا عن التلوث البيئي الذي أصاب البنية التحتية لسورية بأضرار قد يلزمنا عشرات السنين من أجل إزالته ومعالجة تأثيراته السلبية، ليس من ناحية التلوث البصري فقط بل والبيولوجي بالنسبة للأرض والمياه الجوفية والتربة والزراعة، والتلوث الصحي بالنسبة للبشر الذين يعيشون وسط هذا التلوث الهائل، ومازال مستمرا دون أن نفكر بشكل جدي لإزالته وإرجاع الأمور إلى نصابها.

ولإعطاء صورة حقيقية عن حجم التلوث البيئي غير المسبوق في سورية يكفي أن نراجع بعض عناوين الصحف، مثل:

دمار شامل للبيئة السورية، حمص بؤرة للتلوث البيئي، شركة الأسمدة تعترف بالانبعاثات وتشير إلى جهات أخرى ملوثة، وماذا بقي من الحسكة لم يلوث؟! المياه تشكو والصرف الصحي مصيبة والأوكسجين ملوث ونفايات لاتنتهي.

التلوث استوطن الرقة مسبباً السرطانات والإعاقات والتشوهات الولادية، مصبات سبعة للصرف الصحي تلقي سمومها في الفرات، دير الزور تصب ملوثاتها في فراتها، صيد جائر ونفايات وتربة ملوثة، وخضراوات تسقى بالصرف الصحي، معمل الورق يرمي زئبقه فيدمر الأعصاب ويقتل خلايا الإنسان.

طرطوس تسبح في بحر التلوث فهواؤها ملوث وأهلها تحت المقصلة، كارثة اسمها معمل أسمنت طرطوس، يعمي العيون ويقتل الأشجار ويصيب الإنسان في صدره ورئته وقلبه.

انتهاك لعذرية عروس الساحل، بحر يستغيث وغابات تحترق وصرف صحي يلوث المياه ويسرح في الوديان، نهر الكبير الشمالي تعديات وسموم قاتلة وأسماكه تباع في دمشق، الصرف الزراعي يهدد المياه السطحية والجوفية، نهر الكبير الشمالي كارثة بيئية تنتظر الحل.

حاضرة الأمويين في عين الإعصار: اختناقات مرورية ومرائب غائبة وصناعات ملوثة والحدائق تستغيث، انتبهوا: دمشق الأولى بالغبار، أذيات دماغية وعصبية وقلوب أتعبها المرض والمتهم الهواء، كانت الغوطة رئة دمشق، مخلفات صناعية ومنزلية ومياه ملوثة بالنترات والمتهم الأسمدة، ولعروس الشام حكاية طويلة حزينة ومؤلمة بدأت بتجاوزات ومخالفات وتعديات، وانتهت بنزع ثوبها الأخضر وتجريدها من لقب رئة دمشق!!

حلب الشهباء عاصمة للتلوث، الصناعة رهان والبيئة خراب ومحطات المعالجة في خبر كان، سرطانات متزايدة ومياه ملوثة والمصالح والمال فوق كل اعتبار، مناطق موبوءة وكيماويات سامة وشكاوى مستمرة والمعالجات معدومة، دباغات الشيخ سعيد بحلب مصدر للأوبئة والأمراض، روائح وغازات وغبار والمواطن يدفع الثمن!

إدلب خلطة من التلوث والإهمال والتطنيش، خضراوات تروى بالصرف الصحي ومحطات المعالجة تغيب عن الصناعات العامة والخاصة.

ولن ننسى بأن التلوّث أصاب باقي المحافظات التي لم تأت العناوين على ذكرها وهي درعا والسويداء والقنيطرة وحماة  وريف دمشق, والمضحك المبكي أن مشروع الصرف الصحي الذي تم إنشاؤه في دمشق لمعالجة مياه الصرف الصحي فيها هو نفسه السبب الرئيسي، وربما الوحيد، الذي أدى وما يزال إلى تلوث المياه الجوفية الواقعة تحت مسار المياه المعالجة في عدرا والمعادة لاستخدامها في ري الأراضي الزراعية، وأما عن درعا والسويداء فإن المعلومات الواردة عن هاتين المحافظتين تشير إلى تلوث حاصل في أغلب السدود فيها وخصوصا السطحية وتلك التي يستفاد من مياهها للشرب.

والناظر إلى مياه نهر العاصي في حماة سيشاهد مياه كالحة بلون أخضر غامق، وهذا ينطبق على ابن دمشق البار نهر بردى الذي لا يضم بين ضفتيه، وللأسف، سوى مياه آسنة سوداء كالحة.

وعلى الرغم من المعاناة الشديدة جداً من الجفاف الذي نرزح تحت وطأته عاجزين عجزاً تاما عن حل معضلته التي لا مفر منها إلا أذا بكت السماء فقط، فإننا رغم كل ذلك نقوم بتلويث مياهنا الجوفية بقصد ودون قصد.

أخيراً لا بد لنا من أن نشير إلى أنه على الرغم من سن بعض القوانين لحماية بيئة الوطن على أساس أن  الإنسان هو الغاية، والوعي البيئي بداية الإصلاح، ولكن هل سن القوانين فقط أمر كافٍ لإزالة هذا الحجم الهائل من التلوث البيئي، فإذا كان الإنسان هو الغاية فإنه الوسيلة أيضا بمعنى أنه لابد بعد سن القانون من القيام بتنفيذ فعلي جدي له، ووحده الإنسان هو القادر على ترميم بيئته والحفاظ عليها, إن الفأس في طريقه ليصيب الرأس، وعندها لا فائدة ترجى لوقف التدهور البيئي، أوقفوا الفأس قبل أن يصيب الرأس وإلا(على نفسها جنت براقش).