المناهج التعليمية الجديدة.. هل هي تطوير وتحديث فعلاً؟
هل يتم في سورية بناء الإنسان المواطن واستثمار قدراته بشكل يحقق الفائدة للمجتمع والوطن؟ وهل يتم استثمار ثروات الوطن الاقتصادية بما يحقق الفائدة للمواطن ويزيد منعة الوطن تجاه ما يمكن أن يتعرض له من تحديات داخلية وخارجية؟
إن العلاقة بين البنية الفوقية والبنية التحتية علاقة جدلية تقوم على التأثير والتأثر المتبادلين، ولا يمكن الفصل بينهما. وإن محاولة تطوير المناهج التربوية والتعليمية في هذا العام تقع تحت هذا البند، ويمكن التأكيد على بعض الآراء الجيدة فيها، وذكر بعض الملاحظات السلبية:
ـ المناهج الجديدة متطورة عن السابقة في الشكل والمضمون وطريقة العرض. ففي الشكل نوعية الورق والطباعة والألوان والإخراج، وفي المضمون المعلومات الغنية والمتنوعة والجديدة المواكبة للتطور العلمي، وطريقة العرض التي تتيح تفعيل العقل وتنمية التفكير والإبداع والخروج من الأسلوب السابق الذي يعتمد على الذاكرة والتلقين.
ـ المناهج الجديدة أعادت الاعتبار لبعض المواد التي أُهمِلت سابقاً وكادت أن تصيح نسياً منسياً، رغم أنها لا تقل أهميةً في تنمية الإبداع كالرسم والموسيقى والخط.
أما الملاحظات التي نود التأكيد عليها هي أن هذه المناهج مستوردة ومستنسخة وجرى تطبيقها في بعض بلدان المنطقة ومنها دول الخليج ولم تحقق النتائج التي يمكن أن تحقق نقلةً نوعية في بناء الإنسان المواطن، الذي هو أهم من كلّ الثروات، بل هو القادر على تنمية وتحويل الثروات المادية لمصلحة الشعب والوطن ويمنحه القوة والمناعة. وهنا نورد بعض الملاحظات:
ـ إن تغيير المناهج لم يأت بشكل متدرج زمنياً ولم تتم التهيئة له، ويقتضي أن يكون هناك أساس له عند التلميذ تلقاه في دور الحضانة والروضات أو في كنف الأسرة، وهذا ليس موجوداً في الواقع، ما شكل صدمةً للمعلمين والمدرسين والطلاب والأهالي!
ـ إن تغيير المناهج يشكل جزءاً بسيطاً من العملية التربوية التعليمية والتي تشمل أيضاً المعلم والبيئة المادية المحيطة ومستلزماتها من بناء وأدوات ومخابر وتقنيات وغيرها، والبيئة الاجتماعية حيث يصل عدد الطلاب في الصف الواحد أكثر من أربعين طالباً وهي مصممة لنصف هذا العدد.
ـ مستوى معيشة الأسرة السورية، وخاصة أسر العمال والفلاحين وسائر الكادحين وذوي الدخل المحدود، الذين أغرقوا بدوامة الحصول على الحد الأدنى من المعيشة فلا وقت لديهم ولا إمكانيات لمتابعة التعلم.
ـ المتابعة التي جرى إقرارها وقوننتها في معاهد حكومية في المدارس بدلاً عن الدروس الخصوصية، أليس هذا إقراراً ًأن المدارس لا تقدم الجرعة التعليمية الكافية؟ ناهيك أنها صارت عبئاً آخر على المواطن.
ـ المعلم المسكين الذي هضمت أبسط حقوقه أصبح شماعة تعلق عليها أخطاء المسؤولين، وعليه أن يكفر عن خطاياهم ويعترف أنه المسؤول والمسبب لكل الأخطاء التي يرتكبها هؤلاء المسؤولون عن السياسة الاقتصادية الاجتماعية عموماً، والتربوية التعليمية خصوصاً, وأن يقبل قدره ويكون شمعةً تحترق لتنير الدرب للآخرين، وغيره يربح الملايين بمجرد رفع سماعة هاتف! فهل ستكون لديه القدرة والإمكانات للعطاء وهو بهذا الوضع النفسي والاجتماعي والاقتصادي؟
إحدى المحاضِرات صُنِّفت أنها خبيرة، نوهت إلى أن هذه البرامج ستوجد لنا علماء نوويين، ففاجأها أحد المعلمين متسائلاً: ما فائدة ذلك؟ فهو إما سيصبح مديراً لإحدى الدوائر الرسمية ليغرق في دوامة الفساد فيها، أو سيضطر إلى الهجرة ولا نستفيد منه. فاعترضت قائلة: لا تدخلنا في السياسة، ثمّ أن عليه أن يعمل أينما كان، داخل الوطن أو خارجه! ويبدو أنها تجهل أنّ أحد مصادر النهب الذي تمارسه الامبريالية والصهيونية هو تهجير العقول.
ومن جهة أخرى فقد تم إقرار هذه المناهج وقد مُنِع المعلمون من إبداء الآراء فيها وبيان صعوبتها تحت طائلة المسؤولية والمساءلة، فهل على المعلم ألاّ يُفكر وأن يُنفذ الأوامر فقط؟ وهل هكذا يتم تطوير المناهج؟
إنّ أي تطوير أو تحديث إذا لم يكن شاملاً ويخدم مصلحة الشعب والوطن سيبقى منقوصاً، وربما سيتحول إلى عبء آخر يضاف فوق كاهل الوطن والمواطن.