اللبرلة «جريمة» تقوض النسيج الاجتماعي كل يوم!
هل أصبحت حياة الناس رخيصة وقابلة للبيع والشراء كأي سلعة معروضة في البازار؟
وهل أصبحت جريمة القتل والجريمة بجميع أشكالها شيئاً عادياً ومألوفاً لا تهتز له الضمائر شأنها شأن مشاهد الأخبار؟
وهل أصبح تحديث القوانين وتطويرها لمصلحة الأغنياء والمتنفذين وليس في مصلحة الوطن والمواطن؟
وأخيراً هل تهميش الشباب السياسي والثقافي يبعدهم عن الشر أم يغرقهم فيه؟
أسئلة للإجابة عنها نأخذ عينةً ومنطقةً من سورية..
لم يعد خافياً على أحد أنّ السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة هي السبب في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين وفي ازدياد أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل، كما لم يعد خافياً أن نتائج هذا التردي باتت تتمثل اليوم بانتشار الجريمة بجميع أنواعها وأشكالها من سرقة ودعارة وتجارة مخدرات ونصب واحتيال وسحر وشعوذة وصولاً إلى القتل.. بل وبفضل ما أنتجته السياسة الاقتصادية الليبرالية فقد تحولت الجريمة من ظاهرة بسيطة تحدث هنا وهناك إلى ظاهرة منظمة لها شبكاتها وعصاباتها في كل أنحاء الوطن. ولزيادة الطين بلاً جاءت بعض القوانين لترسخ الجريمة كواقع قانوني أيضاً، ومثال ذلك تعديلات قانون الأحوال الشخصية وقوانين العمل التي كان آخرها قانون زيادة الرسوم القضائية أضعافاً مضاعفة وهو ما جعل المواطنين الفقراء عاجزين حتى عن اللجوء إلى القضاء ودفعهم إلى الحلول الأخرى التي تزيد في تفسخ المجتمع وانتشار الفوضى في كل مكان.
ناهيك طبعاً عن دور بعض وسائل الإعلام الصفراء وهيمنة النمط الاستهلاكي وتهميش الشباب نتيجة شبه غياب للحراك السياسي والثقافي في حياة المجتمع، وهو ما أدى ويؤدي إلى انتشار الفكر الظلامي والانتهازي والأعراف المشوهة والفساد الذي وجد في غياب المحاسبة مناخاً طيباً يساعده على التغلغل في كل مفاصل ودوائر الدولة، ومنها للأسف القضاء وخاصةً في الأطراف المهملة والمهمشة من البلاد.
وكمثال على ما خلفته الليبرالية الاقتصادية من انحرافات اجتماعية يمكن النظر إلى منطقة الميادين التي تقع شرقي دير الزور وتبعد عنها حوالي 45 كم، فقد أصبحت هذه المنطقة بؤرةً للجريمة بكل أشكالها حيث شهدت في الفترة الأخيرة مجموعة من الجرائم البشعة منها اكتشاف شبكات للمخدرات والتهريب والدعارة والاغتصاب والسحر والشعوذة والخطف، إضافة إلى عدة جرائم قتل للثأر والشرف والسرقة، بحيث بات المواطنون غير آمنين على أنفسهم بعد أن اعتادوا الاطمئنان والتكافل الاجتماعي طوال تاريخهم.
لقد أسهم تدهور الوضع المعيشي للآلاف من سكان المنطقة والناجم أصلاً عن الأخطاء الكبيرة- مقصودةً أم غير مقصودة- التي وقعت فيها السياسات الاقتصادية- الاجتماعية المتبعة، أسهم بزيادة ميل الشباب إلى الحلول الفردية غير المحببة اجتماعياً لتحصيل العيش، فباتت السرقة وتجارة الممنوعات حلهم الوحيد لتأمين قوت يومهم وأبنائهم، ما حول المجتمع الأليف إلى مجتمع خائف يعيش تحت ضغط دائم وقلق مستمر على مستقبل أبنائه وقيمهم الإنسانية.
ومن المؤكد أن استمرار الحكومة بانتهاج هذه السياسات التي أفقرت العباد ستدفع بالكثيرين تباعاً إلى طريق السوء، وهو ما سيقضي على كل آمال المجتمعات الريفية الصغيرة بالنجاة من الآثار السلبية للفقر الذي وصلت معدلاته في معظم المناطق السورية لأرقام لم تعرفها قبل اليوم، ومن المعروف طبعاً أن رفع الدعم عن المازوت مثل الضربة الأولى للوضع الاقتصادي في معظم الأرياف أما بقية الضربات فلم تعد خافيةً على أحد كما أنها لم تعد قابلة للإحصاء لكثرتها.
إن النظر إلى حال النسيج الاجتماعي الذي أتلفه الوضع الاقتصادي اليوم ينذر بمزيد من الجرائم العشوائية أو المنظمة، وبالتالي فإن استمرار النهج المستهتر بالإنسان كفرد والمجتمع ككيان سيؤدي إلى مزيد من التلف لا محالة، وسيجعل من حياة الناس أرخص فأرخص مقابل حفنة من الليرات يسد بها بعض المتضررين أفواه أبنائهم، ودائماً في ظل سياسات حكومية أقل ما يمكن وصفها بأنها قاصرة عن حل المشكلات إن صحّ وكانت تبحث أصلاً عن حلول لها.