العنف ضد الأطفال.. والتخلف الاقتصادي- الاجتماعي
أمل سلامات أمل سلامات

العنف ضد الأطفال.. والتخلف الاقتصادي- الاجتماعي

تتطلب مكافحة ظاهرة سلبية معينة، جهوداً مكثفة تعمل على الإحاطة الكاملة بطبيعة هذه الظاهرة والأسباب التاريخية المؤدية إلى حدوثها، ومن ثم العمل على خلق بدائل إيجابية تمنع ظهورها وتكرارها على المدى البعيد. ولعل العنف المجتمعي عموماً، والعنف ضد الأطفال على وجه الخصوص، هو من أخطر الظواهر التي ماتزال ناتئة في المجتمع السوري، وتحتاج إلى استراتيجية متكاملة لمحاصرتها، والتخلص منها..

 وربما نجد في تعميمات وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية الأخيرة، التي منعت الضرب في المدارس وأقرت عقوبات مسلكية بحق العاملين والمدرسين المخالفين، واحدة من الخطوات الضرورية الساعية نحو تأطير وتكبيل ظاهرة العنف المدرسية.. بيد أنها لا تكفي بالتأكيد لمحاصرتها اجتماعياً، لأن القضية أعمق وأصعب من أن تعالج بقرار أو بتعمبم من جهة رسمية واحدة.. بل تحتاج إلى جملة من المعالجات الاقتصادية- الاجتماعية.. والسياسية.

ولكن من التساؤلات التي يطرحها حق الطفل في بيئة خالية من العنف والإساءة بعد صدور «تعميمات التربية»، سؤال يتعلق بمدى قبول وتطبيق هذا الحق من جانب المعنيين به بشكل مباشر، بدءاً من الكادر التربوي، مروراً بأولياء الأمور، وصولاً إلى الطفل صاحب الحق نفسه.

فبالرغم من حظر العقوبة الجسدية في المدارس، يقف بعض المدرسين موقفاً سلبياً من البدائل الانضباطية للعقاب الجسدي، وما يزالون حتى الآن يطبقون عنفاً جسدياً وإساءات كلامية وعاطفية مختلفة، تبدأ بالضرب بالعصا أو بأدوات أخرى، ولا تنتهي عند شد الشعر والأذن، والسخرية، والإهانات، والتلفظ بالكلمات النابية... وغالباً ما يعتمد هؤلاء المدرسون في تبرير لجوئهم إلى الضرب واستخدام العصا، على جملة المفاهيم الخاطئة التي كرستها الأعراف والتقاليد الاجتماعية والثقافية الموروثة، والتي تعتقد بأن«العصا خلقت من الجنة» و«العصا لمن عصى»..!

من جهة أخرى، تستقبل نسبة لا بأس بها من الأهل وأولياء الأمور، الطفل المعنف مدرسياً بعنف لا تختلف صوره كثيراً عن أشكاله المدرسية، كتوجيه الشتائم، والمعاقبة بالصمت، والاحتجاز، والصفع، والتهديد بالطرد خارج المنزل أو بالحرمان من «الخرجية»...  والحقيقة أن نسبة عالية من الأهالي مايزالون حتى الآن، يؤيدون نظرة بعض التربويين فيما يخص العنف، فيرددون العبارة الشهيرة: (العظم لنا واللحم لكم)، وعلى ما يبدو فإن العرف السائد وهو أحد مصادر ممارسة الإجراءات الانضباطية الصارمة، واستخدام مقاربات عقابية في تنشئة الأطفال، ما يزال قوياً، ومايزال الكثير من الناس يتبنون بوعي أو دون انتباه، ممارسات تسبب الأذى لذريتهم.

وما يثير القلق فعلاً، هو أن بعض الأطفال المعنفين منزلياً ومدرسياً، يصبحون معتادين على هذه الممارسات، لدرجة أن بعض الأطفال يعتقدون متيقنين بأن الضرب هو الطريقة الوحيدة لضبطهم!، ويشعرون بأنهم هم أنفسهم السبب وراء معظم المشكلات في المدرسة أو المنزل.

إن العنف ضد الأطفال يسبب لهم فضلاً عن الألم الجسدي، رضوضاً نفسية وعاطفية، تتراوح بين القلق والإحباط والغضب والاكتئاب واليأس والعدوانية. ومن المهم الانتباه هنا إلى أن التعرض المديد للعنف، يضعف قدرة الأطفال على تكوين علاقات اجتماعية طبيعية، ويجعلهم مسيئين بدورهم عندما يكبرون.

تحتاج سورية وبشكل ملح، إلى إيجاد مصادر تنموية، تساعدها في مواجهة التحديات والمتغيرات التي فرضتها الحالة الاقتصادية للنظام العالمي الجديد، ويعد استغلال رأس المال البشري والطاقات الفتية، من أفضل المصادر التي قد تنهض بالمجتمع السوري، الذي مازال يعتبر مجتمعاً فتياً، تشكل فيه نسبة الفئة العمرية التي تتراوح أعمارها في بين 1 إلى أقل من 20 سنة (51%) من نسبة السكان، وبما أن الطفل المعنف أبعد ما يكون عن اعتباره مصدراً للتنمية وعن المشاركة الفعالة لدفع المجتمع نحو النمو وتحقيق العدالة الاجتماعية، يستدعي ذلك من جهات ومؤسسات الدولة والفعاليات الاجتماعية، العمل على إيجاد بيئة مدرسية تديرها كوادر مؤهلة مدربة، تتقاضى أجراً مناسباً يضمن استمراريتها ونشاطها، ووضع خطط تهدف إلى توعية وتوجيه الأسر والمعلمين، لكي يتخلوا عن مفاهيم الانضباط الزائدة التي تصل إلى حد قمع الطفل، وتتمكن من تمييز التهديدات وعلامات الإساءة، وتوظيف وسائل الإعلام لتوعية المجتمع المحلي بضرورة التخلص من جملة الأعراف والمعتقدات التقليدية التي تؤدي إلى إنكار حقوق الطفل. والحقيقة أنه يتم الآن العمل على تأسيس وحدات للأطفال وأسرهم تمكنهم من التبليغ عن الإساءة التي يتعرضون لها، نرجو أن يتم تفعيلها بأسرع ما يمكن للحاجة القصوى إليها.

ضمان حقوق الطفل أفضل استثمار للتنمية العادلة والمستمرة، وهذه الحقوق لا تقتصر على تلبية الحاجات الأساسية للطفل من غذاء ولباس ومسكن آمن فقط، بل تتعداها إلى الاعتراف بأنه صاحب حق وامتياز في التعليم واللعب والهوية والتعبير والصحة والحماية والتميز، والإيمان بوجوده ككائن بذاته وابن للحياة.