قامشلي.. مؤشر الخط البياني لحتمية التاريخ
قامشلي، هذه المدينة الرائعة بنسيجها الفسيفسائي والتي لم تناهز القرن من عمرها بعد، يرتسم فيها كما في غيرها من المناطق ملامح تاريخ جديد، التاريخ يتذكر أيام الخمسينيات بمظاهراتها الصاخبة وحراكها السياسي الشبيه بخلية النحل التي لا تهدأ عندما كانت الحركة الثورية العالمية في أوج عصرها الذهبي، أي عندما كانت الانتماءات السياسية لا تشوبها شائبة كان صخب القامشلي والمظاهرات التي شارك فيها الكردي والعربي والأرمني والسرياني، المسيحي والمسلم واليزيدي تطالب بالخبز والديمقراطية وأرض الفلاح والحقوق القومية للأقليات، وكانت كذلك تندد بالحرب الامبريالية على كوريا وتسقط الأحلاف الاستعمارية وتهتف لتحريم السلاح الذري.
أستمرت القامشلي بهذه الحال، حتى بدء هبوط الخط البياني للحركة الثورية عالمياً وانتشار مظاهر القمع والفساد داخلياً، وهو ما أفرز انتماءات مشوهة استبدلت الانتماء السياسي بالانتماء القومي والطائفي والديني والعشائري، وبنيت حواجز وهمية بين أبناء المدينة الواحدة.. هذا الوضع تكرس واستمر بضعة عقود حتى كانت رياح النهوض الجماهيري الدوري تنتعش في حالة مخاض بانتظار المولود الجديد وظهور المؤشرات الأولى لنهوض الحركة الثورية عالمياً، فكان لذلك تأثيره المحلي في القامشلي خاصة بعد الحراك الشعبي الذي بدأ منذ 15 آذار بشكل عفوي، وعدنا لنشاهد مشاهد وصوراً رائعة فيها لم تلتمسه جماهير القامشلي منذ الخمسينيات، فانهارت الجدران الوهمية بين أبناء المدينة الواحدة من جديد.. أجل إنها الدورة الجديدة لحركة الجماهير في التاريخ العالمي التي تؤسس من جديد للانتماء السياسي الصحيح.
ففي مظاهرة واحدة شاهدنا العربي والكردي والآشوري من جديد جنباً الى جنب، بلا جدران، وبشكل سلمي، لأن الخط البياني لحتمية التاريخ في صعود، وإن كان هناك من يحاول العبث بالقامشلي، وهي تحديداُ قوى الفساد الكبرى في جهاز الدولة وخارجه من جهة، والقوى الاستعمارية العالمية والاقليمية من جهة أخرى، فهذه الجهات التي لها مصلحة حقيقية في العبث بمظاهرات القامشلي واغتيال الناطق باسم تيار المستقبل الكردي في سورية الشهيد مشعل التمو، لكن هذه القوى لا تعرف أن التاريخ تتحكم به قوانين اجتماعية موضوعية وليست إرادات ذاتية سوداء كالتي تمتلكها هذه الجهات..