لايموت الحق: الخطأ في تصحيح الخطأ
الحكم المشوب بالخطأ في تطبيق القانون لا يجوز تصحيحه إلا بسلوك طرق الطعن العادية المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات المدنية (الاستئناف، الطعن أمام محكمة النقض)، أو بسلوك طرق الطعن الاستثنائية (إعادة المحاكمة، اعتراض الغير) أو باللجوء لدعوى المخاصمة تلك هي الأصول المتوجب تطبيقها في حالات الطعن بالأحكام
إلا أننا بدأنا نلاحظ لجوء بعض السادة القضاة إلى تصحيح الأحكام المشوبة بالأخطاء القانونية متجاوزين أصول الطعن في الأحكام وذلك باختصار الطريق والاتكاء على المادة 214 أصول محاكمات.
وقد لحظنا قيام بعض السادة القضاة بتصحيح الأحكام بعد صدورها وتعديل الفقرات الحكمية بعد النطق بها وتفهيمها للخصوم، وأحياناً إلغاء فقرة حكمية واستبدالها بفقرة حكمية غيرها..!!
وذلك كله تحت مظلة (تصحيح الخطأ المادي في غرفة المذاكرة)، وفي هذا جنوح خطير وإساءة بالغة لحرمة النصوص القانونية المتعلقة بالنظام العام.
نصت المادة 214 أصول محاكمات:
تتولى المحكمة تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء مادية كتابية أو حسابية وذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم من غير مرافعة.
يدون كاتب المحكمة هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية وفي السجل ويوقعه مع الرئيس.
نص المادة 214 أعلاه واضح وصريح وقد حصر الخطأ المادي الجائز تصحيحه بغرفة المذاكرة في حالتين اثنتين فقط وهما : الخطأ المادي والخطأ الحسابي لذا فإن صدور الحكم مشوباً بمخالفة القانون أو الخطأ في تفسيره هو غير الخطأ المادي (الكتابي و الحسابي) ولا يمكن ولا يجوز تطبيق أحكام المادة 214 و بالتالي لا يجوز إطلاقاً تصحيح الأخطاء القانونية بغرفة المذاكرة.
وجاء بقرار محكمة النقض رقم أساس 1065 قرار 670/1997: «هذا من جهة ومن ناحية ثانية وعلى سبيل الاستطراد القانوني فإن المدعي هو الذي حدد الأسهم المدعى بها في استدعاء دعواه على أنها 25 سهماً ومحكمة البداية قضت له وفق مطلوبه . فإذا كان قد تبين له أنه هو الذي وقع بالخطأ فقد كان عليه أن يطعن بذلك الحكم استئنافاً ولهذه الناحية بالذات تأسيساً على أنه لا يجوز للمحكمة أن تعدل الحكم الأساسي بحجة التصحيح لأن التصحيح يقتصرعلى الأخطاء المادية كتابية أو حسابية ولأنه لا يحق للمحكمة أن تتجاوز بقرار التصحيح جوهر الحكم فإذا لم يكن عدم صحة الرقم المقضي به مرجعه مجرد خطأ حسابي فلا يحق لها تصحيح الحكم (قرار نقض 354/421 تاريخ 24/8/1974)، (وقرار آخر 3866 تاريخ 23/11/1955). وبما أن المحكمة لم تلتفت إلى هذه المبادئ القانونية فقد عرضت حكمها للنقض من هذه الناحية لذلك:
تقرر بالاتفاق:
نقض الحكم المطعون فيه لجهة التصحيح ورفض الطعن فيما عدا ذلك.
قراراً صدر بتاريخ 4/1/1418 هـ الموافق 11/5/1997م».
ذكرنا أعلاه النصوص الآمرة والاجتهاد القضائي المتعلق بحالات تصحيح الخطأ المادي.
نورد حالة من قرارات التصحيح تمثل تجاوزاً خطيراً لقانون الأصول والمادة 214:
بتاريخ 28/6/2011 أصدرت محكمة الصلح المدنية بحلب الحكم برقم أساس 416 تضمن الفقرات الحكمية التالية:
«قراراً وجاهياً بحق الجهة المدعية وكالوجاهي بحق الجهة المدعى عليها قابلاً للاستئناف».
إلا أن محكمة الصلح مصدرة القرار القابل للاستئناف أعلاه عادت عن قرارها بعد يومين وأصدرت القرار برقم متفرقة 633 تاريخ 30/6/2011 هذا نصه:
تصحيح الخطأ الوارد في الحكم الصلحي رقم أساس 416/2011 بحيث يصبح القرار مبرماً بدلاً من قابلاً للاستئناف أصولاً.
اعتبار هذا القرار جزءاً لا يتجزأ من القرار الأصلي وتدوين هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية وفي السجل قراراً صدر بغرفة المذاكرة بتاريخ 30/6/2011.
وهكذا تتكرر هذه التجاوزات الخطيرة للنصوص القانونية الآمرة المتعلقة بالنظام العام ونجد بأن محكمة الصلح قد عدلت قرارها بعد صدوره وتفهيمه للطرفين وألغت الفقرة الحكمية المتضمنة قابلية الحكم للاستئناف وجعلته قراراً مبرماً.
أي أن محكمة الصلح أحدثت مركزاً قانونياً جديداً ترتبت عليه آثار قانونية خطيرة إذ حرمت أطراف الدعوى من حقهم بالطعن وذلك كله خلافاً للنص وتحت مظلة المادة 214 أصول المتعلقة بتصحيح الأخطاء المادية – الكتابية و الحسابية حصراً عدلت محكمة الصلح فقرة حكمية.
لما تقدم من وقائع وأسباب نرى أن الالتزام بمضمون النص القانوني و رعاية غاية المشرع يضمن ويدعم حسن تسيير العدالة ويجنب القضاء تلك التجاوزات القانونية الخطيرة.