الرّقةُ المُستَبَاحَة..!
قبل الأزمة شكلت محافظة الرقة ككل المحافظات السورية مصدراً للنهب من قوى الفساد، وكانت معاناتها لا تختلف كثيراً عن غيرها من السياسات الليبرالية وخاصةً ارتفاع المحروقات..
على الرغم من ذلك لم ينطلق فيها الحراك الشعبي إلاّ في تظاهراتٍ سلمية محدودة، ولم يظهر فيها شبح العنف مثلما رأيناه في مناطق البلاد الأخرى، ولذلك شكلت الرقة بيئةً آمنة للمهجرين من دير الزور وحلب وريفها وحمص وحماة لمدة سنتين تقريباً رغم ارتفاع معاناتهم من نقص المواد الغذائية ومستلزمات المعيشة الأخرى من نفطٍ وغاز وغلائها الفاحش.. وهذا ما عرض أبناءها للاستهجان والحقد من القوى المتشددة والمتطرفة.. وتجلى ذلك عند استباحتها لاحقاً.
لا شكّ أنّ حالة الهدوء النسبي التي شهدتها الرقة سابقاً ولفترةٍ طويلة نسبياً أيضا لها أسبابها الاقتصادية والاجتماعية.. فاعتماد الزراعة الأساسي في الرقة غالباً على مشاريع الري في مؤسسة حوض الفرات لذا لم تتأثر كثيراً بارتفاع أسعار المحروقات وإن تأثرت بارتفاع بقية مستلزمات الزراعة الأخرى من حراثة وسمادٍ وبذارٍ وغيرها.. كما أنّ التركيبة المجتمعية العشائرية الأساسية فيها تربطها وشائج القرابة وإمكانية الضبط لأبنائها وعدم الانجرار نحو العنف.. وكل ذلك ولّد حالةً من شبه الاسترخاء من قبل قوى النظام وعدم أخذ الاحتياطات اللازمة واتجاهها إلى المناطق القريبة المتوترة وخاصةً في دير الزور..
لقد شكلّ دخول المسلحين بالآلاف من كل المشارب إلى الرقة بسهولة وسرعة وبفترةٍ زمنية قصيرة واعتقال القيادات الرسمية دون ردود وممانعة على الأقل من الجهات المسؤولة تساؤلاتٍ كثيرة وهو مؤشر على وجود اختراقات كبيرة.. علماً أنّ المسلحين قد أعلنوا قبل أيامٍ أنهم سيدخلون الرقة..!؟
واليوم بعد أكثر من شهرٍ على انقطاع التواصل ودخول المسلحين إلى الرقة وسقوطها بين أيديهم، وتهجير المهجرين فيها مع أبنائها.. لقد تمّ استباحة كل دوائر الدولة المغلقة ونهبها ونهب سياراتها وتفكيك معاملها ومنشآتها وقطرها باتجاه الشمال نحو تركية.. كما أنّ محالج القطن ومستودعاتها نُهِبت ولم يبق فيها إلاّ القليل ومستودعات الكهرباء نهبت بالكامل، كما أنّ العاملين فيها دون رواتب منذ شهرين..
ولعل الأخطر هو تعرض محطات ضخ الري في بئر الهشم للقصف وتضررها مما أدّى إلى توقف الري عن حوالي 300 ألف دونم من القمح ويباسه، وعدم زراعة القطن لهذا الموسم.. وكذلك تعرض المشروع الرائد للأضرار ذاتها وبجهود الشرفاء تمّ تشغيل مضخاته وهي تروي حوالي عشرة آلاف هكتار.. وهذا سيكون له انعكاساته الاقتصادية الكبيرة على اقتصاد الوطن وأمنه الغذائي..
كما تتعرض المدينة للقصف نتيجة هيمنة المسلحين عليها وتواجدهم فيها مما أدّى وسيؤدي إلى مزيدٍ من التدمير والتخريب للبنى التحتية والأملاك العامة والخاصة التي نُهبت أصلاً ..
لا شكّ أنّ ما تعرضت له الرقة ليس عشوائياً وهو يطابق ما تعرضت له البنى الاقتصادية والعلمية والثقافية وبقية البنى الخدمية التحتية في محافظتي دير الزور وحلب وبقية المحافظات الأخرى من تخريبٍ وتدميرٍ ونهبٍ وسرقةٍ وكل ما جرى بشكلٍ متعمد ومقصود سواء من قوى العنف والظلام أو قوى القمع والفساد وهو يستهدف سورية شعباً ووطناً لقتل روح المقاومة للإمبريالية الصهيونية وأذنابها من الدول الرجعية والقوى الظلامية في الداخل.. أو لمنع التغيير وبقاء هيمنة قوى القمع والفساد ونهبهما.
كما يؤكد أن العنف وحمل السلاح والتطرف، وتدخل القوى الظلامية والمتشددة ووهم الاسقاط قد فاقم الأزمة التي يعاني منها الشعب.. وكذلك استخدام القصف ووهم الحسم.. وأن الخاسر هو الشعب السوري.. وأنّ حل الأزمة لن يكون إلاّ سياسياً وعبر حوار ديمقراطي واسع لتحقيق التغيير الجذري الشامل لكل البنى السياسية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية والسياسات المتبعة في كل الجوانب.. وهذا يتطلب أولاً ضرب قوى القمع والفساد الكبيرة قبل الصغيرة التي أوصلت البلاد إلى هذه الأزمة وكذلك أن الجيش العربي السوري هو حامي سورية ووحدتها وذلك لتحقيق كرامة الوطن والمواطن التي فوق كلّ اعتبار..