عفرين... حصار مزدوج

منذ حوالي سبعة أشهر ومدينة عفرين وقراها تعيش حالة «الحصار»، بعد أن انسحبت أجهزة السلطة الرسمية منها، وحلت محلها «لجان محلية» من الأهالي، فاعتبرت منطقة محايدة، ولجأ إليها الكثير من العوائل من المناطق الساخنة المجاورة لها، الذي أدى بدوره إلى ارتفاع الإيجارات وأسعار البيوت

وانعكست حالة الحصار على جميع تفاصيل الحياة اليومية للأهالي منها:

ـــ انقطاع التيار الكهربائي لأيام عديدة متواصلة أو أن يأتي ساعتين أو ثلاث ساعات فقط في اليوم، مما أثّر ذلك على انقطاع المياه بسبب اعتماد المضخات على الكهرباء.

ـــ الاتصالات الأرضية مقطوعة منذ أشهر، أما الاتصالات الخليوية، بعد انقطاع تام، تتناوب شبكة MTN مع سيرياتيل على العمل ولفترات متقطعة ولمدد قصيرة وفي أماكن معينة، مما اضطر الأهالي للذهاب إلى أماكن بعيدة معينة خارج مدينة عفرين كي يجروا اتصالاً مع أحد أقربائهم.

ـــ ارتفعت أسعار المحروقات في الشتاء وقبل بدء موسم زراعة المحاصيل الشتوية، مما اضطر المزارعين لشراء المازوت بـ 250 ل.س لليتر الواحد، والبنزين أيضاً بـ 250 لف.س لليتر الواحد، وجرة الغاز بـ 4000 أربعة آلاف ليرة سورية.

أما الأسمدة والبذار فلم يستلم المزارع المخصصات الضرورية له، فأفضل الحلول أنه يستطيع أن يستلم هذه المخصصات في مدينة الرقة أو حماة، ولكن نقداً.

ــــ أما سلامة الطريق فلا يضمنها أحد، لذلك اضطروا إلى أن يحصلوا على المستلزمات الزراعية من السوق السوداء. فبذار القمح اشتروه بـ 30 ــ 40 ل.س للكغ الواحد والشعير بـ 30 ل.س، أما السماد فقد اشتروا كيس السماد الواحد الآزوتي والفوسفات بـ 2500 ل.س، أي للطن الواحد بـ 50000 ألف ليرة.

ـــ والجدير بالذكر هنا، سلم فلاح المنطقة محصول القطن إلى محلج الرصافة، الذي احترق بفعل الأعمال المسلحة، والتخريب المقصود، فكان أن عوقب المزارع، ولم يستلم ثمن محصوله إلى اليوم، كما لم يستلم الدعم المستحق له لمحصول القطن «بدل محروقات». وزارة الزراعة تحمّل المسؤولية على غيرها، بأن الوزارة لم تستلم الطلبات والقوائم من مديرية الزراعة في حلب، مصلحة الزراعية في عفرين تصرح بأن القوائم جاهزة، ولكن الوزارة لم تطلب منها أن ترسلها، وهكذا فالمزارع ضحية الأخذ والرد والتهرب من المسؤولية.

ـــ دعم الزيتون لعام 2011 لم يصل إلى كامل المستحقين بحجة عدم إمكانية إيصالها إلى عفرين، رغم أنه بالإمكان إيصالها إلى مدينة حلب، ومن هناك يستطيع المستحق أن يستلمها. علماً أن دعم الزيتون لعام 2012 لم يخصص له ميزانية بسبب وضع الخزينة!!

ــــ الكثير من المواد الغذائية والاستهلاكية والأدوية والمنظفات الموجودة في أسواق عفرين مواد تركية المنشأ، وبأسعار خيالية، في الوقت الذي لا يجد فيه المواطن عملاً، حيث فقد الكثيرين أعمالهم في ورشات حلب وعفرين ، والأبواب مسدودة أمامهم فما العمل؟! يتساءل المواطن الفقير الذي ينتظر حلاً لهذه الأزمة، هذا إذا عاش هو وأطفاله ليبصر الحل!

ــــ في الآونة الأخيرة هجر معظم سكان منطقتي «الشيخ مقصود» و«الأشرفية» في حلب إلى عفرين وقراها، وأضافت إلى مأساة المنطقة، القابعة على أعتاب كارثة إنسانية، ضغطاً متزايداً، فارتفعت أسعار المواد الغذائية، الملتهبة أصلاً، فسعر ربطة الخبز من المخابز الحكومية بـ 65 ل.س، واكتظت المدارس بالمهجرين، ومَنْ لم يجد ملجأً، التحف العراء. المسؤولون في محافظة حلب يتنصلون من مسؤولياتهم بتقديم الدعم الإغاثي اللازم، بدعوى أن هناك «سلطة محلية كردية» لتتحمل مسؤولياتها.!!؟

وهذا يشعر أهلنا وشعبنا في عفرين بالغبن والإهمال والتمييز، هذه السياسة في النهاية تصب في مصلحة المشروع التقسيمي والتفتيتي لسورية، وتسبب شرخاً في الوحدة الوطنية التي أصابتها شروخ عديدة في الماضي فتستغلها القوى المعادية لبلدنا ولشعبنا لدق أسافين بين مكوناتها والتي تعتبر جزءاً أصيلاً من شعبنا السوري.

إن أمثال هؤلاء المسؤولين يتحملون مسؤولية ماجرى في سورية، ويزيدون الطين بلة، في وقت الذي نحن أحوج ما نكون إلى مسؤولين قادة، قادرين على تحمل مسؤولياتهم، لتخفيف آلام وعذابات الشعب السوري إلى أن يخرج بلدنا من هذه الأزمة الوطنية الشاملة بشكل يعيد الحقوق إلى أصحابها، وتعالج الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه. أما تعليق كل الأسباب إلى الخارج وهو بالطبع متورط بشكل كبير فهذا تبسيط للأمور وتهرب من مسؤولية ومن المحاسبة.

ارتضينا في عفرين بحصار ظالم بسبب الوضع القائم وتعقيدات الأزمة الوطنية الشاملة في سورية وفي محافظة حلب، لكن الحصار المضاعف الممارس من المسؤولين في محافظة حلب، هو ما يجب وقفه فوراً.