حل المشكلات البيئية في سورية.. منظور عام..
لم يعد ممكناً تجاهل القضية البيئية بما لها من انعكاسات خطيرة على حياة شعب بكامله، شعب يحمل على كاهله العملية الإنتاجية بكل متاعبها، وإضافة لذلك يحمل التلوث الناتج عن عدم التعاطي الجدي مع القضية البيئية، بل والتعاطي معها من منظور الصالونات حيث يختصر التلوث بالمنديل الورقي..
المفاهيم الدولية ومشاكلها..
على مستوى العالم، وتحديداً في أروقة المنظمات الدولية، وتحت ضغط الشارع والرأي العام العالمي، تم استحداث مجموعة من المفاهيم عدتها تلك المنظمات المدخل الوحيد لمعالجة مشكلات التلوث، وعلى رأسها مفاهيم التنمية النظيفة والإيكولوجيا الصناعية والكيمياء الخضراء، المشترك بين هذه المفاهيم هو انطلاقها من كون العملية الإنتاجية بشكلها الحالي هو أمر لا مفر منه، وعلى الباحثين أن يوظفوا علومهم وجهودهم باتجاه إيجاد حلول تكيفية مع الواقع المعطى، ولا يخرج عن هذا السياق إلا الحديث الخجول عن ضرورة الطاقات المتجددة وضرورة حلولها محل الطاقة الأحفورية، وهو حديث خجول من حيث آلياته وميزانيته وطرق تنفيذه، وهنا ينبغي التنبه لنقطتين أساسيتين: (التكيف)، و(استيراد التقنية والديون)..
عليكم بالتكيف مع أسلوب الإنتاج الرأسمالي..
يحاول الغرب، وربما الأفضل أن نسميه الشمال الغني، أن يفرض على شعوب الأرض معادلته القائلة إن أسلوب الإنتاج الموجود هو الوحيد الممكن، وبالتالي على الشعوب التكيف، لكن هل فعلاً لا يوجد أسلوب إنتاج آخر؟ عندما ننظر إلى السبب الأساسي في التلوث (البشري المصدر ولا يوجد مصدر آخر للتلوث، فالطبيعة قادرة على معالجة نفسها ذاتياً)، نجد أنه يتلخص في التدخل السافر والإخلال الهائل بمنظوماتها الطبيعية الذي يمارسه أسلوب الإنتاج الرأسمالي في سعيه نحو الربح الأعلى دون مراعاة لمصير الأجيال القادمة ولمصير الحياة على الأرض. والأسوأ أن الحلول منجزة بالمعنى المعرفي، لكن تطبيقها في ظل الرأسمالية يحتاج إلى شيء آخر هو طريقتها المعتادة بالنظر إلى أي مشروع من زاوية ما هي التكلفة؟ وكم تبلغ الأرباح؟ ومن سوء حظ البشرية أن المشاريع النظيفة هي مشاريع خاسرة (بالمعنى الرأسمالي).. وفي أحسن أحوالها، هي ذات أرباح قليلة، لكن للرأسمالية كلاماً آخر في التعامل مع ضغط الرأي العام العالمي عليها وعلى أسلوب إنتاجها..
استيراد التقنية والديون
كما هي حال اليهودي الذي يجعل من الصلاة تجارة رابحة، فإن الرأسمالية تلوث وتربح حتى وهي تحارب التلوث، لذا نجد أنفسنا -كدول «نامية»- فجأة وإصبع المعلم الأمريكي-الأوروبي تؤنبنا على «تخلفنا» الذي يمنعنا من علاج التلوث، لذا فهي، وبحكم دورها «الحضاري» تقوم من خلال صناديقها ومؤسساتها «بمساعدتنا» من خلال توريد تقنياتها العظيمة والمتطورة وبأسعار زهيدة جداً من رتبة المليارات لكي ننظف أنفسنا من التلوث.. الأهم اليوم هو استيراد المعرفة وليس استيراد التقنية لأن معظم التقنيات التي استوردناها وسنستوردها أثبتت فشلها، وأثبتت أنها عبء على اقتصاداتنا وأثبتت أنها طريقة جديدة ومبتكرة في نهبنا، وأحد الأدلة على ذلك هو محطات معالجة الصرف الصحي..
ينبغي التعامل مع القضية البيئية بربطها مع القضايا الاقتصادية الاجتماعية والوطنية والديمقراطية، وأخذها كلها ضمن سلة واحدة، فلا يمكن معالجة التلوث -والفساد أكبر أسبابه -إلا من خلال رقابة شعبية حقيقية على العملية الإنتاجية، لأن المستفيد الوحيد من استيراد تقنيات وبناء سياسات خاطئة في التعامل مع البيئة هو الفساد، والمتضرر الأساسي هو الفئات الشعبية العريضة. كما لا يمكن علاج القضية البيئية دون تجذير نموذج اقتصادي بديل وطني يلتفت إلى القيم المطلقة في الاقتصاد السوري، ويبتعد عن الوصفات السامة لصندوق النقد الدولي..
القضية البيئية جزء من سلة واحدة، ولا يجوز التعاطي معها بأقل من ذلك.