حلب تدخل غرفة الإنعاش.. عاصمة الصناعة السورية بضائعها تركية
تقطعت أوصال حلب، وباتت عاصمة الصناعة السورية حتى الأمس، بأمسّ الحاجة لهذه الصناعات اليوم، ففي ظل اشتداد المعارك الدائرة هناك، استنزفت البنى التحتية ودمر بعضها بالكامل، وبعد أن كانت مركزاً لضخ الكثير من المستلزمات الأساسية التي أنعشت السوق السورية على مر السنين، دخلت حلب مؤخراً غرفة الإنعاش مماجعلها عاجزةً عن مقاومة الغزو الاقتصادي الذي وصفه البعض «بالممنهج» والآتي من حدودها الشمالية الهشة
غمرت أسواق حلب منتجات تركية مجهولة الصفة، مهربة أو «معونات» يُتاجر بها، فعلى الرغم من كونها معروفة المنشأ، إلا أن بعض هذه المنتجات أثار المخاوف والشكوك حول سبب دخولها إلى المحافظة، كونها «تباع بأسعار رخيصة جداً، وذلك ليس مقارنةً مع المنتج السوري الذي غاب عن المشهد الحلبي فقط، بل وعند مقارنتها بما تم تسعيره لهذه المنتجات من المصنع الأساسي في تركيا»، بحسب بعض أهالي مدينة حلب.
المتاجرة بالمعونات والوطني غائب
صحيفة «قاسيون» تواصلت مع بعض المواطنين هناك، للوقوف على حقيقة وأصناف هذه المنتجات، وقال أحمد بيطار (صحفي) إن «السوق الحلبية تغرق بالمنتجات التركية،« تحت يافطة المعونات»، حيث تم استغلالها من البعض للمتاجرة بها، وعلى هذا فهي تباع بأسعار رخيصة كونها لم تكلف البائع سوى أجرة النقل».
وأضاف إن «انتشار هذه المنتجات، لعب دوراً سلبياً في السوق كونها حلت مكان المنتج الوطني شبه الغائب حالياً، وبالوقت ذاته فقد كان لها دور في مساعدة الكثير من السكان بتأمين مستلزمات المعيشة الأساسية في ظل شح المواد الغذائية هناك».
وحول حال المنتجات الوطنية في حلب، قال بيطار إن «هذه المنتجات شبه مفقودة في السوق، وإن وجدت فهي أغلى بكثر من المنتجات التركية، لذا لا يقبل الناس عليها».
بدوره، قال أمجد (ق) إن «غالب المنتجات التركية هي غذائية تتنوع بين الشوكولا والبسكويت، والطحين والسكر وحليب الأطفال ومستلزمات أساسية، وجميعها أرخص من المنتجات الوطنية بحسب تسعيرة الحكومة السورية».
الأسعار تحت النار
ومن جهته قال أحد الشبان، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن «أسعار المنتجات التركية في المناطق التي تقع تحت سيطرة مسلحي المعارضة، أرخص بكثير من أسعار السلع بالمناطق التي مازالت تحت سيطرة الجيش السوري، حيث أن نقل هذه المنتجات إلى المناطق الأخيرة ممنوع من المسلحين، وهناك حواجز تقوم بتفتيش أي شخص يتنقل بين المنطقتين وتصادر أي شيء ينقل إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش السوري من هذه المنتجات وغيرها».
التهريب المنظم وجهة نظر أخرى
شكوك البعض تدور حول استغلال مواد إغاثية وبيعها على أنها تجارية، في حين يؤكد البعض الآخر وجهة نظر مختلفة تؤكد بأن «هذه المنتجات مهربة بشكل ممنهج بعد أن تمت سرقة المعامل في حلب وتهريب قطعها ومستلزماتها إلى الجانب التركي، ورخص سعرها يعود لعدم وجود جمرك».
ومن وجهة نظر عماد (طالب جامعي في حلب) فإن «إغراق حلب بهذه البضائع عملية ممنهجة، تهدف من خلالها تركيا استعادة جزء من السوق الذي فقدته في سورية، إضافةً إلى صعوبة وصولها إلى الأسواق الأخرى مثل لبنان والأردن عن طريق سورية كما في السابق، فهي تحاول خلق الحاجة لمنتجاتها وجعلها الملاذ الوحيد للمواطنين في حلب وغيرها».
وأضاف إن «استهداف المعامل يتم بشكل مدروس في حلب وغيرها من المحافظات لإغراق سورية بهذه المنتجات».
وبحسب عماد، فإن «المنتجات التركية هذه لم تقتصر على المواد الغذائية والأساسية فحسب، بل ابتعدت إلى مستلزمات أخرى وكأنها صنعت خصيصاً للأزمة السورية، مثل أفران تعمل على أسطوانات غاز صغيرة منشؤها تركي، وغيرها من المنتجات الكهربائية».
وحذر محافظ حلب، محمد وحيد عقاد الشهر الماضي من خطورة استخدام الأسمنت التركي المهرب إلى سورية بصورة غير مشروعة وذلك «نظراً لرداءة وسوء المواصفات الفنية لهذا الأسمنت ما يشكل خطراً على سلامة الأبنية التي يدخل كأحد المكونات في بنائها وبالتالي يهدد أمن وسلامة المواطنين» بحسب تصريحاته التي نقلتها وكالة الأنباء الرسمية سانا.
أحلاهما مر
وكان العقاد قد أكد سابقاً بأن «انتشار السلع والبضاعة التركية بشكل كبير في أسواق مدينة حلب خلال الأشهر القليلة الماضية كان نتيجة طبيعية لنهب مصانع وأسواق المحافظة» مشيراً إلى أن «توقف المعامل عن الإنتاج والتفريغ الممنهج لأسواق حلب التجارية ومستودعاتها وضع مواطن مدينة حلب أمام خيارين أحلاهما مر، الأول أن يقوم بشراء البضائع التركية على حساب البضاعة الوطنية التي اختفت بدورها بشكل شبه كامل من الأسواق، أو أن يعزف عن اقتناء تلك السلع وهو أمر صعب».
بدوره، رئيس غرفة الصناعة بحلب فارس الشهابي، قام شباط الماضي بإرسال كتاب إلى رئاسة مجلس الوزراء يطلب فيه من رئيس الحكومة وائل الحلقي التعميم على أجهزة الدولة المختصة ودوائرها الحكومية بالعمل على مقاطعة كل الشركات والمنتجات التركية واعتبارها كالشركات الإسرائيلية ومحاسبة كل من يتعامل معها أو يتاجر بها.
ومن ضمن ماجاء في الكتاب، إنه «نرى من الواجب الوطني والإنساني والشرعي أن نعمل معاً بشكل جدي على مقاطعة المنتجات ذات المنشأ التركي ووضعها على القوائم السوداء وتأسيس مكتب خاص لمقاطعة تركيا تجارياً ونشر ثقافة هذه المقاطعة لدى المستهلكين (....)، وكذلك منع الشركات التركية من الاستثمار في إعادة إعمار سورية».
الشهابي أكد في تصريحاته المنشورة في وسائل الإعلام، أنه لايوجد رقم نهائي يقدر حجم أو قيمة السرقات التركية للمعامل في حلب لأن هذا الرقم يزداد يومياً، حيث إن كل المعامل معرضة للسرقة والنهب، منوهاً بأن بعض المسروقات من المعامل السورية خرجت من تركيا أيضاً لدول أخرى.
وثائق تدين تركيا
الشهابي أكد بأن غرفة صناعة حلب لديها الوثائق التي تثبت هذه السرقات، والتي تؤهلها لرفع دعوى قضائية على الأتراك عبر جهات دولية، لكن الغرفة لن تكشف عن هذه الملفات والوثائق والأدلة القاطعة حتى يتم تجهيزها بشكل كامل بما يضمن نجاح الدعوى القضائية وبما لايترك للأتراك أية ثغرة أو منفذ قانوني أو غير قانوني للتهرب .
ومن جهته، أوضح معاون وزير الاقتصاد حيان سليمان، أن اتحاد غرف الصناعة كان قد راسل وزارة الخارجية والمغتربين قبل ذلك، والتي أرسلت بدورها رسالتين متطابقتين للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن لتشكيل لجنة محايدة هدفها التحقيق في ممارسة الحكومة التركية ضد الصناعة السورية الوطنية في مختلف المناطق من محافظة حلب، كسرقة للآلات والتجهيزات والمواد الأولية والمصنعة وغيرها ونقلها إلى تركيا ثم ملاحقة السارقين.
وقدّر معاون وزير الاقتصاد في تصريحات صحفية، الخسائر المتأتية عن سرقات معامل حلب بمئات المليارات، عبر سرقة أكثر من 1300 معمل وخط إنتاج، عدا عن الخسائر غير المباشرة المتعلقة بتعطيل للإنتاج والاعتداء على العمال وغيرها من الأضرار الأخرى.
ما بعد الأهداف المباشرة:
ويرى الصحفي «ع.ب» أن ما جرى ويجري في حلب وفي مختلف مناطق الشريط الحدودي المتاخم لتركيا هو محاولة لربط اقتصادات هذه المناطق بتركيا، وخلق نوع من التبعية الاقتصادية للسوق التركية تحت مزاعم عديدة، كمقدمة لأشكال أخرى من التبعية، وربما هي تهيئة المقدمات لعملية العبث بالخرائط والجغرافيا السياسية.