هموم وعقبات جديدة أمام الطالب السوري المناهج التعليمية الجديدة بين ضرورات التحديث وضعف الوسائل
في خطوة تندرج ضمن السياسات التعليمية التي تعتمد على القرارات غير المدروسة والتجارب غير مضمونة النتائج، تستمر عملية تغيير المناهج التعليمية في سورية، والتي بدأت منذ نحو تسع سنوات، وحسب الخطة التي وضعتها وزارة التربية فإن هذه التعديلات والتغيير في المناهج ستستغرق ما بين خمسة عشر وعشرين عاماً، أي أن هذه العملية ستكتمل في العام 2021، وهناك دراسات قامت بها اللجان المختصة بالتنمية البشرية وبعض المنظمات المحلية، صدرت عنها تقارير تبين أن هذه التعديلات ستصبح إلى ذلك الحين غير مجدية، نظراً للتغيرات السريعة التي تحدث في العالم من حولنا، وبناءً عليه فستصبح العملية التعليمية والتربوية في سورية آنذاك بحاجة إلى
تغيير جديد وتحديث آخر في المناهج.
للوقوف على مفاعيل المناهج التعليمية الجديدة ومدى تجاوب الطلاب والتلاميذ معها، وحتى المدرسين، قامت «قاسيون» باستطلاع واسع، وتساءلت مع عدد من تلاميذ الصفوف الأولى لمرحلة التعليم الأساسي وبعض طلاب الصفين السابع والعاشر، وبعض المدرسين عن جدوى هذه المناهج وتفاعلهم معها واستيابعهم لها، وكما في كل تجربة جديدة تمايزت الآراء بين مؤيد أو معارض أو شديد التذمر أو غير مبالٍ. وكان لنا اللقاءات التالية:
ـ كثير من الطلاب قالوا إنها مازالت تجربة جديدة ولم نعرف خيرها من شرها بعد، وعلى كل الأحوال الذي يدرس ويجتهد لابد أن يفهم وينجح.
أحد الموجهين التربويين قال: «مع تواصل المراحل التجريبية لتغيير المناهج الدراسية نرى أن المطلوب ليس فقط تغيير المناهج بالكلمات وأشكال الكتاب بقدر ما يتوجب التركيز على الجانب الفني والتقني بموازاة سياسة تعليمية وتربوية توفر الراحة والاستقرار النفسي والاطمئنان لدى الطلاب حتى يكونوا قادرين على الاستيعاب والعطاء، وهذا غير متوفر، الأمر الذي سبَّب صعوبة كبيرة في إدارة الشأن التربوي عامة، وإدارة المناهج التعليمية خاصة، والسبب الأهم لهذه الصعوبات يكمن في عدم وجود مخططين محليين للمناهج التعليمية، ومعظم مناهجنا نستقيها من تجارب الآخرين التي قد تنطبق على متطلبات واقعنا ومجتمعاتنا وقدراتنا، وقد لا توافق شيئاً من كل ذلك، فتكون الطامة الكبرى بالفشل الذريع. ناهيك عن أن بعض المعلمين مكبلون بالقرارات الوزارية ويؤدون وظيفتهم بعيداً عن الدور التربوي، مكتفين بتلقي الطلاب المعلومات الموجودة في الكتب بغض النظر عن استيعاب الطلاب لما يتم إعطاؤه».
تلوح الصعوبات منذ البوادر الأولى
ـ والد تلميذ في الصف الأول قال: «الدروس ليست صعبة ولكنها (مشربكة) يظنون أننا بروفيسورات عند شرح كل فقرة يوجد ملاحظة تقول راجع المصور رقم كذا في الكتاب الثاني، يعني عند الدراسة يجب أن نفرد كل الكتب بجانب بعضها، وننظر إلى هذا تارة، ونقرأ في الثاني ملاحظةً تارة أخرى، ونضيع بين هذا وذاك، فإذا كان هناك كتاب أساسي وكتاب مساعد فلماذا لم يفرقوا الصور والشرح من الكتاب الثاني بعد كل فقرة من الكتاب الأساسي وكل صورة بمكانها؟»
ـ تلميذ في الصف الرابع قال: «صحيح غيَّروا المنهاج ولكن بعدهم عايشين بالمنهاج القديم وهناك شرح لفقرة ما، تتبعه ملاحظة تقول (راجع الفقرة كذا من درس كذا من المنهاج القديم)، كيف ذلك؟ وهل سنضع الكتب الجديدة والقديمة أمامنا عندما ندرس؟!»
ـ أحد المدرسين قال: «إن المناهج الجديدة بشكل عام، والمطبقة في بدايات مرحلة التعليم الأساسي خصوصاً، مكثفة جداً وهي فوق طاقة الطلاب، مقارنة مع مناهج تعليمية مطبقة في الدول المجاورة، وقد ينعكس ذلك سلباً على بعض الطلاب ويُشعِرهم بالإحباط، وهذا باب واسع للهروب والتسرب من المدرسة».
ـ مدرس آخر قال: «حتى الآن الكثير من الكتب لم تصل إلى الطلاب، وليست موجودة حتى في مستودعات الكتب المدرسية، إضافة إلى أن دفتر تحضير المدرس حسب المناهج الجديدة لم نعرف ماهيته أو طبيعته بعد، لأنه غير موجود أصلاً، إذاً ترى هنا أن الوسائل التي نعتمد عليها في إعطاء الدروس غير موجودة، فعلى ماذا سنستند؟ وماذا سنلقن الطلاب؟!»
ـ طالب في الصف السابع قال: «أول نَص في كتاب اللغة العربية مكوَّن من 4 صفحات، وأكيد باقي النصوص على نفس النمط والمنوال، وعند الامتحان قد يأتيك سؤال من أي سطر من هذا النص، بمعنى أنك يجب أن تحفظ النص المكون من 4 صفحات حرفياً، دون تجاوز أو نسيان أية كلمة، وهذا ليس منطقياً وإنما هو تعجيز في تعجيز».
ـ طالب في الصف العاشر قال: «إن المنهاج الجديد معقد، ومعظم زملائي يشعرون بالقلق والتشتت والاضطراب والملل، وقد خيم جو من التشاؤم واليأس، وليس يلوح بالأفق سوى الفشل والرسوب».
نظرات متفائلة ولكن حذرة
ـ أحد المدرسين قال: بالعكس من النظرة التشاؤمية العامة التي تواجدت عند الكثير من الطلاب فإن المنهاج قوي ومتكامل ومتطور، وفيه منمنمات متفرقة من العلوم والتكنولوجيا والحضارة والتطور العلمي الذي نراه هذه الأيام، وقد تكون هذه الجرعة الكبيرة المفاجئة هي التي صدمت الكثيرين. ولكن بالدراسة والبحث والاجتهاد لا يوجد هناك شيء صعب، وخاصة إذا تم التعاون والتكامل وتبادل المعلومات بشكل صحيح وأسلوب جيد بين المدرس والطالب».
ـ والد طالب آخر من الصف السابع قال: «منظر الكتب جميل ومريح، ولكن أسعارها غالية جداً، ومن ناحية الدروس هناك انقطاع في السلسلة وفجوة كبيرة بين المنهاج القديم والمنهاج الجديد، والطالب الذي درس الصف السادس في العام الماضي، سوف يتفاجأ بأن المعلومات التي في الصف السابع لهذا العام كانت في منهاج البكالوريا في العام الماضي، يعني هناك قفزة كبيرة وفجوة وعدم ترابط، وهذا صعب علينا وكأننا نكتشف عالماً جديداً، ويلزمنا فترة حتى نستوعبه.
ـ طالب في الصف العاشر قال: «المنهاج صعب وغير مدروس، وبعض المدرسين لم يستوعبوه، وهذا واضح لأنهم لا يستطيعون أن يلقنونا المعلومات بشكل صحيح وجيد؟ وهذا الذي نعاني منه تماماً، فالمدرس يلقي بالمعلومات بشكل سريع وغير مفهوم، في كثير من الأحيان يقول: (اللي بيفهم وإلا عُمره ما يفهم) وهذا إما بسبب عدم استيعابه للمنهاج الجديد، أو هو أسلوب ضغط حتى نضطر للاستعانة بالدروس الخصوصية والدورات المأجورة، فالمدرس نفسه الذي يعطي دروساً خصوصية أو في الدورات يعطي الدروس بشكل جيد، وكثير من الوضوح في الأسلوب، وبشكل مختلف تماماً عما يعطيه في المدرسة».
ـ والد طالب آخر في الصف العاشر قال: «هذا التجديد والتغيير كان يجب أن يكون مدروساً أكثر فالتعليم خاصة لا يجوز المجازفة بتجربة غير مضمونة النتائج على نمط (يا رب تيجي في عينه) فنظام التعليم والاستيعاب يواجه الكثير من الصعوبات والعراقيل، فكيف نستوعب خططاً ومناهج جديدة مع وجود ما يزيد عن الـ50 طالباً في كل شعبة، على كل مقعد /4/ طلاب بينما هو مخصص لطالبين فقط، بالتالي نحن مضطرون للجوء إلى الدروس الخصوصية والدورات، ومعظمنا يُدبّر مصروف الأكل والشرب بالعافية، فمن أين سندفع ثمن الدروس الخصوصية والدورات؟»
ـ طالب آخر قال: «مناهج جديدة ومتطورة ما اختلفنا، نحن أصلاً بحاجة للتطوير والتحديث، لكن أسعار الكتب الجديدة كاوية، كل كتابين بسعر كيلو لحمة، و90% من زملائي لم يشتروا الكتب بعد، فتجربة تغيير المناهج تظهر صعوبتها من بدايتها مادياً وموضوعياً. ونتمنى أن تكون أكثر إمتاعاً وفائدة، ونحن بحاجة إلى مناهج حديثة ومتطورة ومختصرة.
ـ والد طالب في الصف العاشر قال: المناهج الجديدة معقدة ومشتتة، ويلزمها دراسة في أكثر من مرجع، والجمع بين كتابين أو أكثر، وهي ضخمة جداً ولا يستطيع الطالب احتواء المنهاج كاملاً، وخاصة المواد العلمية كالرياضيات والعلوم العامة، كما أنها جافة وتخلو من الإمتاع وتحتاج إلى تركيز كبير ووقت طويل للدراسة قد يقضي على باقي النشاطات والاهتمامات لدى الطالب، نناشد المختصين الذي عملوا على تغيير المناهج إعادة النظر وتدارك نقاط الضعف والإشكالات التي أحبطت عزم الطلاب من أول العام الدراسي».
ـ والدطالب في الصف الثامن قال المنهاج ضخم وكبير جداً وخصوصاً العلوم والاجتماعيات، وهناك مواد صغيرة وسخيفة، يعني ليس هناك معادلة تسوية بين المواد، وليس لدينا حل وسط، إما منهاج سخيف أو كبير وقوي لا يستطيع مجاراته إلا الطالب العبقري، وليس هناك مناهج تناسب الشرائح الكبيرة من طلابنا».
ـ والدطالب بكالوريا قال: السياسة التعليمية في سورية ضد الطلاب، وقد بدأت منذ زمن طويل بوضع العراقيل الكبيرة أمام مستقبل الشباب السوري عموماً، ويعتبر رفع معدلات القبول في الجامعة أكبر مدمر لمستقبل الشاب، وعائقاً كبيراً في العملية التعليمية، ومع ذلك فالكثير من الطلاب يحصلون على علامات مرتفعة، والآن جاءت المناهج التعليمية الجديدة لتكون الحاجز المتقدم قبل البكالوريا في وجه الطلاب الذين لم يعودوا يعرفون ماذا يدرسون ومن أين سيبدؤون، وبرأيي هذه خطوة متقدمة على طريق سياسة التطفيش من المدرسة، أو ادفع ثمن العلم إن كنت قادراً على الدفع».
ـ والد أحد الطلاب قال: «إن المناهج التعليمية في سورية القديمة والجديدة صعبة، وليس هناك مناهج في صعوبتها في كل دول العالم، فإلى أين يريدون أن يوصلوا أبناءنا؟ هل يريدون رميهم في الشارع دون شهادات؟ عندي ثلاثة أولاد في المدرسة، في الصف الخامس والسابع والعاشر ونحن نقطع اللقمة عن أفواهنا، وندفع للمدرسين الخصوصيين ونعيش (مرة شبعة وعشرين مرة جوعة) فهل المقصود أن يجعلوا العلم للأغنياء والموسرين فقط؟ وباقي الشعب الجوعان ألا يوجد من يقدر ظروفه؟»
ـ موجِّه تربوي مختص له باع طويل في التدريس ومن المخضرمين في العملية التربوية أفادنا بالمعلومات العامة والتساؤلات الهامة حول المناهج التعليمية الجديدة فقال: «إن المناهج الجديدة هي نسخة معرَّبة عن المناهج اليابانية ذات الأصول البريطانية والأمريكية، وهي قوية جداً ويلزمها الكثير من وسائل المساعدة الضرورية التي لا تتوفر في مدارسنا. وقد تم اتباع هذه المناهج في الكثير من دول الخليج، ورغم وجود الوسائل المتطورة والإمكانات المادية الكبيرة فقد فشلت هذه المناهج في كثير من هذه الدول، واليوم محاولة تطبيقها في سورية هي مجازفة كبرى، فالمناهج الجديدة تتطلب وجود جهاز إسقاط ضوئي في كل قاعة وفي كل شعبة صف، وتعتمد على الصوتيات والسمع ما يتطلب أيضاً وجود أجهزة صوت وجهاز تسجيل ووسائل مساعدة أخرى، وهذه الوسائل ليست متوفرة عندنا ولو واحد بالألف، وحتى الدول التي تملك هذه الإمكانات فشلت التجربة فيها، فما بالك مع ضعف الوسائل وانعدامها؟!»
وللعلم فإن الكثير من الكتب لم تصل للطالب بسبب عدم قدومها من الخارج بعد، حيث هناك معلومات غير مؤكدة أن المناهج الجديدة تتم طباعتها خارج سورية في إحدى دول الخليج ومتعهد الطباعة من الشخصيات التي تثير الكثير من التساؤلات والجدل.
هذه هي السياسة التربوية التعليمية التي تتبعها الحكومة في سورية، متناقضة مثيرة للجدل وتدور حولها التساؤلات وتتأرجح المواقف بين مؤيد ومعارض دون وضوح تام للصورة أو حتى ضمان لأية نتيجة. فهل المناهج التعليمية الجديدة هي حقاً حاجز متقدم في وجه العملية التعليمية وعملية كبح في مستقبل الشاب السوري؟ أم أنها حقاً عملية تطوير لم نستطع بعد تصور نتائجها ويجب أن ننتظر الحصاد لنرى ما تتمخض عنه هذه التجربة التي مازالت ملامحها غير محددة وفي حكم المجهول؟!! أسئلة كثيرة قد نجد الإجابة عنها في سياق الشهور القادمة مع نتائج النجاح في الصفوف الدراسية المختلفة وعلى مساحة سورية كاملة والتي نأمل أن تكون عند حسن ظن البعض، وبعيدة عن مشاعر التخوف والشك!!