«جلاية» الحكومة الإلكترونية.. هل تنظف «الأطباق» البيروقراطية؟!
على الرغم من تطور الوسائل الالكترونية المستخدمة في إدارة المؤسسات وتنظيم حركة العمل فيها بما يكفل السرعة والإتقان بتلبية متطلبات المراجعين، وتوفير الوقت والجهد لكل من الموظف والمواطن، إلا أن الحديث الطويل عن هذه التقنيات وعن إمكانية تطبيقها في دوائرنا الحكومية بهدف الحد من الروتين والبيروقراطية والفساد الإداري المستشري فيها، لم يثمر شيئاً حتى الآن وبقي في مقام الكلام لا أكثر، وذلك طبعاً رغم وجود بعض المحاولات في بعض الدوائر الرسمية في هذا الاتجاه،
ولكن هذه المحاولات ما تزال خجولة ومحدودة وعاجزة عن تلبية احتياجات المراجعين، ولم يستطع المواطن حتى الآن أن يلمس أقل فوائدها في حين لمس كثيرون من المواطنين في بعض الدول العربية المجاورة هذه الخدمات بشكل فعال، علماً أن واقع إمكانيات هذه البلدان لا يختلف كثيراً عن الواقع السوري الذي قد يكون متقدماً على غيره في عدة مجالات.
والواضح أننا حتى الآن لم نستطع تطبيق أبسط النظم الالكترونية الخاصة بتنظيم الأمور الإدارية في دوائرنا الحكومية، وهي نظام ربط أجهزة الحاسب الموجودة في مؤسسة واحدة عبر تقنية الشبكة الالكترونية لتوفير انتقال المعلومات بين مكاتبها والاستغناء عن السجلات الورقية شبه التالفة لحفظ البيانات عليها. فكيف لمن يتحدث عن إنشاء حكومة الالكترونية تربط معظم دوائر الحكومية ببعضها البعض بهدف تدفق المعلومات بينها بما يكفل سرعة في تأمين متطلبات مراجعيها، أن ينفذ وعده بتطبيق مثل هذا المشروع الضخم؟ وكيف له أن يحمي المواطن السوري من تخلف الأساليب الإدارية والروتين والفساد الإداري المتفشي في معظم الدوائر الحكومية؟.
لقد بات المواطن السوري يخشى أحياناً دخول إحدى هذه الدوائر الرسمية للحصول على ورقة رسمية ضرورية يحتاجها، وذلك فقط تفادياً لصعوبة المعركة التي تنتظره داخل هذه الدوائر من روتين خانق وبيروقراطية جامدة وفساد سيجبره لرش راتبه الشهري على الموظفين المسؤولين عما يحتاج إليه من أختام وتواقيع رغم أن أوراقه قانونية وبسيطة المطلب!. هذا المواطن الذي سيكون مضطراً للتعرف على معظم موظفي الدوائر الحكومية قبل أن يحصل على عشرات التواقيع على ورقة- لم يعد ما كتب فيها واضحاً من كثرة الأختام- عليه بعد ذلك أن يزور عشرات المكاتب حتى يستطيع ممارسة هوايته في جمع الأختام الإضافية المدرجة على لائحة أطباق البيروقراطية المتبعة في كل الدوائر الحكومية، هذا إن لم تكن هذه الأختام تسكن في عدة دوائر رسمية متباعدة المسافة، وإذا كان المواطن يطمع بابتسامة من الموظف فعليه- إضافة إلى الوقت الذي سيقضيه أمام باب كل مكتب سيقصده- أن يسدد ثمن الابتسامة وينتظر بلطف أن يصل الموظف المسؤول إلى المعلومات المطلوب التأكد منها قبل وضع توقيعه، ولا داع هنا للإشارة إلى الوقت الطويل الذي سيحتاجه المواطن قبل أن يحصل على آخر توقيع! ولا إلى المبلغ الذي يجب أن ينفقه هذا المواطن بين رسوم وطوابع ورشاوى ومواصلات!.
للأسف هذا جانب مما باتت تمثله الدوائر الحكومية في سورية، وجزء مما يتكبده المواطن من أجل الحصول على ورقة رسمية قد يتوقف مستقبله عليها، وجزء كذلك مما تتسبب به الأساليب الإدارية المتخلفة التي تملأ الدوائر الرسمية بأوساخ الروتين والبيروقراطية والفساد الإداري.