شركة التوكيلات الملاحية في بطن الحوت!!
أحدثت الشركة العامة للتوكيلات الملاحية في عام 1969، لكي تكون حلقة مكملة لمنظومة قطاع التجارة الخارجية، ولكي تتولى خدمة البضائع المستوردة والمصدرة من القطاع العام والخاص.
وبعد استقرار أوضاعها خلال العقود الثلاثة الماضية، رفدت خزينة الدولة بعشرات المليارات، إلى أن تم إصدار المرسوم رقم /55/ لعام 2002 الذي يقضي بالسماح للوكالات الخاصة بالعمل إلى جانب شركة التوكيلات شريطة استقدام خطوط ملاحية جديدة للوكالات الخاصة.
لكن تجربة الأعوام الماضية منذ تطبيق هذا المرسوم بينت أن الوكالات الخاصة لم تستقدم أي خط ملاحي جديد، ولم يتم سؤالها من الجهات المختصة عن هذا الأمر، إلى جانب عدم تسجيل عمالها في التأمينات الاجتماعية وتهربها من تسديد الضرائب المستحقة.
شكلت مؤخراً لجنة مثلت فيها كل الجهات ذات العلاقة باستثناء اتحاد العمال، مهمتها البحث عن آلية عمل جديدة للشركة، بحيث تنحصر مهامها بمنح التراخيص للمهن البحرية، وتخليها عن عملها الأساسي للوكالات الخاصة التي يطبل ويزمر لها، وتقديم هيكل تنظيمي للهيئة الجديدة وبملاك عددي لا يتجاوز خمسين عاملاً.
إن تحويل هذا الاقتراح إلى موضع التنفيذ يعني فيما يعني وهو أهون الشرور رغم خطورته، التخلي عن /90%/ من العمالة الموجودة حالياً، والبالغة /500/ عامل تقريباً، والعمل على نقلهم إلى جهات حكومية أخرى.
هل هي خاسرة أصلاً؟
منذ تأسيس الشركة كانت ناجحة، وحققت أرباحاً كبيرة عادت بأكملها إلى خزينة الدولة سواء كضريبة دخل أو فائض موازنة إلى صندوق الدين العام، لذا فإنه من الظلم والإجحاف أن تكافأ بتصفيتها بدلاً من تطويرها، وتكليفها بمهام ثانوية خصوصاً وأنها أصبحت بعد هذه السنوات الطويلة من العمل تضم كادراً جيداً ومؤهلاً للعمل في ما هو أهم وأجدى.
إن المرسوم التشريعي رقم /55/ لعام 2002 الذي نصَّ صراحة على أنه تجوز التراخيص للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين بمزاولة أعمال الوكالة البحرية للسفن التجارية التي تؤم المرافئ السورية، قد تم تجاوزه، فاستناداً لهذا المرسوم أصدر وزير النقل القرارين رقم 750 و751 لعام 2003 حيث ينص القرار رقم 750 بتحديد نسب المبالغ المقطوعة التي يجب على الوكيل الخاص تسديدها إلى شركة التوكيلات الملاحية لقاء الترخيص الذي يسمح له بمزاولة أعمال التوكيل الملاحي، أما القرار رقم 751 فقد حدد الشروط المطلوبة للحصول على الترخيص.. لكن من الغريب أنه قبل صدور هذا القرار والقرارات الناظمة له كان متوسط إيراد الشركة بالقطع الأجنبي ما بين عام 1998 ولغاية عام 2000 نحو /12000.000/ فقط اثنا عشر مليون دولار، وذلك من واقع ميزانيات الشركة، وبعد صدوره انخفضت إيرادات الشركة بالقطع الأجنبي وأصبحت على الشكل التالي:
في عام 2004 انخفضت إلى مبلغ /6,425,012 / مليون دولار.
وفي عام 2005 انخفضت إلى مبلغ /3.509.875 مليون دولار.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لمصلحة من هذه الخسائر التي أصابت شركة التوكيلات الملاحية وكيف تتالت الخسائر؟
لقد بدا واضحاً أن هناك سعياً دائماً ومتواصلاً من بعض الجهات التي لا تهمها البلد ولا اقتصادها، بل همها القضاء على كل من يقف في طريق تحقيق مصالحها ومآربها، ومن هذه العثرات التي تعترض طريق مصالحهم شركة التوكيلات الملاحية.
أليس مستغرباً المطالبة المستمرة من الوكالات البحرية الخاصة ممثلة بغرفة الملاحة ورئيسها بإلغاء رسم الوكالة التي تستوفيه شركة التوكيلات استناداً للقرار رقم 750 لعام2003؟
والأسوأ من هذا، مطالبة غرفة الملاحة البحرية بالتعاون مع بعض الجهات الانتهازية بإعادة هيكلة الشركة، وتصفيتها وتحويلها إلى هيئة ذات طابع إداري ليس لها أية علاقة بالتوكيل الملاحي لبضائع القطاع العام.
إن إلغاء رسم الوكالة التي تستوفيه الشركة لقاء الترخيص للوكالات الخاصة استناداً للقرار رقم 750 الناظم لهذه الوكالات يعتبر خسارة حقيقية، للشركة أولاً، وللموازنة العامة في نهاية المطاف.
وهكذا سيصبح النقل البحري برمته تحت رحمة مجموعة من الأفراد، جل همهم تكديس الثروات بالدولار، دون تقديم أية استثمارات لخدمة الوطن.. فوفقاً لمحاضر اجتماعات وزارة النقل، فإن جميع السفن الناقلة لبضائع القطاع العام، بما فيها ناقلات النفط التي تؤم المرافئ السورية ستكون تحت رحمة الوكالات الخاصة، وما تفرضه عليها من رسوم إضافية سيتم بالنهاية عكسها على المستهلك النهائي (المواطن)، وبالتالي زيادة أرباح هذه الوكالات الخاصة بشكل مرعب على حساب الوطن والمواطن.
تصفية الشركة بحجة العمالة الفائضة
طوال الوقت كان هناك من يتذرع بالعمالة الفائضة لتصفية الشركة، ومن ثم إلغائها بشكل نهائي، ولعل هذا ما دفع باتجاه استصدار المرسوم /55/ لعام 2002..
واليوم، لا يتم سؤال غرفة الملاحة البحرية عن ملايين الدولارات والليرات السورية التي تحصل عليها من البواخر الأجنبية والسورية لقاء رسم غرفة الملاحة البحرية وغيرها من الرسوم.. فأين تذهب الأموال؟ وكيف يتم صرفها؟ وما هو حجم الاستثمارات التي تقوم بها خدمة للوطن والمواطنين؟ وما هي مبالغ الضريبة التي تدفعها الوكالات الخاصة إلى الدوائر المالية مقارنة مع الضريبة التي تدفعها الشركة، والتي بلغت في عام 2009 /64.000.000. / ل.س أربع وستين مليون ل.س، إضافة إلى تسديد مبلغ /124.000.000. / مائة وأربعة وعشرين مليون ل.س إلى صندوق الدين العام.
اتحاد عمال اللاذقية يفضح كل شيء
حصل اتحاد عمال اللاذقية بشكل غير رسمي على محضر اجتماعين، الأول منعقد برئاسة وزير النقل بتاريخ 21/7/2010، والثاني برئاسة معاون الوزير لشؤون النقل البحري بتاريخ 27/7/2010، يفيدان بأن مدير عام شركة التوكيلات الملاحية تقدم بمذكرة بالتعاون مع غرفة الملاحة البحرية تتضمن حل شركة التوكيلات الملاحية، والعمل على تحويلها إلى هيئة ذات طابع إداري مهمتها الترخيص والإشراف ومراقبة النشاطات التجارية للقطاع البحري.
وهنا لابد من طرح الملاحظات التالية:
1- إن مذكرة على هذه الدرجة من الخطورة والأهمية يجب تقديمها من مدير عام الشركة على اللجنة الإدارية للشركة أولاً، وطالما أنها لم تعرض فيجب إهمالها سنداً للقانون رقم /2/ لعام 2005.
2- إن التذرع بالعمالة الفائضة لتصفية الشركة هو تهرب من المسؤولية ولكن دون الإشارة إلى الأسباب الحقيقية:
أ- عدم تقيد الوكالات البحرية بالمرسوم /55/ لعام 2002 الذي سمح لها بالعمل إلى جانب شركة التوكيلات الملاحية والترخيص لها بالعمل دون استقدام أي خط جديد.
ب- تزوير وقائع نسب حمولات السفن من بضائع القطاع العام إضافة إلى تقديم وثائق بأن البضائع للقطاع الخاص وتبين بأن مقصدها النهائي القطاع العام.
3- من المستغرب أن تصبح الشركة مفلسة في الوقت الذي تنشر فيه الصحف تصريحات مدير عام الشركة بأنها رابحة، ومنافسة قوية للوكالات الخاصة وهنا الأمر يدعو لمائة تساؤل؟
4- إن تصفية الشركة يضر بالقطاع العام بحيث يصبح تحت رحمة مجموعة من الأفراد جل همها البحث عن الربح، ولو كان على حساب الوطن والمواطنين، إضافة إلى أنه يشكل خطورة على الأمن الوطني.
5- إن إلغاء شركة التوكيلات الملاحية يعني بأن جميع السفن والناقلات التي تؤم المرافئ السورية ستكون خاضعة للوكالات الخاصة إضافة إلى المستوردات «السرية» وبضائع القطاع العام وناقلات النفط...
يقول وزير النقل «لسنا بصدد كيل الاتهام إلى إدارة التوكيلات الملاحية وتحميلها مسؤولية التراجع الحاصل في عملها، حيث أن هذا التراجع هو تراجع حتمي نتيجة دخول القطاع الخاص كمنافس، وهذا الموضوع يتعلق بمعظم شركات ومؤسسات القطاع العام، وحتى القطاع المشترك في سياق منافسة القطاع الخاص له، فهي ظاهرة عامة وليست محصورة فقط بشركة التوكيلات الملاحية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ضمن أية شروط ينبغي جعل القطاع العام في المنافسة مع القطاع الخاص؟
أما عضو مجلس إدارة غرفة الملاحة البحرية المنافس لشركة التوكيلات الملاحية فقد قال في مذكرة أعدها أن «القطاع العام ممثلاً بشركة التوكيلات الملاحية يجب عليه الخروج من العقلية القديمة التي أدير بها خلال سنوات الحصر وغياب المنافسة، وضرورة التأقلم مع السياسة العامة للدولة المتجهة لإلغاء الحصرية، وإشراك القطاع الخاص بعملية التنمية بكافة المجالات، كما يجب التخلص من فكرة أن القطاع الخاص قد سلب عمل القطاع العام، وخصوصاً الخطوط النظامية، والإقرار بأن القطاع الخاص كان موجوداً قبل الحصر، وأنه قام سابقاً ولسنين عديدة بتخديم هذه الخطوط وبكفاءة عالية مشهود له بها وقد عاد إلى عمله كمنافس».. فهل من عاقل يستطيع تفسير هذا التناقض أو التصالح بين الخطابين؟
مقترح خطير جداً
مقترح وزارة النقل الجديد أن تتحول شركة التوكيلات الملاحية من شركة منافسة للقطاع الخاص إلى هيئة أو مؤسسة منبثقة عن الوزارة، مهمتها الترخيص والإشراف، ومراقبة النشاطات التجارية للقطاع الجوي، ومن بينها التوكيل الملاحي الذي يقوم به القطاع الخاص بالإضافة إلى المهن البحرية الأخرى التي يمكن أن تشرف عليها، والتي هي الآن من صلاحية المدير العامة للموانئ. فهل بهذه العقلية نكافئ شركات القطاع العام؟ وهل يحق أصلاً للشركات الخاصة أن تعرف كل ما يجري في موانئنا؟ على المعنيين الرجوع عن القرار هذا خاصة بعد أن بين الاتحاد العام لنقابات العمال في مذكراته خطورة الموضوع في كل المجالات بما فيها قضية الأمن الوطني، فهل من ثمة أخطر من ذلك؟