غاز.. غاز!

غاز.. غاز!

اتصلتُ بزوجتي من هاتفي الخلوي مازحاً متظاهراً بالفزع: «حياتي أنا مخطوف من المسلحين ويطالبون بفدية، فماذا تدفعين»؟! أجابت على الحارك وبأسلوبها الساخر اللاذع وقد اعتادت على مزاحي:« يا أمان! عن جدّ؟ قل لخاطفيك بأنني لن أدفع متليكاً واحداً. وأرجو منك أن تحدد بدقة ساعة اختطافك بالدقيقة والثانية، من أجل الاحتفال سنوياً بهذه المناسبة الغالية».. سألتها معاتباً: «وهل حبيب قلبك ورفيق دربك لأكثر من عشرين عاماً.. رخيصٌ بنظرك إلى هذه الدرجة؟ يا عيب الشوم!»، أجابت: «والله الحبيب الذي يترك أهل بيته دون جرّة غاز لأكثر من عشرين يوماً، ويجعلهم ينتظرون نعمة الكهرباء لاستخدام السخان للطبخ والنفخ وضرّاب السخن.. يستحق جواباً كالذي سمعت».. قلتُ بمحبة: «ولكن يا روحي أنا لم أقصّر بالبحث عن الغاز، وتعرفين مشاويري اليومية إلى مراكز توزيع الغاز والعودة بخفّي حُنين، لدرجة نقص وزني عدة كيلوغرامات من كثرة الذهاب والإياب والقلق والتوتر والنرفزة»..

سألت بمكر الأنوثة: «ألم تستلموا أهم المناصب الحكومية في المجال الاقتصادي؟ هات لنشوف حلّوا أزمة الغاز».. قلت لها: «طوّلي بالك يا حياتي، من المعروف أن الحكومة في كل دول العالم يتم منحها مائة يوم  ليبدأ الشعب بتقييمها بعد ذلك».. قاطعتني غاضبةً: «وهل سننتظر مائة يوم لكي تؤمّن لنا جرّة غاز؟ بالله عليك قل لي ما نوع الدم الذي يسري في عروقك؟!»..

أجبتها بعد أن نقلت الموبايل إلى الأذن الأخرى: «صدّقيني إن بلدنا يعوم على بحر من النفط والغاز. ويكفي أن أبشّرك بأن منطقة (قارة) وحدها يمكننا أن ننتج من حقولها (400) ألف متر مكعب من الغاز يومياً، فما بالك ببقية المناطق والتي حسب الإحصاءات والتقديرات الأخيرة فإن سورية ستكون أول بلد في العالم في إنتاج الغاز؟ وما الأزمة التي نعيشها حالياً إلا ضمن هذا السياق.. وأعتقد أن جزءاً مهماً من الصراع على سورية سببه الغاز. أرجوك طوّلي بالك».

بعقت بحدّة حتى أن أذني حديثة الاستخدام أصابها بعض الأذى: «هل أنت في اجتماع حزبي لتنظّر علينا؟ الزوج الشاطر ينتزع اللقمة لأطفاله من فم السبع، وأنت ليس بمقدورك تأمين جرّة غاز؟! زوج آخر زمان والله!».. أجبتها: «رحمة الله على (بوذا) الذي شخّص حالة أمثالك النفسية قبل أن يوارى الثرى. مشكلتك يا روحي أن معاناتك سببها التعلّق برغباتك الإنسانية، وهي التي تخلق الألم لديك عند عدم تحققها، وللتخلص من المعاناة والألم، ينبغي عليك التخلص من الرغبة، وبالتالي الوصول إلى النيرفانا.. (أي بلا الغاز كله على بعضه شو يعني؟) جرّبي أن تتحرّري من رغباتك وحاجاتك وستلاحظين كم ستكونين سعيدة»..

ردّت: «ههه، هكذا إذن؟ والله يبدو أنني سأتحرر منك يا فريد عصرك.. ولك هل يوجد عاقل في الأرض يحاول إقناع زوجته بالتخلّي عن الغاز؟».. قلت لها: «لنتفق أولاً أن أزمة الغاز عامة ويعاني منها غالبية الشعب السوري. وحبّذا لو تضامن المسؤولون في بلدنا مع الشعب وجرّبوا معاناة فقدان الغاز من بيوتهم». أطلقت تنهيدة محروقة بلهب الحسرة: «وهل يوجد مسؤول واحد في التاريخ جرّب معاناة شعبه ليشعر بأحوالهم؟»، أجبتُ بحرارة وثقة: «نعم يا عزيزتي هناك الكثير؛ هل أذكّرك بالخليفة عمر بن الخطاب الذي خاطب بطنه الذي كانت أمعاؤه تستغيث بسبب الجوع بعبارته المشهورة ((قرقر أو لا تقرقر فإنك لن تذوق السمن قبل أن تذوقه أمة محمد)). وقائد ثورة أكتوبر فلاديمير إليتش لينين عندما دخل أحد الفلاحين إلى مكتبه وقت الغداء ووجده يأكل وجبته الجافة (هريسة) من دون سمنة. فشهق الفلاح دهشةً وسارع إلى تقديم كمية من الشحم والخبز من زوّادته متسائلاً باستنكارٍ وتعاطفٍ شديدين: هل يعقل أن يفتقر طعام رئيس البلاد إلى الشحم في هذه الظروف الشتائية القارسة؟ فأجابه لينين: ((بلا شحم في الوقت الحاضر أيها الرفيق. طالما أغلبية الشعب الروسي يعاني من فقدان هذه المادة، فأنا لست بأفضل منه))».. 

فجأةً ينقطع الاتصال وأفطن إلى أنني كنت أتحدّثُ من موبايلي إلى هاتف بيتنا الأرضي وقد انتهت الوحدات من رصيدي. ولما تذكرت أن مدة مكالمتي مع زوجتي تجاوزت الخمس دقائق، أدركت أنني منحتُ إدارة شركة الخلوي مبلغاً محرزاً. تساءلت حينها: تُرى هل سنقوم بتأميم شركتي الخلوي كما تمت المطالبة سابقاً.