القطاع العام بين الحوار الاقتصادي ومبادئ نائب وزير الصناعة
عقد مؤخراً الملتقى الوطني للحوار الاقتصادي بهدف بلورة رؤية مشتركة حول قضايا الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، بحضور حوالي 300 مشارك يمثلون مختلف أطياف المجتمع وهيئاته الاجتماعية والاقتصادية، وقبل انعقاد هذا الملتقى بأيام قليلة قدّم نائب وزير الصناعة خطةً لإصلاح القطاع العام تضمنت مبادئ سبعة، اقترحها كأسس للإصلاح، وعقد اجتماعاً مع القيادة النقابية شرح فيها هذه البنود، وطلب إبداء ملاحظاتهم عليها.
قبل كل شيء لابد من التساؤل: هل القطاع العام خارج الملتقى الوطني، وبالتالي خارج الإصلاح الاقتصادي؟ أم أننا مازلنا في حقلٍ للتجارب موضوعه القطاع العام والإصلاح الاقتصادي؟
نقول ذلك لأنه ومنذ عام 2001 والمحاولات مستمرة لإصلاح القطاع العام، بل ومنذ العام 1982 في مؤتمر الابداع الوطني والاعتماد على الذات، ونتجاوز هذا المؤتمر ونقول إن الحديث عن الإصلاح بدأ من خلال لجنة الـ35 الثانية، في إطار برنامج إصلاح اقتصادي شامل وضعه فريق من الخبراء الوطنيين، وسلم لرئيس الوزراء في 27/5/2003، وفي عام 2004 جرت محاولات ووُضِعت أسس لهذا الإصلاح، وفي عامي 2005 و2006 وُضِعت نظرياتٌ وحُدِّدت الطرق التي يجب أن تُتَّبَع بعد أن قُسِّمت الشركات وصُنِّفت، ورفعت وزارة الصناعة أكثر من مشروع إلى اللجنة الاقتصادية وإلى رئاسة الوزراء، وتقدم اتحاد العمال بأكثر من مشروع.
تجارب لم تنته
في عام 2006 وضعت وزارة الصناعة استراتيجية جديدة لإصلاح القطاع العام، وشكلت لجنة لهذه الغاية من الوزارة وغرفة الصناعة والتجارة واتحاد العمال، وبعد سلسلة من الاجتماعات تم الاتفاق على المشروع لإقراره. ومرت السنوات، وتعالت الاقتراحات المترافقة مع تصريحات خجولة تؤكد على الخصخصة، وتصريحات أخرى تنفي هذا الاتجاه، ولكن في الاتجاه الأول لم يكن العمل متوقفاً، كان النائب الاقتصادي وفريقه يعملون بلا هوادة على إغلاق الشركات الخاسرة، وعلى إيصال الشركات المتعثرة إلى الخسارة لطرحها على الاستثمار أو تصفيتها، وعلى ترك الشركات الرابحة تعمل دون دعم أو إصلاح أو تطوير، لإيصالها إلى الخسارة أيضاً.
منذ بداية الخطة الخمسية العاشرة في 1/1/2006 تم البدء بإصدار التشريعات اللازمة للانتقال إلى اقتصاد السوق. قائد نقابي قال أمام النائب الاقتصادي: «الخطة الخمسية العاشرة كانت خطةً للتحول نحو الخصخصة واقتصاد السوق الحر، وإقصاء الدولة عن دورها في الحياة الاقتصادية، والقضاء على كل أدوات تدخل الدولة ولاسيما القطاع العام، علماً أن النائب الاقتصادي صرح عندما قدم للخطة العاشرة قائلاً: «لا خصخصة في الخطة الخمسية العاشرة»، ولكن كل التحول الذي جرى بعد ذلك تم على حساب الشرائح الفقيرة من عمال وفلاحين وسواهم، وهم الذين يدفعون حتى الآن ثمن هذا التحول، وأصحاب رأس المال هم الذين يقطفون ثماره، والدليل على ذلك أن معدل النمو الذي تحقق في سنوات الخطة الخمسية العاشرة لم يكن محابياً ومناصراً للفقراء، بل كان نمواً مناصراً للأغنياء فقط وأدى إلى إعادة تمركز الثروة من جديد في أيدي قلة قليلة من الأثرياء الجدد الناهبين لخيرات الوطن وقوت الشعب، وتكمن خطورة هذا النمو أنه أتى من الاقتصاد الريعي الذي يؤسس لنهج الاحتكار وظهور حيتان المال الجدد، وليس من الاقتصاد التنموي الحقيقي الذي يؤسس لتنمية شاملة تنعكس على الشرائح الكبيرة في المجتمع وخاصة الفقراء، الأمر الذي أسس بدوره أرضيةً ومناخاً مناسباً لنزول الناس إلى الشارع للمطالبة بالكرامة والحرية وتحسين الوضع المعيشي.
يقولون ما لا يفعلون
ولذر الرماد في العيون، ولتعمية الناس عن المخطط الحقيقي للحكومة، هناك من ذهب أبعد من ذلك في الحديث فقال أحدهم: «إن من يدعو لإبعاد تدخل الدولة عن الشأن الاقتصادي إنما يدعو للفوضى المنظمة التي تنتعش في مناخها المضاربات وينتشر فيها الفساد والرشوة في غياب سلطة الدولة، والأزمة المالية التي انطلقت من أقوى اقتصاد في العالم تثبت ذلك». ورغم ذلك كانت الحكومة السابقة تعمل على إبعاد تدخل الدولة، والوقائع تقول إنه كان هناك اتفاق معلن أو غير معلن بين الحكومة السابقة وصندوق النقد الدولي على تنفيذ البرامج الانفتاحية، وبيان بعثة صندوق النقد الدولي عام 2006 حول الاقتصاد السوري، والذي يقدم وصفات جاهزة للإقلاع بما كان يفكر به الفريق الاقتصادي، وما خطط له، وما نفذه على أرض الواقع.
السؤال المطروح: «أين كانت القوى الغيورة على القطاع العام وعلى الاقتصاد الوطني، مما جرى على الساحة الاقتصادية في سورية؟». في كل الأحوال، اليوم يعقد مؤتمر وطني للحوار الاقتصادي، ويقدم نائب وزير الصناعة رؤيته أو خطته حول إصلاح القطاع العام، وحتى يخرج المؤتمر الوطني بتوصياته التي سترفع إلى الجهات العليا نقول: إن ما طرحه نائب وزير الصناعة في رؤيته ليس طرحاً جديداً، وقد يلاقي هذا الطرح تأييداً كبيراً في نقاط أساسية هامة منها:
ـ تحديد العلاقة مع وزارة المالية بالضريبة على الأرباح، وبنصيب المالك من الأرباح.
ـ يخضع بيع الأصول الثابتة للشركات المزمَع إحداثها(أراضي، مباني، اسم تجاري) لدستور الدولة وقوانين من مجلس الشعب.
ـ حل التشابكات المالية.
وهناك نقاط أخرى قد تُرفَض نهائياً، لأن الغاية من الرؤية أساساً هي العمل وفق معايير اقتصادية جامدة (الربح والخسارة) فأين الاجتماعي إذاً؟!
مجالس إدارات الشركات القابضة هي الجهات المختصة بوضع أنظمة العمل فيها وكل التعليمات اللازمة لهذا العمل، وهنا نخشى التراجع عن القانون الذي أقر النص القاضي بالعمل وفق مبدأ (العقد شريعة المتعاقدين) الذي أقرته وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة السابقة.
أسئلة وتساؤلات كثيرة يمكن طرحها حول رؤية نائب وزير الصناعة لإصلاح القطاع العام، وهنا نطرح السؤال المحير: «هل وصلت الحكومة إلى العجز الكامل عن إصلاح ما تبقى من شركات القطاع العام، حتى تقوم بتأسيس شركات تتفرَّع عنها شركات أخرى؟» أجاب عن هذا السؤال نائب وزير الصناعة عندما قال مؤخراً: «لم يكن للحكومة السابقة إرادة لإصلاح القطاع العام، بل وأوقفت محاولات عديدة لإصلاحه».
نأمل من الملتقى الاقتصادي الخروج برؤية واضحة، ومنهج محدد يمتلك الفاعلية والتأثير، والتنفيذ على أرض الواقع.