مجانين عامودا.. وذكرى حريق السينما
صادف يوم الأحد 13 تشرين الثاني الذكرى الحادية والخمسين لحريق سينما عامودا، ونستطيع القول «ذكرى حريق عامودا» بأكملها!! لأنه استشهد في هذه الحادثة أكثر من 200 طفل بعمر الورد تراوحت أعمارهم ما بين 8 – 12 سنة، أي استشهد من كل بيت طفل أو أكثر تقريباً، عدا الذين تشوهت وجوههم وأجسادهم.. لقد كانت كارثة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى.
لن أبالغ بعد كل تلك السنين، إذا قلت اليوم إنه لو أن كل شعراء العالم اجتمعوا حينها لعجزوا عن وصف ذلك المشهد المروع للسينما وهي تحترق، وألسنة النيران وهي تلتهم فلذات أكباد عامودا.. وقتها عجزت كل أجهزة القمع والاستبداد عن إسكات تلك الأصوات التي تخترق جدار النار وهي تصرخ (وا أماه.. وا أبتاه).. أما صراخ وبكاء الأمهات فكان يُسمع من مسافات بعيدة جداً.. ولن أبالغ إذا قلت أيضاً: لو إن تلك الدموع التي سالت من عيون الأمهات والأخوات حزناً على الأطفال المنكوبين رُشّت على اللهيب المستعر لأطفأته!!.
كل المدينة كانت تبكي.. وكانت أصوات المآذن تختلط مع أجراس الكنائس مع أصوات النواح.. ممتزجة مع بعضها لتعزف سيمفونية جنائزية لعامودا التي تحترق..
نسأل اليوم: ما ذنب هؤلاء الأبرياء؟؟ ما ذنب هؤلاء الطيور؟؟ ما ذنب تلك الورود؟؟ هل قاموا بمظاهرات أم بإضراب عام أم باعتصام أم بثورة ضد النظام القائم آنذاك؟؟ كلا ليس هذا أو ذاك.. السبب هو وقوف أهالي عامودا إلى جانب الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي.. ويا له من ذنب!!
فقبيل الحريق، تم عرض فيلم سينمائي عربي في سينما عامودا، على أن يكون ريع هذا الفيلم لمصلحة الثورة الجزائرية، وعندما سمع الأهالي بذلك، ساهم كل بيت، بل كل الأهالي دون استثناء بشراء بطاقات الدخول، وهكذا فإن الصالة التي كانت تسع لـ200 مشاهد، راحت تضم في كل عرض 500 مشاهد دفعة واحدة، وذلك بسبب تصرف أهوج من اللجنة المشرفة..
ولم تكن تلك المرة الوحيدة التي يساهم فيها أهالي عامودا بدعم الثورات، فقد ساهموا قبل ذلك وبعده بدعم الثائرين والمظلومين، وخصوصاً الثورة الفلسطينية من خلال التطوع في فصائل المقاومة الفلسطينية.. وقد اشترك عدد كبير منهم بالعمل الفدائي ضد قوات المارينز والقوات الإسرائيلية في لبنان وغيرها وغيرها.. ولسنا بصدد تبيان وطنية أهالي عامودا وإنما نريد التحدث عن حريق السينما في عامودا.. وسبب التذكير بهذه المناسبة إقامة ندوة ألقيت فيها بعض الكلمات والقصائد الشعرية والنثرية باللغة الكردية والعربية، منها كلمة حزب PYD وكلمة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعين السوريين، ولن أتحدث عما جاء في هذه الكلمات والقصائد حيث تحدث الجميع عن وطنية مواقف أهالي عامودا، ولكن الذي لفت انتباهي في هذه الندوة مداخلة قدمها أحد مجانين عامودا وهو محام كبير، حيث أكد بأن مدير الناحية ومحاسب البلدية في ذلك الوقت، أي في عام 1960، استلما تسيير أمور السينما يومها، فجاء الازدحام من خلال الأعداد الكبيرة التي جعلوا السينما تغص بها دون بطاقات ولا رقيب.. فلماذا؟ لأن صندوق بلدية عامودا كان مسروقاً، وعزما أمرهما على تعويض جزء من هذه السرقة عن طريق هذا الفلم، ومن هنا جاء الازدحام!.
إن معظم الذين حضروا الفيلم كانوا تلاميذ مدارس.. حضروا الفيلم دون معلم واحد أو مدير مدرسة ليرافق أو ينظم أو يشرف على هؤلاء التلاميذ..
يقيناً لو لم يكن هناك حريق لمات أعداد كبيرة منهم خنقاً أو تحت الأقدام أثناء الخروج من السينما.
علق مجنون آخر قائلاً: سبحان الله يبدو أن ظاهرة الفساد والحرامية كانت موجودة في عامودا منذ أكثر من نصف قرن.. ولكن بالتأكيد ليست بالقدر والاتساع الذي أصبحت عليه في زمن الدردري.