من المسؤول عن الهجرة من الريف إلى المدينة!!

من المسؤول عن الهجرة من الريف إلى المدينة!!

لا يمكن لأحد أن ينكر دور العوامل الاقتصادية- الاجتماعية في انفجار الأزمة التي تمر بها سورية حاليا، وبالتالي فإن إيجاد الحلول الجذرية لهذه العوامل التي شكلت مشكلات وأعباء اثقلت كاهل المواطن، يشكل مدخلاً أساسياً لإيجاد الحلول الضرورية والجذرية لهذه الازمة التي تستفحل يوماً بعد يوم، 

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأزمة تفجرت بدايةً في المناطق الريفية القريبة والبعيدة عن المدن، لعلمنا أن لها أسبابها التاريخية القديمة والحديثة والتي كان من أهم إفرازاتها تنامي الهجرة من المدينة إلى الريف، ولا شك أن عوامل الطرد في المناطق الريفية تشكل حافزاً هاما لها إضافة إلى عوامل الجذب في المدن.

إن انخفاض الإنتاج الزراعي الذي يسبب الفقر والجوع وافتقار المناطق الريفية للاستثمارات الصناعية والخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية، كذلك تعاقب فترات الجفاف وزيادة تكاليف الانتاج الزراعي ومردوديته الضئيلة على الفلاح وحدوث الكوارث والنكبات والحروب، كلها تمثل عوامل طرد تدفع الريفيين للهجرة إلى المدن، بالجانب الآخر تمتاز المدن بجاذبيتها كمراكز لفرص عمل ودخول أعلى وكمراكز للتعليم والثقافة والنقل والمواصلات وخدمات اجتماعية وصحية أفضل، وظهر بذلك مجتمعان حضري وريفي بينهما فوارق كبيرة اقتصادية واجتماعية وثقافية، وساهم تقدم النقل في كسر أو انهيار العزلة الريفية التقليدية، رغم ما ذكر يبقى توفر فرص العمل في المراكز الحضرية هو الجاذب الرئيسي للمهاجرين.

مسؤولية الحكومة

وعلى الرغم من أن الريف حالياً يشكل البقرة الحلوب للمدن، حيث أنه من خلال النشاطات الزراعية المتنوعة القائمة فيه تجري عمليات تأمين أهم الاحتياجات الأساسية من الخضار والفواكه والحبوب التي تحتاجها المدن، حتى أن مصادر مياه الشرب في أغلب المحافظات يقوم الريف بتوفيرها كنبعي بردى والفيجة في دمشق مثلاً، وكذلك النفط (رميلان- دير الزور)، أضف اليها المنتجات الزراعية التي تشكل المواد الخام في الصناعة كالشوندر السكري والقطن والتبغ والطحين والخبز والمعكرونة وغيرها من المنتجات، إن هذه النظرة القديمة التي تشكلت قبل نشوء الدولة الوطنية الحديثة ما زالت قائمة حتى الآن، وهو ما يفسر تدني اهتمام الكثير من الحكومات المتعاقبة وعدم اكتراثها بحل المشاكل المتراكمة التي تعصف في الريف وتشجع الهجرة إلى المدن الكبيرة كدمشق وحلب.

وهنا لابد ان نبيّن أن ما ساعد على تفاقم هذه الهجرة تقصير الإعلام السوري بمختلف أجهزته المقروءة والمرئية والمسموعة والإلكترونية، والتي كان عليها أن تمارس دورها الوظيفي في إلقاء الضوء على المشكلات الاقتصادية- الاجتماعية التي تصيب أريافنا السورية والتي تتشابه إلى حد بعيد، حتى ولو كانت هذه الأرياف متباعدة عن بعضها، فالأسباب المؤدية لتنامي الهجرة واحدة والاختلاف فيما بينها نسبي وضئيل لحد ما، مع ضرورة الضغط على الحكومة لتقوم بدورها الاجتماعي في إيجاد الحلول السريعة لها بعد التعرف على أسبابها، علماً أن الأسباب التي تحفز ابن حوران أو السويداء للهجرة هي نفسها التي تدفع مواطني المنطقة الشرقية أوالساحلية أو الوسطى لها، وعلينا ألا ننسى الهجرة التي حدثت قبل عامين والتي أدت إلى نزوح جماعي لحوالي 600 ألف مواطن من الجزيرة السورية إلى الداخل وجزء كبير منها إلى دمشق تحديداً، بسبب الجفاف وانعدام فرص العمل للشباب، كما أن المشكلات الاجتماعية التي تنتج عنها كبيرة وكبيرة جداً، من بعضها السكن في العشوائيات ومناطق المخالفات لعدم القدرة المالية للمهجرين على العيش في بيوت نظامية، أضف إليها شعورهم الدائم بضعف الأمان والاستقرار وانتشار الأوبئة والجريمة وميول الكثير من أبنائهم إلى التسول والتهرب من التعلم وغيرها من المشكلات التي تشكل بالوقت نفسه مشكلات للمدن المهاجر إليها.

وأخيراً نقول يجب أن تقوم الدولة بتأدية دورها الوظيفي في ضرورة إجراء الدراسات الميدانية المستمرة لمشاكل الريف السوري، وما أكثرها، مع تحفيز وسائل الإعلام المختلفة للمساهمة في هذا الموضوع والقيام بزيارات ميدانية للمناطق الريفية وإلقاء الضوء على مشاكلها قبل أن تستفحل وتخرج عن السيطرة، فالقطاع الزراعي السوري كان يساهم بـ28% من الناتج المحلي السنوي إلا أنه مع الاهمال الذي قامت به الحكومة السابقة وترحيل ما يعانيه إلى الجفاف المعند كما كان يكرر «الدردري» انخفضت مساهمته إلى أقل من 14% حالياً.

إن تضييق الهوة الاقتصادية والاجتماعية إلى حد كبير بين المناطق الحضرية «المدن» والريفية سيساهم في تراجع تيارات الهجرة الريفية للمدينة بدرجة كبيرة، وهذا يستدعي من الحكومة بأن تقوم بعملية تخطيط التنمية الاقتصادية بشكل متوازن بحيث تتضمن توزيع المشاريع الصناعية والخدمية بين المناطق الحضرية والريفية، وتنمية المناطق الريفية اجتماعياً وثقافياً وتعليمياً وصحياً وخدمياً، وإشراك الفلاحين بكل ما يتعلق بتطوير وتنمية الريف لأنهم أصحاب المصلحة الحقيقية في ذلك، مع ضرورة فتح طرق مواصلات جديدة وتزفيتها وتأمين المياه للشرب والزراعة وتخفيض تكاليف الإنتاج الزراعي وتأمين الأسمدة والمبيدات الحشرية والأدوية البيطرية بأسعار معقولة، وتوسيع مساحة الأراضي الزراعية عن طريق استصلاحها ووقف عملية التصحر، وتنسيق أفضل بين مؤسسات التخطيط المركزي والمؤسسات المحلية عند وضع خطط تتعلق بتنمية وتطوير الأرياف، وتخفيف الضغط على المدن الكبيرة وذلك بتنمية المدن الصغيرة والمتوسطة لاجتذاب فائض سكان الأرياف، أخيراً ترشيد تيارات الهجرة وفق خطط مدروسة بحيث تصبح هذه العملية منسجمة مع التطور الاقتصادي والاجتماعي ومع حاجات المدن للأيدي العاملة ففي هذه الحالة ستكون فوائدها أكثر من مضارها.