مسابقات وزارة التربية.. خريجو الفنون يسألون في الرياضيات.. وفتاة تؤكد نجاحها قبل صدور النتائج!
في زمان الإصلاح الذي لم يلحظ المواطن نتائجه حتى الآن، إلا من خلال حاسة السمع التي تهطل عليها يومياً ألاف الوعود وألاف الإنجازات، والتي لا تزال أسيرة الورق الذي كتبت عليه.
فمنذ تسعة أشهر تقريباً، أي مع ولادة الحراك الشعبي المطالب بحقوقه المشروعة، كثر الحديث عن عزم المسؤولين في البلاد السير على طريق الإصلاح وتحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة في الحقوق و الواجبات، وتأمين فرص العمل للجميع كل بحسب إمكانياته وقدراته من خلال وضع «الشخص المناسب في المكان المناسب» من خلال مسابقات حكومية تؤمن للخريجين والحاصلين على شهادات علمية عالية التنافس الشريف على الوظائف التي تؤمنها الدولة لهم.
مسابقة وزارة التربية
إلا أن الحقيقة، رغم أننا في زمان أطلق عليه اسم زمان الإصلاح، عكس ذلك تماماً على الأقل بما يتعلق في قطاع التعليم التابع لوزارة التربية، والتي أعلنت قبل عدة أشهر عن قيامها بمسابقة بهدف تعيين عدد من المدرسين والمدرسات في مختلف الاختصاصات التعليمية للمراحل التعليمية كافة، (الأساسية والثانوية)، وذلك للتعاقد معهم بموجب عقود سنوية مؤقتة لوظائف إدارية وتدريسية، من خلال خضوع المتقدمين لامتحان يقسم إلى قسمين (كتابي و شفهي) يتم فيه اختبار كفاءة المتقدمين للمسابقة وإمكاناتهم، بأشراف لجان مختصة كما يقال، هذا بحسب المفهوم النظري لآلية تنفيذ مثل هذه المسابقات.
وتمثلت الاختصاصات المطلوبة باللغة العربية، اللغة الانكليزية، اللغة الفرنسية، الرياضيات، الكيمياء، الفيزياء، العلوم الطبيعية (علم الأحياء)، المعلوماتية، الإرشاد الاجتماعي، العلوم السياسية التاريخ، الجغرافيا، الإرشاد النفسي، المكتبات، الفلسفة، التربية (التخطيط والإدارة التربوية)، التربية (مناهج وتقنيات التعليم)، التربية (رياض أطفال) التربية الدينية، التربية الرياضية، التربية الموسيقية، التربية الفنية الحقوق، الاقتصاد، مهندس إلكترون، مهندس اتصالات، مهندس ميكانيك.
مراحل المسابقة
بلغ عدد المتقدمين للمسابقة (46096) من الذكور والإناث، وهذا قبل الامتحان الكتابي الذي سيسفر كنتيجة طبيعية عن تقسيم المتقدمين إلى فئتين إحداهما ناجحة مقبولة ستتابع فرصتها لتصل إلى الامتحان الشفهي، وأخرى راسبة ستفقد فرصتها في متابعة المسابقة ومع صدور نتائج الامتحان الكتابي، أصدرت وزارة التربية قراراً أثلج لبعض الوقت قلوب من لم يحالفهم الحظ في تخطي الامتحان الكتابي، والقاضي بتقدم جميع المتقدمين للمسابقة إلى المرحلة الثانية (الامتحان الشفهي) سواء كانوا تجاوزوا الامتحان الكتابي بنجاح أم لا، كنوع من إتاحة الفرصة مرة أخرى أمام من لم يتجاوزوا المرحلة الأولى.
لكن كثيراً من المتقدمين ممن لم يتجاوزوا المرحلة الأولى، قالوا إن هذا القرار كان نوعاً من الدعاية الإعلامية فقط، فالعدد الذي تقدم إلى الامتحان الشفهي أقل بكثير من العدد الإجمالي للمتقدمين، والذي سيكشف فيما بعد عن أشكال عدة للفساد المتفشي في دوائرنا الحكومية، و التي يقال إنها بدأت في تطبيق خطوات الإصلاح، تلبية لمطالب الحراك الشعبي الذي اعترفت الدولة بمشروعيته، وبأن هناك بعض الأخطاء التي تم إهمالها في السابق، والتي على ما يبدو لا تزال على حالها حتى الآن.
الامتحان الشفهي
بعد تجاوز الامتحان الكتابي، خضع المتقدمون للامتحان الشفهي، والذي من المفترض أن تكون أسئلته اختصاصية، إلا أن ما جرى كان عكس ذلك تماماً، حيث تحدث عدد من المتقدمين للمسابقة لـ«قاسيون» أن الأسئلة التي طرحت عليهم لا تتعلق باختصاصهم أبداً.
المتقدمة (ر،ع) خريجة معهد فنون نسوية، قالت: «إن اللجنة قد طرحت عليها سؤالاً في الرياضيات، وبهذا السؤال عرفت سلفاً بأني لن أكون من المقبولين، سواء أجبت أم لم أجب، فأنا لم تكن لدي واسطة، إلا أنني قررت أن أجيبهم على سؤالهم بسؤال أخر، وهل هذه لجنة الفنون النسوية أم لجنة الرياضيات، وكانت الإجابة من أحد أعضاء اللجنة (هذا شغلنا مو شغلك) ولم تطرح اللجنة علي إي سؤال ضمن اختصاصي»!.
و لدى تقدم إحدى الفتيات الخريجات للجنة نفسها سألتها اللجنة عن أمور شخصية، حيث طلبوا منها الحديث عن الحادث الذي تعرضت له قرب معهد أثناء دراستها في معهد الفنون النسوية في مساكن برزة، فهذا الحادث قد سمع به جميع من في المعهد حينها.
فتقول هذه المتقدمة: «طلبوا مني إخبارهم كيف وقع الحادث، كما سألوني عن سبب تقدمي للمسابقة، وكأن الجواب غير معروف، دون طرح أي سؤال يتعلق باختصاصي».
أما المتقدم (ب،أ) فأوضح: «إن مثل هذه المسابقات تستهلك وقتنا وجهدنا دون فائدة، فنحن نأتي إلى مركز المسابقة ونقف بالمئات تحت أشعة الشمس حتى يحين دورنا، ونسأل أسئلة لا علاقة لها باختصاصنا، رغم أننا نملك الكفاءة التي تؤهلنا لهذه الوظائف، كما أن الشروط جميعها تنطبق علينا، وفي نهاية يحصل على الوظيفة من لا يمتلك أي كفاءة فقط لأن لديه واسطة، أنه قادر على دفع رشوة».
وتساءل المتقدم (ع،م): «إن كنا قادرين على دفع مثل هذه المبالغ، فما حاجتنا للوظيفة؟ كما أن عدد الوظائف المطلوبة لا تكفي لاستيعاب جميع الخريجين، يحصل عليها من لا يستحقها».
وهناك أمثلة كثير تتعلق باللجان الأخرى التي تحدث عنها المتقدمون والمتقدمات للامتحان الشفهي فيما بينهم بعد خروجهم، كأن يسأل خريج الجغرافيا عن الفلسفة، ويسأل خريج التربية الرياضية عن الشعر العربي، علماً أن هذه اللجان تعتبر متخصصة في المجالات المطلوبة بحسب قول وزارة التربية، الأمر الذي يفترض أن تكون أسئلتها متخصصة أيضاً إلا أن الوقائع على الأرض تثبت عكس ذلك، وتؤكد ما يدور من أحاديث بين الناس عن أن مثل هذه المسابقات هي مسابقات شكلية، لأن من سيقبل قد حدد مسبقاً حتى قبل أن تبدأ المسابقة، وسيكون جميعهم ممن لديهم واسطة كبيرة، أو قدرة على دفع مبالغ طائلة كرشاوى حتى يتم قبولهم وتعيينهم في الوظائف المطلوبة.
كثر الحديث
قال بعض المتقدمين لهذه المسابقة لـ«قاسيون» إنهم سمعوا إحدى الفتيات المتقدمات، تؤكد نجاحها في المسابقة بعد خروجها مباشرة من قاعة الامتحان الشفوي، وعندما سئلت ما الذي جعلها متأكدة من نجاحها؟ أجابت بالمال يصنع المحال، وبأنها دفعت مبلغ (20000) ل.س.
كما تحدث زوج إحدى المتقدمات للمسابقة (ح.ف) وقال: «أخبرني أحد أعضاء هذه اللجان أن المبلغ المطلوب لقبول أي متقدم و تعيينه في الوظائف المطلوبة قد يصل عند بعض ضعاف النفوس إلى (100000) ل.س، أو لواسطة كبيرة حتى يحصل المتقدم على العلامة التي تضعه بين العشرة الأوائل الذين سيقبلون في كل اختصاص، والذين سيباشرون عملهم في بداية الفصل الثاني، والذين من المفترض أن يكونوا أمناء على مستقبل الأجيال التي ستشكل اللبنة الأولى في بناء الوطن والمواطن والسير به على طريق التطور والتقدم و الازدهار»..
فهل الآلية المتبعة في اختيار المعلمين والمعلمات في سورية، قادرة على تأمين الكوادر التدريسية الكفوءة والقادرة على بناء المواطن خصوصاً إذا ما كانت الواسطة والرشوة هي أبرز معايير اختيار الكوادر التدريسية، بدل الكفاءة والقدرات العلمية؟.
وهل بات على من يبحث عن وظيفة حكومية في بلدنا أن يبحث أولاً عن واسطة كبيرة قبل دخوله في أية مسابقة رسمية؟..
السؤال برسم وزارة التربية.